عاجل.. «الدستور» تحقق: كيف نستفيد من تجربة الانتخابات الرئاسية فى تطوير الحياة السياسية فى مصر؟
كشفت نسب التصويت فى الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، التى أعلنها عدد من اللجان العامة فى مختلف محافظات الجمهورية، عن اتجاهنا لتسجيل معدلات غير مسبوقة فى تاريخ مشاركة المصريين بالاستحقاقات الرئاسية.
ويتوقع مراقبون للمشهد الانتخابى أن تكون نسبة الإقبال فى الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤ هى الأكبر فى تاريخ مصر، متجاوزة نظيرتها فى الاستحقاقات الدستورية السابقة، سواء انتخابات رئاسية أو نيابية أو استفتاءات وطنية.
وشدد سياسيون ومتابعون للمشهد الانتخابى على ضرورة البناء على هذا النجاح الكبير، المتمثل فى الإقبال الواسع من المصريين على المشاركة فى العمل السياسى، والعمل على تطوير التجربة الديمقراطية خلال السنوات المقبلة فى جميع الاستحقاقات الانتخابية، علاوة على توحيد الجبهة الداخلية للنهوض بالدولة فى شتى المجالات.
الاهتمام الرئاسى بتمكين ودعم الشباب وريادة البرامج الموجهة لهم أتى ثماره أمام الصناديق
من أبرز الأسباب التى أدت إلى ارتفاع نسب التصويت فى الانتخابات الرئاسية الحالية هو ارتفاع معدلات الوعى السياسى لدى المواطنين، خاصة بين فئة الشباب.
وطبقًا لما ذكرته دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، بلغ عدد الذين يحق لهم التصويت لأول مرة، منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حوالى ٥ ملايين شاب وفتاة. وغالبًا ما تكون هذه الفئة أكثر وعيًا بحقها الدستورى فى الإدلاء بصوتها، وأكثر دافعية للتصويت، نظرًا لتطور المستوى التعليمى والثقافى للأجيال الجديدة.
وأسهم فى زيادة وعى الشباب بالحقوق السياسية وضرورة المشاركة بإيجابية عدد من العوامل، أبرزها: اهتمام القيادة السياسية بفئة الشباب وتمكينهم سياسيًا واجتماعيًا خلال السنوات الماضية، وزيادة عدد البرامج الموجهة لهم.
وضرب الشباب أروع الأمثلة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من خلال الاحتشاد أمام صناديق الاقتراع، حتى إن المراقبين للمشهد يتوقعون أن تكون نسبة مشاركتهم هى الأكبر فى التاريخ السياسى المصرى، الأمر الذى يمثل خطوة طال انتظارها، وكذلك يجب البناء عليها، خاصة أن الشباب من سن ١٨ إلى ٤٠ عامًا يمثلون ثُلث المجتمع.
وخطت الدولة منذ ٢٠١٤ مجموعة من الخطوات المهمة لتمكين الشباب فى مختلف المجالات، منها إطلاق وتنفيذ البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب، وكذلك إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب، إضافة إلى تعيين العديد من الشباب فى مناصب تنفيذية كنواب للوزراء والمحافظين.
وتؤكد مشاركة الشباب فى الانتخابات الرئاسية الحالية ضرورة أن يبذل الجميع مجهودات مضاعفة لرفع معدلات الوعى السياسى لدى الشباب، وتعزيز مشاركتهم ودمجهم فى العمل السياسى والحزبى، وتفعيل دور الأنشطة الطلابية لما لها من قدرة على صنع سياسات مختلفة وطلاب قادرين على قيادة المستقبل.
كما تتطلب تأسيس أنشطة ثقافية لبلورة الوعى السياسى للشباب، وتخصيص أماكن للأنشطة داخل الجامعات، وتعزيز دور المراكز البحثية ومراكز اتخاذ القرار وربطها ببعضها البعض، لتحديد الأجندة والسياسات العامة المتعلقة بالشباب.
الحياة الحزبية التعددية القوية ضمانة لاستقرار المجتمع
تنص المادة الخامسة من الدستور على أن «يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور».
وكشفت الانتخابات الرئاسية الحالية عن أهمية الدور الحزبى فى الشارع السياسى بشكل خاص، وفى المجال العام بصفة عامة، فلا يمكن تجاهل أهمية دور الأحزاب فى إثراء الحياة السياسية، وأهمية استمرار دعم التحركات الحزبية فى الشارع، خاصة أن وجود حياة حزبية قوية تعددية يعد ضمانة أساسية لاستقرار المجتمع.
ولعبت الأحزاب السياسية دورًا كبيرًا ورئيسيًا فى حشد المواطنين للتصويت فى الانتخابات الرئاسية، من خلال العديد من المؤتمرات الجماهيرية التى نظمتها فى القاهرة والمحافظات لدعم المرشحين، وحث المواطنين على المشاركة.
كما مثلت تلك الانتخابات اختبارًا قويًا لكل الأحزاب السياسية، ولقواعدها الشعبية الحقيقية على الأرض، وكذلك قياسًا لمدى تأثيرها وقدرتها على الحشد، لتفتح مجالًا قويًا لها لإعادة تنظيم نفسها.
كما أن هذه الأحزاب مطالبة بأن تعطى فرصة أكبر للمشاركة من قبل الشباب والمرأة والفئات المختلفة داخلها، استعدادًا للمشاركة فى العمل العام، وبما يناسب الحال ما بعد انتخابات الرئاسة.
التعددية فى المنافسة مثلت حجر الزاوية فى المشهد الديمقراطى
كما كانت تعددية الانتخابات الحالية بمثابة عامل حاسم فى زيادة إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع، بعدما شهدت وجود ٣ مرشحين بخلفيات حزبية مختلفة، بالتزامن مع دعم أحزاب أخرى المرشح الرابع عبدالفتاح السيسى، الذى لا ينتمى لحزب سياسى، وقرر خوض الانتخابات بصفته المستقلة.
ومثلت التعددية، التى تميزت بها هذه الانتخابات، حجر الزاوية فى المشهد الديمقراطى الذى تشهده مصر فى ظل الجمهورية الجديدة، وهو ما يجب البناء عليه فى الفترة المقبلة، ويتطلب تحركًا واسعًا من كل الأحزاب السياسية من أجل ممارسة سياسية وديمقراطية سليمة.
ولا يمكن الفصل بين ما تم فى الانتخابات الرئاسية خلال الأيام الماضية، والحوار الوطنى وكل جلساته واجتماعاته، التى شارك فيها مختلف القوى السياسية والمجتمعية والشبابية، فقد مهد الحوار بما طرحه من نقاشات حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما سبقه من فتح المجال أمام الأحزاب، الطريق أمام إثراء الحياة السياسية والحزبية. وتمثل توصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطنى أولى الخطوات لاستمرار عملية الإصلاح السياسى التى بدأتها الدولة، ومن بينها الإسراع فى إصدار قانون المجالس الشعبية المحلية وسرعة إجراء انتخاباتها، خاصة بعد التوافق داخل الحوار الوطنى على النظام الانتخابى للمجالس الشعبية المحلية، والذى يجمع بين القائمة المطلقة المغلقة بنسبة ٧٥٪، والقائمة النسبية المنقوصة بنسبة ٢٥٪ بحد أدنى ٣ أفراد فى تلك القائمة، مع العمل على توفير تدريب عملى ومهنى مناسب لأعضاء المجالس الشعبية المحلية، وتأهيل الكوادر الشبابية المقبلة على الترشح لانتخابات المجالس الشعبية المحلية، خاصة أن تلك الانتخابات سوف تؤثر على ضخ دماء جديدة فى الحياة السياسية الحزبية المصرية، وتعزز الجهود المبذولة فى إطار الإصلاح السياسى. وقال النائب على مهران، رئيس لجنة «الصحة والسكان» بمجلس الشيوخ، إن المشهد الانتخابى الرائع والمميز جاء نتيجة لما تم فى الحوار الوطنى ونجاح دوره خلال الفترة الماضية، معتبرًا أن الحوار الوطنى كان النواة الحقيقية لإثراء الحياة الحزبية، من خلال خلق حياة سياسية أكثر تنافسية يقول الجميع فيها رأيه، وهو ما يجب البناء عليه واستمراره ودعمه، مع العمل على استكمال المرحلة الثانية من الحوار الوطنى.