حاتم الجوهري: التمويلات الثقافية الغربية وبرامجها تدعم تيارات ما بعد الحداثة
قال الناقد دكتور حاتم الجوهري، إن الحرب في غزة تنتمي لفكرة أدب المقاومة أو أدب صمود الذات العربية عموما وقدرتها على الاستعادة والنهضة.
التمويلات الثقافية تدعم تيار ما بعد الحداثة
وأضاف الجوهري، في تصريحات خاصة لـ “الدستور”: "ولكي تلتقي فكرة أدب المقاومة مع التيارات الأدبية السائدة في مصر والعالم العربي أنتِ أمامك عدة إشكاليات؛ منها تبعية الأدب العربي عموما لتيارات ما بعد الحداثة وأفكار تغييب السرديات الكبرى، والتهميش، والوجود الفردي، ونهاية القضايا الكبرى، وكتابة السرد والحكي عن الشخصي واليومي، وهذا يتمثل في التيار الروائي الذي أسميه تكسر الواقعية، حيث الوصف لهشاشة الواقع والأحداث الصغيرة والترويج لأن الأشياء الصغيرة هي محور الإنسانية والفن، ويتمثل أيضا في قصيدة النثر، وكتابة الوجود الذاتي التي تسيطر طبقتها التاريخية على الصحافة الثقافية وأيضا على المستوى النقدي".
وتساءل: “كيف يمكن أن يحدث التأثير بين حَدثِ المقاومة الفلسطينية الكلي وبوصفه سردية كبرى أثرت على مسار شعب بأكمله تحت الحصار في قطاع غزة، وبين البنية الثقافية العميقة الحاكمة للأدب العربي والمصري في القرن العشرين! ربما ترين موجة من الكتابة مماثلة لتلك التي تلت أحداث الثورات العربية في العقد الماضي، حين حاول هذا التيار الكتابة عن صعود الذات المصرية/ العربية وبحثها عن نفسها، لم يقدموا أعمالا أدبية تنفجر بروح الثورة الشعبية الخالصة، ولكن قدموا كتابة تمزج الشخصي بانطباعات صغيرة إنسانية تجاه الأحداث، أو كتابة تسجيلية نتيجة للمعايشة الواقعية للأحداث نفسها”.
وتابع حاتم الجوهري: "لدينا أزمة في القيمة الثقافية المركزية الحاكمة للأدب والفكر العربي عامة، وهي غياب الحامل الاجتماعي أو الحاضنة الثقافية لتيار يمكن يتفاعل مجددا مع القضايا المركزية والكبرى للذات العربية، لأن البنية الثقافية والأدبية المصرية الحاكمة الآن ترجع إلى السبعينيات مع جيل التفكيك والهزيمة الذي تمثل في الشعر السبعيني، ثم مع التسعينيات وجيل نهاية العالم وخرابه الذي كتب قصيدة النثر في طبعتها المصرية، والتي شاعت فيها أيضا مقولة زمن الرواية، والوصف! تم تصعيد هذين الجيلين وسيطرا تماما على روح الثقافة المصرية مما أفقدها روحها التاريخية عن عمد، وفي الوقت نفسه التيار الأدبي البديل عند اليمين الديني؛ يتبنى أشكالا أدبية نمطية وخطابا أدبيا رد فعل للتيار الأول دون أن يملك نقادا أو منظرين جادين أو يقدم مواهبا حقيقية".
وتابع: كيف إذن سيجد دعاة الأدب الذي يعبر عن الذات العربية وحلمها بالمستقبل أو مقاومتها للمحتل قدما في ظل هذا "التمترس" و"التمترس المضاد" المصطنعين في تصوري! نحن في حاجة إلى تيار فلسفي وثقافي وأدبي جديد ينشأ في حاضنة عربية اجتماعية طبيعية؛ بالتحديد في مؤسسة الثقافة أو الجامعة ليعبر عن قضايا الذات العربية بشكل حقيقي.. الضغوط والتمويلات الثقافية الغربية وبرامجها المتعددة تدعم تيارات ما بعد الحداثة، وفرق الدين السياسي تدعم التمترس السطحي المضاد وفق مشروعها الأيديولوجي، نحتاج سياسة ثقافية جديدة تتسم بالوعي والاتزان والموضوعية -دون مزايدة- في قدرتها على تجاوز التناقضات إرث القرن العشرين وتكسر مشاريعه.
واستطرد، أن حرب غزة والمقاومة الفلسطينية والقضية الفلسطينية عموما هي جزء من ارتباك الذات العربية في القرن الحادي والعشرين؛ إزاء المشاريع الفكرية والسرديات الثقافية الخاصة بالآخر. الآخر الإقليمي يعيد تقديم نفسه في سرديات جديدة مع: التمدد الشيعي من إيران، والعثمانية الجديدة من تركيا، والمركزية السوداء العنصرية من أثيوبيا، و"الصهيونية الإبراهيمية" من "إسرائيل"، وعلى المستوى الدولي يتم إعادة إنتاج المركزية مجددا بين الغرب الليبرالي وبين فريق "الأوراسية الجديدة" بقيادة روسيا والصين ولكل السرديات السابقة تأثيرها الثقافي بدرجة ما في نطاق وجودها.
واختتم حاتم الجوهري: أما عربيا فتم تهميش السرديات الثقافية بالتبعية مع تأزم السرديات الفكرية إرث القرن العشرين، وسيطرة تيارات ما بعد الحداثة بأفكارها التفكيكية على الجامعة ومؤسسات الثقافة، وهذه هي أزمة الذات العربية عموما، نحن في حاجة لتجاوز التناقضات تلك بـ"سردية ثقافية" أو حاضنة اجتماعية تعبر عن الطموح والحلم والأمل سواء بالقضية الفلسطينية، أو بواقع الذات العربية عموما.