"نداءات القرآن للرسول".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 15 ديسمبر 2023
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 2 جمادى الآخرة 1445 هـ، الموافق 15 ديسمبر 2023، التي جاءت تحت عنوان "نداءاتُ القرآنِ الكريمِ للرسولِ ﷺ".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة اليوم 15 ديسمبر 2023
نداءاتُ القرآنِ الكريمِ للرسولِ ﷺ
الموضوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِه الكريمِ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}(الأحزاب)، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهو علي كلِّ شيءٍ قدير، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ البشيرُ النذيرُ، والسراجُ المنيرُ سيّدُ الأولين والآخرين، وعلي آلهِ وأصحابِه أجمعين، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدينِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 15 ديسمبر 2023م بعنوان: نداءات القرآن الكريم للرسول ﷺ
أولًا: تكريـــــمُ اللهِ تعـــالي لنبيِّـــــهِ ﷺ.
*عبادَ الله: إنَّ اللهَ رفعَ قدرَ نبيِّهِ ورسولِهِ ﷺ وأعلَي منزلتَهُ، وخصَّهُ بخصائصَ، وأيدَهُ بمعجزاتٍ باهرةٍ وبراهينَ ساطعةٍ، ومِن هذه الخصائصِ أنَّ اللهَ تعالى ناداهُ بوصفِ النبوةِ والرسالةِ، وهذانِ الوصفانِ مِن أهمِّ الأوصافِ التي اتصفَ بهَا نبيُّنَا ﷺ، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } وقد وردَ النداءُ بهذا اللفظِ في ثلاثةَ عشرَ موضعًا مِن القرآنِ، وقال سبحانه مخاطبًا نبيَّهُ بصفتِه رسولًا قال تعالي: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ } وقد وردَ النداءُ بهذا اللفظِ في موضعينِ في سورةِ المائدةِ، فناداهُ ربُّهُ سبحانه في هذه المواضعِ بأكملِ الأوصافِ، وأرفعِ المقاماتِ، وهذه الخصوصيةُ لم تثبتْ لغيرِهِ مِن الأنبياءِ، فكلُّ نبيٍّ ناداهُ اللهُ باسمِهِ، قال تعالى: { وَقُلْنَا يَاآدَمُ } (البقرة)، وقال: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } (المائدة) وقال: { قِيلَ يَانُوحُ } (نوح:48) وقال: { قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي }(الأعراف)، وقال: { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) } (الصافات).
*وأمَّا الآياتُ التي ذكرَ اللهُ فيها نبيَّنَا ﷺ باسمِه، فإنّمَا جاءَ ذلك على سبيلِ الإخبارِ، وجاءتْ مقرونةً بالرسالةِ في أربعةِ مواضعٍ.
قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران).
و قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }(الأحزاب)..
قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(الفتح).
قال تعالي:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}(الصف).
ونداءٌ واحدٌ في ذكرِ إنزالِ القرآنِ عليهِ ﷺ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }(محمد).
*و أخبرَ تعالى أنَّ الأممَ السابقةَ كانوا يخاطبونَ رسلَهُم وأنبياءَهُم بأسمائِهِم، كقولِ قومِ موسَى لهُ: { قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}(المائدة)، وقولِ قومِ عيسَى: { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} (المائدة)، وقولِ قومِ هودٍ: { قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } (هود).
*وفي نداءِ اللهِ لنبيِّهِ وحبيبِهِ ﷺ بلفظِ النبوةِ والرسالةِ دليلٌ علي عظمِ قدرِ النبيِّ ﷺ عندَ ربِّهِ، وتعليمٌ للأمةِ ألّا تنادِي رسولَ اللهِ ﷺ باسمِه مجردًا.{ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}(النور).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 15 ديسمبر 2023م بعنوان: نداءات القرآن الكريم للرسول ﷺ
ثانيًا: نداءاتُ الرحمـــنِ للنبيِّ العدنانِ ﷺ.
*عبادَ الله: إنَّ نداءاتِ اللهِ تعالي لنبيِّهِ في القرآنِ الكريمِ مختلفةٌ ومتنوعةٌ، منها نداءاتٌ تخصُّهُ ﷺ، ونداءاتٌ تدخلُ فيها أمتُهُ، نداءاتُ تشريفٍ وتكريمٍ، ونداءاتُ أوامرٍ وتشريعٍ، ونداءاتُ بشرَي وتطمين، وكثرةُ النداءاتِ دليلٌ علي شرفِ ومنزلةِ المنادَي، ومِن هذه النداءاتِ:
*نداءُ تكريمٍ وتشريفٍ وتفخيمٍ وتعظيمٍ، قال تعالي:{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}(الأحزاب)، يا أيُّها النبيُّ إنَّا أرسلناكَ شاهدًا على أمتِكَ بإبلاغِهِم الرسالةَ، ومبشرًا المؤمنين منهم بالرحمةِ والجنةِ، ونذيرًا للعصاةِ والمكذبين مِن النارٍ، وداعيًا إلى توحيدِ اللهِ وعبادتِه وحدَهُ بأمرِهِ إيَّاكَ، وسراجًا منيرًا لمَن استنارَ بك، فأمْرُكَ ظاهرٌ فيمَا جئتَ به مِن الحقِّ كالشمسِ في إشراقِهَا وإضاءتِهَا، لا يجحدُهَا إلّا معاندٌ.(التفسير الميسر).
*ونداءُ تكليفٍ وأمرٍ، قال تعالي:{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}(الأنفال)، يا أيُّها النبىُّ حثِّ المؤمنين على القتالِ لإعلاءِ كلمةِ اللَّهِ ورغبْهُم فيمَا وراءَهُ مِن خيرِ الدنيا والآخرةِ، لتقوَى بذلك نفوسُهُم، وإنّه إنْ يوجدْ منكُم عشرون معتصمون بالإيمانِ والصبرِ والطاعةِ يغلبوا مائتينِ مِن الذين كفرُوا، ذلك بأنّهُم قومٌ لا يدركونَ حقائقَ الأمورِ، فليس لهم إيمانٌ ولا صبرٌ ولا مطمعٌ في ثوابٍ، وإذا كان واجبُكُم أيُّها المؤمنون أنْ تصبرُوا على ملاقاةِ أعدائِكُم في حالِ قوتِكُم، ولو كانوا أمثالَكُم، فقد رخَّصَ اللَّهُ لكُم في غيرِ حالِ القوةِ أنْ تصبرُوا أمامً مثلَيْكُم فقط مِن الأعداءِ لعلمِه أنّ فيكُم ضعفًا يقتضِى التيسيرً عليكُم والترخيصَ لكُم، بعدَ أنْ تثبتَ هيبةُ الإسلامِ في نفوسِ الكفارِ، فإنْ يكنْ منكُم مائةُ مجاهدٍ صابرٍ يغلبُوا مائتين مِن الكفارِ، وإنْ يكنْ منكُم ألفٌ يغلبُوا ألفينِ بإرادةِ اللَّهِ ومعونتِهِ، واللَّهُ مع الصابرينَ بنصرِهِ وتأييدِه.(المنتخب).
*ونداءُ بشرَي وتطمينٍ لقلبِ النبيِّ ﷺ ومَن تبعَهُ مِن المؤمنين، قال تعالي { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}(الأنفال)، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} كافيك {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وكافي أتباعَكَ مِن المؤمنين،، وهذا وعدٌ مِن اللهِ لعبادِهِ المؤمنين المتبعين لرسولِه، بالكفايةِ والنصرةِ على الأعداءِ، فإذا أتوا بالسببِ الذي هو الإيمانُ والاتباعُ، فلا بُدَّ أنْ يكفيَهُم ما أهمَّهُم مِن أمورِ الدينِ والدنيا، وإنَّما تتخلفُ الكفايةُ بتخلفِ شرطِهَا.(السعدي).
*ونداءُ تشريعٍ، قال تعالي:{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)}(الأحزاب)، يا أيُّها النبيُّ قلْ لأزواجِكَ وبناتِكَ ونساءِ المؤمنين: يسدلنَ عليهنَّ مِن جلابيبِهِنَّ، وذلك اللباسُ على هذا الحالِ أولَى وأحقُّ بأنْ يُعرفنَ فلا يُتعرضُ لهُنَّ بأذَى، وكان اللهُ غفورًا رحيمًا لِمَن أقلعَ عن ذنوبِهِ.(المنتخب).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 15 ديسمبر 2023م بعنوان: نداءات القرآن الكريم للرسول ﷺ
ثالثًا: واجبُنَـــــا نحـــــوَ النبــــــيِّ ﷺ.
*للهِ درُّ القائلِ:
ومِـمَّا زادنِي شـرفًـا وتـيــهًـا……. وكدتُ بأخمصِي أطأُ الـثريَّا
دخولِي تحتَ قولِكَ يا عبادِي ……وأنْ صـيَّرتَ أحمدَ لِي نـبيَّـا
*عبادَ الله: إنَّ واجبَنَا نحوَ النبيِّ ﷺ هو الإيمانُ بهِ والتصديقُ لِمَا جاءَ بهِ، ومحبتُهُ محبةً صادقةً في كلِّ ما أخبرَ، ويتبعُ ذلك: الطاعةُ والاتباعُ والتمسكُ بسنتِهِ، والسيرُ على طريقتِه واقتفاءُ أثرِه، والتحاكمُ إليهِ وإلى سنتِهِ في جميعِ شئونِ الحياةِ، قال اللهُ تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء)، والاتباعُ والطاعةُ لهُ ﷺ دليلُ محبةِ اللهِ تعالي، قالَ تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(آل عمران)، وقرنَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى طاعتَهُ بطاعةِ رسولِهِ ونبيِّهِ ﷺ، قالَ تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }(آل عمران )، وكذلك جعلَ مِن طاعةِ اللهِ طاعةَ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، يقولُ سبحانَهُ وتعالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}(النساء).
قال الحسنُ البصريُّ: زعمَ قومٌ أنَّهُم يحبونَ اللهَ فابتلاهُم اللهُ بهذهِ الآيةِ، قالَ اللهُ تعالي: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(31)(آل عمران).
قال ابنُ كثيرٍ: هذه الآيةُ الكريمةُ حاكمةٌ على كلِّ مَن ادَّعَى محبةَ اللهِ، وليس هو على الطريقةِ المحمديةِ، فإنَّهُ كاذبٌ في دعواهُ في نفسِ الأمرِ، حتى يتبعَ الشرعَ المحمديَّ، والدينَ النبويَّ في جميعِ أقوالِهِ وأفعالِهِ، كما ثبتَ في الصحيحِ عن رسولِ اللهِ ﷺ أنَّهُ قال: « مَن عملَ عملًا ليس عليه أمرُنَا فهو ردٌّ »، ولهذا قال: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله } أي يحصلُ لكم فوقَ ما طلبتُم مِن محبتِكُم إيَّاهُ، وهو محبتُهُ إيّاكُم وهو أعظمُ مِن الأولِ، كما قال بعضُ العلماءِ الحكماءِ: ليس الشأنُ أنْ تحبَّ إنَّما الشأنُ أنْ تُحَبَّ، وعن عروةَ عن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ ﷺ: « هل الدينُ إلَّا الحبُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِ؟ قال اللهُ تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني } »، ثم قال تعالى: { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } باتباعِكُم الرسولَ ﷺ.(مختصر تفسير بن كثير ).
عبادَ الله: إنَّ شرطَ المحبةِ للهِ أنْ تتبعَ رسولَ اللهِ ﷺ، والجزاءُ الجنةُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».(صحيح البخاري).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي».(صحيح البخاري).
وبعدَ موتِه ﷺ طاعتُه باتباعِ سنتِه، عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ.(سنن الترمذي).
مَن يدّعِي حبَّ النبيِّ ولم يفدْ …….مِن هديهِ فسفاهةٌ وهراءُ
فالحبُّ أوّلُ شرطِهِ وفروضِهِ …….إنْ كانَ صدقًا طاعةٌ ووفاءُ
اللهُمَّ أعنَّا علي ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ، اللهُمَّ اجعلْ مصرَ أمنًا أمانًا سلمًا سلامًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهُمَّ احفظهَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنَا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.