صلاح جاهين.. أنا اللى بالأمر المحال اغتوى
بمجرد أن تذكر صلاح جاهين فى بالك، يتجسد أمام عينيك عالم كامل من البهجة والخفة والتوهج الإنسانى، والعطاء والموهبة المتفجرة غير المحدودة، وتتذكر معه جزءًا مهمًا من تاريخ الإبداع الراسخ فى الهوية المصرية الأصيلة.
نتذكره الآن ونحن نعيش ذكرى مولده، التى تحل غدا ٢٥ ديسمبر ١٩٣٣، ونغوص خلالها فى رحلة طويلة من العبقرية متعددة الأوجه والأشكال. هو الشاعر صاحب اللغة الرشيقة الذى اشتهر بمربعاته الخالدة، وهو الرسام المحلق والمعبر عن الإنسان المصرى فى بساطته وأفراحه وأحزانه، وهو المؤلف المخضرم كاتب السيناريوهات التى صنعت أجمل أفلام السينما، وهو أيضًا الممثل صاحب البصمات الجادة والأدوار الفارقة التى ميزت كل عمل شارك فيه.
ومن ينظر إلى وجهه يرى صورة مصر الحقيقية فى انتصاراتها وانكساراتها كذلك، ونتذكر أفراحه وهو يتغنى لمصر فى ثورة يوليو ١٩٥٢ المجيدة، ويعيش معها أحلام التقدم والمساواة وإنهاء الاستعمار، ونراه أيضًا وهو يخرج من رحم الألم بعد أحداث النكسة فى ١٩٦٧، ويبعث الأمل فى قلوب المصريين. ولا نجامله لو قلنا إنه من أكبر وأنبل داعمى المواهب الذين جاءوا فى تاريخ مصر، فقد آمن بالموهوبين فى جميع المجالات وقدم لهم دعمه اللامحدود، ولا ينسى أحد دعمه واحتضانه الكبير للسندريلا سعاد حسنى، التى كتب لها سيناريو الفيلم الشهير «خلى بالك من زوزو». ولعل أهم ما يميز تجربة صلاح جاهين الشعرية أنها تحمل فى طياتها فلسفة إنسانية عميقة، رغم بساطتها الهائلة، فعبقريتها تكمن فى بساطتها، وهو ما جعل مربعاته بمثابة أيقونات فى الحكمة والخيال الناضج، وملهمة لأجيال من الشعراء الذين تربوا عليها وانطلقوا عبرها إلى تجاربهم الخاصة.
ويكمن إيمان صلاح جاهين بالتجربة الناصرية فى ارتباطه الكبير بوطنه، وإيمانه بأن الشعب المصرى يستحق أن يعيش بحرية وكرامة إنسانية، وأن يتخلص من الاستعمار ويحصل على مكتسباته ومقدرات وطنه، فكتب لهذه التجربة أروع الأشعار وتغنى بإنجازاتها.
ومن أجل ذلك الإيمان الكبير، اهتز قلب صلاح جاهين بأحداث النكسة، التى رأى البعض أنها مثّلت ضربة قاصمة للحلم الذى طالما آمن به، لكنه سرعان ما استعاد الأمل فى نفسه، وآمن بأن كل محنة لا بد أن تعقبها منحة، وأن وطننا مصر لا يمكن أن يهزم أبدًا، وأن الأرض المصرية لا بد ستُحرر بسواعد أبنائها.