"جريمة الاعتداء على المال العام" موضوع خطبة الجمعة اليوم 29 ديسمبر 2023
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 16 جمادى الآخرة 1445 هـ، الموافق 29 ديسمبر 2023، التي جاءت تحت عنوان "جَرِيمُةُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى المَالِ الْعَامِّ وَالملكِ الْعَامِّ وَالْحَقِّ العَامِّ".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة اليوم 29 ديسمبر 2023
جَرِيمُةُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى المَالِ الْعَامِّ وَالملكِ الْعَامِّ وَالْحَقِّ العَامِّ
16 جمادي الآخر 1445هـ -29 ديسمبر 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوِ أعْجَبْكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثُ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أولِي الْالْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وَأشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بَإحِسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَبَعْدُ…
فَلَا شَكَّ أنَّ المَالَ العَامَّ وَالملكَ العَامَّ وَالحَقَّ العَامَّ رَكَائِزُ بِنَاءِ الأممِ وَالأوطَانِ؛ لِذَلِكَ شَدَّدَ دِينُنَا الْحَنِيفُ عَلَى حرمةِ الاعتِدَاءِ عَلَى أيٍّ مِنْهَا، حَيْثُ نَهَى دِينُنَا الْحَنِيفُ عَنِ أكلِ أموَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، يَقُولُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمْنُوا لَا تَأكلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أنفُسَكُم إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَأكلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، وَيَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: ( كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سَحْتٍ فَالنَّارُ أوْلَى بِهِ).
وَلَمَّا كَانَ المَالُ العَامُّ وَالملكُ العَامُّ وَالحَقُّ العَامُّ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ وَاسِعِةٌ
وَجَبَ عَلَيْنَا المُحَافظُةُ عَلَيْهِ وَحِمَايَتُهُ وَالعَمَلُ عَلَى تَنْميَتِهِ وَتَطْوِيرِهِ، فَإنَّ الَأمَانةَ فِيهِ أشْدُّ، وَالمَسْؤُولِيّةَ عَنْهُ أعْظُمُ، كَمَا أنَّ حُرْمَتَهُ أشدُّ أثْمًا وَجُرْمًا وَخَطَرًا مِنْ حُرمِةِ الأمْوَالِ الخَاصَّةِ وَالأمْلَاكِ الخَاصِّةِ وَالحُقُوقِ الْخَاصِّةِ؛ لِكَثَرَةِ الذِّمَمِ الْمُتَعَلِّقةِ بِالْحُقُوقِ الْعَامِّةِ.
وَقَدْ حَذَّرَ دِينُنَا الْحَنِيفُ مِن الِاعْتِدَاءِ عَلَى المَالِ بِصِفةٍ عَامَةٍ، حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ يَغْللْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامِةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}، وَيَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: (إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامِةِ)، وَيَقُولُ ﷺ: (كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أوْلَى بِهِ).
وَشَدَّدَ الإسْلَامُ فِي الِاعْتِدَاءِ عَلَى أمْلَاكِ الآخرِين، سَوَاءٌ أكَانَتْ عَامُةً أمْ خَاصّةً، حَيْثُ يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: (مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامِةِ مِنْ سَبْعِ أرْضِينَ)، وَقَدْ سَألَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَبِيَّنَا ﷺ: (أيُّ الظُّلْمِ أظْلِمُ، فَقَالَ ﷺ ذِرَاعٌ مِنَ الْارْضِ يَنْتَقِصُهَا الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ مِنْ حَقِّ أخيِهِ فَلَيْسَ حَصَاةٌ مِنَ الأرْضِ يَأخذُهَا أحدٌ الّا طُوِّقَهَا يَوْمَ الْقِيَامِةِ إلَى قَعْرِ الأرْضِ وَلَا يَعْلَمُ قَعْرَهَا إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي خَلَقَهَا).
وَمِنْ الحُقُوقِ العَامِّةِ الَّتِي يَجِبُ الْحِفَاظُ عَلَيْهَا وَاسْتِخْدَامُهَا اسْتِخْدَامًا رَشِيدًا المَرَافقُ العَامَّةُ الَّتِي تَقُومُ الدُّولةُ بِبِنَائِهَا وَتَطْوِيرِهِا.
فَذَلِكَ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ وَوَطَنِيٌّ وَانْسَانِيٌّ، حَيْثُ يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ:
(لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)، وَهُوَ وَاجِبٌ لَا يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ الْحُفَاظِ عَلَيْهَا فَحَسْب، بَلْ يَمْتَدُّ إلَى الْعَمَلِ عَلَى تَعْظِيمِهَا وَالِاسْهَامِ فِي تَطْوِيرِهَا، حَيْثُ يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: (سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْ علّمَ عِلْمًا، أوْ كَرَى نَهْرًا، أوْ حَفَرَ بِئْرًا، أوْ غَرَسَ نَخْلًا، أوْ بَنَى مَسْجِدًا، أوْ وَرثَ مُصْحَفًا، أوْ تَرَكَ وَلَدًا يُسْتَغْفرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ).
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين، وَالصلاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الِانْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
وَمِنْ صُوَرِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمِلْكِ الْعَامِّ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَقٌّ لِلْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ، كَمَا أنَّ لَهُ دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَنَمِّيةِ الْمُجْتَمَعِ فِي الْعَدِيدِ مِنْ الْمَجَالَاتِ الِاجْتِمَاعِيِّةِ، وَخَدَمِةِ الْقِرَآنِ الْكَرِيمِ، وَالإسْهَامِ فِي عَمَّارِةِ الْمَسَاجِدِ، وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَعِلَاجِ الْمَرْضَى، وَرِعَايِةِ الْمُحْتَاجِينَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالأيْتَامِ وَالأُسرِ الأولَى بِالرِّعَايِةِ، لِذَلِكَ يَجِبُ المَحَافِظُةُ عَلَيْهِ، وَتَنْمِيَتُهُ وَاسْتِثْمَارُهُ، وَيَحْرُمُ أكْلُهُ أوْ تَضْيِيعُهُ أوْ التَّحَايُلُ عَلَيْهِ بَأيِّ حِيَلِةٍ لِاستبَاحتِهِ، أوْ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، اوْ تَسْهِيلِ الِاسْتيلَاءِ عَلَيْهِ.
فَإنَّ ذَلِكَ إثْمٌ كَبِيرٌ، وَجُرْمٌ عَظِيمٌ، يُحَوِّلُ حَيَاةَ الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ إلَى جَحِيمٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ
فَلَا تُقْبَلُ لَهُ دَعْوةٌ، وَلَا يُبَارَكُ لَهُ فِي مَالٍ أوْ وَلَدٍ، حَيْثُ ذَكَرَ نَبِيُّنَا ﷺ:
( الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ اشْعَثَ أغبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمُطْعمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَكْسَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)، فَمَا بَالُكُمْ بِمَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ؟! فَضْلًا عَمَّا يَنْتَظِرُ الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ أوْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ المَالِ العَامِّ مِنْ سُوءِ العَاقِبِةِ يَوْمَ الْقِيَامِةِ.
فَمَا أحْوَجْنَا إلَى الحِفَاظِ عَلَى المَالِ العَامِّ وَالملكِ العَامِّ وَالحَقِّ العَامِّ مَعَ ادِّرَاكِنَا لِحَرَمِةِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ بِصَفِّةٍ عَامَةٍ وَالْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِصَفِّةٍ خَاصةٍ.
اللهم احْفَظْ مِصْرَنَا وَارْفَعْ رَايَتَهَا فِي الْعَالَمِينَ.