انهيار شعبيته.. حرب غزة تقضى على مستقبل نتنياهو السياسي
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معضلة صعبة للغاية، فهو ما بين الضغوط الدولية والمحلية الكبرى لإنهاء الحرب في قطاع غزة في أقرب وقت، وبالتالي فقد منصبه وانتهاء مسيرته السياسية بأسوأ طريقة أيًا كانت نتيجة الحرب، أو إطالة أمد الحرب قدر الإمكان للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.
وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن إصرار نتنياهو على استمرار الحرب طويلة المدى في غزة يرجع إلى رغبته لحماية منصبه كرئيس للوزراء، فحكومة الوحدة التي شكلها في زمن الحرب سوف تُحل بعد انتهاء الصراع، وأي حل لغزة يشمل جهات فلسطينية، مثل عودة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، يهدد الاستقرار، لحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة.
وتابعت أن انتهاء الحرب تعني عودة المحاكمات مرة أخرى بتهم الفساد المالي والسياسي، وإجراء انتخابات جديدة، من المؤكد أنه لن يفوز فيها.
المهددون لمستقبل نتنياهو السياسي
وأفادت مجلة "نيويوركر" الأمريكية، أنه وفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بدأ يفقد شعبيته، ويريد الناخبون أن يترك منصبه بعد انتهاء الحرب في غزة - إن لم يكن قبل ذلك، حيث واجه نتنياهو انتقادات واسعة النطاق لسماحه بوقوع عملية طوفان الأقصى وجادل بعض أعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه بأنه لا يخوض الحرب - التي قتلت بالفعل، وفقا لأرقام وزارة الصحة في غزة، قرابة 21 ألف فلسطيني في غزة، 40% منهم من الأطفال، وهذا أمر حاسم بما فيه الكفاية.
وتابعت أن أبرز الذين يهددون منصب نتنياهو بيني جانتس الوزير في حكومة الحرب، بالإضافة إلى لائير لابيد المعارض القومي لنتنياهو وداني دانون، عضو الكنيست الذي تحدى نتنياهو مرتين على قيادة الحزب، وعمل أيضا سفيرا لإسرائيل لدى الأمم المتحدة من عام 2015 حتى عام 2020.
وذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل مطلع الشهر الحالي، أن دانون يستعد لمواجهة نتنياهو مرة أخرى.
وأضافت المجلة أن دانون على عكس جانتس ولابيد لا ينتقد نتنياهو علنًا في الوقت الحالي، ولكن كافة رسائله هي انتقادات ضمنية لتعامل نتنياهو مع القضية الفلسطينية فعلى الرغم من أن دانون يعارض قيام دولة فلسيطينية لكنه لا يوافق على سقوط عشرات الآلاف من القتلى في غزة والخسائر الكبرى التي مني بها الجيش الإسرائيلي في معركته في غزة.
وأشارت إلى أنه بالرغم من أن شعبيته ليست بنفس قوة شعبية جانتس أو لابيد، إلا أن دانون لديه أفكار مشابه كثيرًا لما يفضله المجتمع الإسرائيلي.
نتنياهو ومخططات الصمود في الحكم
بينما أكدت شبكة "‘إن بي سي نيوز" الأمريكية، أن نتنياهو أمضى الشهور الماضية في المناورة للحفاظ على السلطة وتعزيز الدعم الشعبي وسط هجمات من المنافسين السياسيين، وضغوط من إدارة بايدن، وانتقادات دولية متزايدة لطريقة تعامله مع الحرب مع حماس.
وتابعت أنه في محاولة واضحة للتلاعب بقاعدته اليمينية، انفصل نتنياهو علنًا هذا الأسبوع عن الرئيس جو بايدن ورفض أي حديث عن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ووصف اتفاق أوسلو للسلام، الذي أنشأ السلطة الفلسطينية في عام 1994 ومنحها سلطة حكم الضفة الغربية وغزة، بأنه "خطأ" لا ينبغي أن يتكرر، وكان هذا البيان بمثابة توبيخ صريح لبايدن، الذي دعا إلى تشكيل سلطة فلسطينية "متجددة" لحكم غزة بعد هزيمة حماس.
وأوضحت أن خطوات نتياهو تأتي في أعقاب نمط طويل الأمد من قيام الزعيم الإسرائيلي بالإدلاء بتصريحات متشددة لتحقيق مكاسب سياسية خاصة به، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، وقد تصدى نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول خدمة في إسرائيل، مرارًا وتكرارًا لمحاولات إزاحته في السنوات الأخيرة من خلال عقد تحالفات مع الأحزاب السياسية اليمينية.
وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون لشبكة NBC News إنهم يخشون أن يكون نتنياهو قد تبنى بعض المواقف في الحرب ضد حماس لإطالة أمد بقائه السياسي.
وأضافوا أنه نظرا لموقفه السياسي الضعيف والتوقعات الواسعة النطاق بأنه يمكن تهميشه بمجرد انتهاء القتال في غزة، فإن نتنياهو لديه دافع قوي لإطالة أمد الهجوم العسكري.
وقال أحد المشرعين الأمريكيين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لشبكة NBC News: "لديه كل الحوافز لمواصلة الحرب، لضمان بقائه السياسي".
وفي الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل معزولة دوليا بشكل متزايد حيث بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في الصراع أكثر من 21 ألف فلسطيني، 70٪ منهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة التي في غزة، ونزح الغالبية العظمى من سكان الإقليم البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ويقدر أن نصفهم يواجهون المجاعة، وفقًا للأمم المتحدة.
وقال مسؤول إسرائيلي حالي إن نتنياهو يتحول نحو اليمين مع اقتراب التكلفة السياسية المحلية لفشل حكومته في منع هجوم 7 أكتوبر.
وأوضحت الشبكة أنه بعد الهجوم المفاجئ، شكل نتنياهو حكومة وحدة في زمن الحرب مكونة من خمسة مسؤولين إسرائيليين كبار. وشملت نتنياهو؛ يوآف جالانت، عضو حزب نتنياهو الذي يشغل منصب وزير الدفاع؛ بيني جانتس، أحد المنافسين السياسيين الرئيسيين لنتنياهو؛ وجادي آيزنكوت، سياسي وسطي؛ ورون ديرمر، أحد أقرب مستشاري نتنياهو.
وتابعت أنه وبعد ستة أسابيع، أصبح زعيم المعارضة الوسطي يائير لابيد أول شخصية سياسية إسرائيلية كبرى تدعو نتنياهو إلى الاستقالة، منتقدة أسلوب تعامله مع الحرب، حيث قال لابيد للقناة 12 الإخبارية في إسرائيل: "على نتنياهو أن يرحل الآن خلال القتال، البلاد تسير في منعطف خيطر".
وكان موقف نتنياهو السياسي محفوفا بالمخاطر قبل الهجوم، وبعد تحقيق في الفساد، قام بتشكيل حكومة تضم فصائل يمينية متطرفة في البرلمان، ثم قام بعد ذلك بمحاولة لإصلاح النظام القضائي الذي تم انتقاده باعتباره محاولة لزيادة سلطته وتقويض الديمقراطية الإسرائيلية، وتلا ذلك احتجاجات في الشوارع مزقت البلاد.
ألقى الجنرال المتقاعد والسياسي من يسار الوسط عاموس يادلين الكثير من اللوم في فشل المخابرات الإسرائيلية في الفترة التي سبقت 7 أكتوبر على الفوضى التي نتجت عن الإصلاح القضائي الذي اقترحته حكومة نتنياهو.
ويرى بعض المحللين أن تحول نتنياهو نحو اليمين أمر منطقي بالنسبة لسياسي يسعى إلى تعزيز الدعم المحلي قبل القلق بشأن الرأي العام العالمي. وأشاروا أيضًا إلى أن بعض مواقف نتنياهو ليست خارجة عن القاعدة السياسية في إسرائيل بعد 7 أكتوبر.
انهيار شعبية نتنياهو قبل 7 أكتوبر.. وسيناريوهات الإطاحة به
فيما أكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن انهيار شعبية نتنياهو لم تأتي بسبب عملية طوفان الأقصى فقط، حيث بدأ الأمر قبل عقد من الزمان، بدعوات تطالبه بالاستقالة ــ لأسباب عديدة: تزايد مستويات عدم المساواة، وأزمة الإسكان في إسرائيل، وميله إلى الشعبوية القبيحة، وفضائح الفساد المتعددة التي تورط فيها ولا يزالون قيد المحاكمة، ومؤخرًا، محاولات لإجراء إصلاح قضائي.
وتابعت أن اليوم يبدو مستقبل الناجي السياسي النهائي في إسرائيل هشًا بشكل خاص، حتى في خضم حرب جديدة في غزة.
وقالت صحيفة هآرتس ذات التوجه اليساري، في مقال لاذع "إن أسوأ نقطتين على هذا الكوكب هما في إسرائيل: البحر الميت وسلوك بنيامين نتنياهو، أحدهما ظاهرة طبيعية، والآخر خطأ سياسي فادح"، وأجرى أعضاء من حزب الليكود مقابلات مجهولة المصدر، أشاروا فيها إلى أن نتنياهو قد يكون أخيرًا في نهاية مسيرته السياسية، كما أن الافتقار إلى الدعم لحوالي 120 ألف شخص شردتهم الحرب واللامبالاة تجاه عائلات ما يقدر بنحو 240 محتجز لدى حماس، قد أدى إلى تفاقم الغضب الشعبي الإسرائيلي.
وتابعت الصحيفة أن 76% من الجمهور الإسرائيلي غير راضين عن أداء الحكومة في أعقاب هجوم حماس، وفقًا لاستطلاع للرأي أجراه معهد الحرية والمسؤولية التابع لجامعة رايخمان بعد عشرة أيام من الهجوم. وقد انخفض الدعم لنتنياهو نفسه، والذي كان يتراجع بالفعل، إلى درجة إجمالية قدرها 3.9 من أصل 10.
في حين أنه من غير المرجح أن يتنحى نتنياهو عن طيب خاطر وما زالت الانتخابات العامة بعد ثلاث سنوات، فمن الممكن أن يؤدي تصويت بحجب الثقة من داخل حكومته إلى الإطاحة به، مما يمهد الطريق لتشكيل ائتلاف أكثر وسطية، سيكون لمثل هذه الخطوة آثار عميقة على كيفية استمرار إسرائيل في شن حربها الجديدة في غزة، وتخطيط السيناريو لما سيحدث لقطاع غزة في اليوم التالي.