فى مواجهة حضارة استعمارية مجرمة.. صوتى لهذا الرجل دفاعًا عن وطنى
(1)
لقد أصبح الخطر وشيكًا جدًا على أبواب مصر الشرقية، ولم يعد هناك شىء خفى.. الآن صدّق المصريون ما كان بعضُنا يقوله فى السنوات السابقة بأن مصر مستهدفة بمؤامرة كبرى لم تنته بانتصار مصر عام 2013م وما تلاها فى حرب سيناء. هذا الانتصار المصرى لم يكن سوى جولة من المواجهة. ثم انتظروا حتى أصبح المصريون على أبواب انتخابات رئاسية جديدة، يدركون أن المصريين سوف يمنحون فيها السيسى شرعية جديدة لسنواتٍ مقبلة، فقرروا التعجل بالموجة الثانية الأشد دموية وأكثر صفاقة.
بعضهم راهن على ضيق الأحوال الاقتصادية فى مصر، وأن هذه الظروف قد تدفع المصريين إلى الانزلاق لدعاوى الفوضى. فلما خاب ظنهم قرروا السفور بالوجه الاستعمارى العسكرى الصريح، وكالعادة استعملوا مجموعات وجماعات عميلة كرأس حربة وطابور خامس. ربما يفهم بعض المصريين وبعض العرب ما حدث يومًا ما، لكنه سيكون يومًا متأخرًا تجاوزته الأحداث.
فى مقالٍ سابق كتبته أثناء أيام الهدنة، ذكرتُ أن الكيان الصهيونى بعد الهدنة سوف يستهدف جنوب القطاع كمرحلةٍ ثانية فى الاتجاه ناحية مصر وهذا ما يحدث الآن. يريدون إجبار مصر على أحد اختيارين، كلاهما مرٌ، الأول هو التفريط فى الأرض طواعية، والثانى أن يجد المصريون أنفسهم وجهًا لوجه مع حشودٍ فلسطينية تفر من القتل. من يملك القرار المصرى الآن يملك كرة ملتهبة من النار فى لحظةٍ تخلى فيها أهم الحكام العرب عن ورقة التوت الأخيرة وأشاحوا بوجوههم بعيدًا وضنوا بأوراق ضغطٍ اقتصادية كان يمكنها أن تقلب الموقف رأسًا على عقب لو صحت النوايا وكان يجلس على تلك العروش رجالٌ، حاولوا إجهاض خطوة مصر الأولى ووقفتها المتفردة فى وجه الحملة.
(2)
مصر تخوض بالفعل حربًا شرسة منذ سنوات، حتى وإن أنكر ذلك بعض المصريين. ومنذ السابع من أكتوبر هذا العام تخوض مصر حربًا أكثر شراسة دفاعًا عن سيادتها وبقائها وشرفها وتاريخها. منذ سنوات كتبتُ موضوعًا بعنوان "الحضارة الشريفة". وها هى الأيام والأحداث تثبت أن ذلك لم يكن تحيزًا لمصر وحضارتها، وإنما حقيقة كبرى دامغة. من بين الحضارات القديمة والمعاصرة تبقى حضارة مصر هى الحضارة الأشرف التى اعتنقت السلامَ والعدلَ دينًا ومذهبًا وسلوكًا. والآن تقف هذه الحضارة الشريفة وجهًا لوجه أمام الحضارة الاستعمارية المجرمة. سقطت الحضارة الغربية المعاصرة سقوطًا مريعًا نهائيًا. الحضارة الغربية تمثلها اليوم الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية الأكثر تقدمًا علومًا عسكرية ومدنية واقتصادًا. فى قرنين من الزمان هما عمر هذه الحضارة بعد خروجها من عصور الظلام برهنت أنها حضارة قتل واستعمار ولصوصية. بنت قوتها على جثث ملايين البشر ونهب مقدرات الشعوب. وفى القرن الأخير وبعد أن خاضت حروبها الأكثر دموية وقتلًا– الحرب العالمية الأولى والثانية- قررت ارتداء أقنعة براقة، وإقامة مؤسسات دولية تمنحها بريقًا خادعًا. ما صاغته من قوانين دولية إنسانية لم يكن توبة حقيقية عن جرائمها السابقة، وإنما كانت مجرد تلون وتلوى مثل الأفاعى. دولة استباحت لنفسها سرقة إرادة الشعوب التى لا تخضع لها، وأسقطت الحكام الذين أرادوا بناء مستقبل لشعوبهم بعيدًا عن التفريط فى مقدرات هذه الشعوب ومنحها لهذه الدولة، أسقطت هؤلاء الحكام إما بانقلابات عسكرية أو بالقتل.
منذ أيامٍ مات أحد كبار مجرميهم، الذى قضى قرنًا فى هذه الحياة لا يفعل شيئًا إلا التآمر والقتل ودفع الرشاوى للحكام وشراء ذمم أشخاص ومسئولين، كان مجرمًا بكل ما تعنيه الكلمة، وحتى ساعاتٍ قبل موته لم يتوقف عن فحيحه ونفخه فى نيران التهام الأبرياء. سقط أحد القتلة وبقيت نظرياته الدموية نبراسًا لباقى شياطين هذه الحضارة الملعونة، الحضارة التى لا يروضها أى قيم إنسانية أو أخلاقية هى حضارة ساقطة ولا شك مهما بلغت إنجازاتها العلمية العسكرية والمدنية، فلكل الحضارات السابقة إنجازات علمية كانت وقتها الأعظم، لكن ما يميز إحداها بالشرف هو ما قدمته أو وضعته لنفسها من أطر أخلاقية، حتى لو كانت حضارة وثنية.
(3)
هذه المقتلة فى قطاع غزة لا يقوم بها الكيان الصهيونى المجرم بمفرده.. هو مجرد أداة.. المقتلة يحمل إثمها تلك الدولة التى تمثل أحط حضارات الإنسانية فى عصورها الحديثة. مئات الآلاف من آلات القتل التى تم شحنها لتجريبها فى أكثر من مليونى مواطن عزل! وزير خارجيتهم أسفر عن وجهه القبيح فى أكثر من مناسبة.. بعضهم كان حاضرًا فى غرف عمليات القتل.. أخرجوا مواطنيهم من الرهائن ثم أطلقوا العنان للمقتلة.. لا تهتز لهم شعرة لأنهم اعتادوا على ذلك.. تاريخهم كله عبارة عن سلسلة من الإبادات الجماعية ضد شعوب ومجموعات تم اقتلاعها من أرضها بالدم.. الكيان الصهيونى صورة من الأم الساقطة.. فى النشأة والسلوك والخسة.
ثم اليوم تقرر العجوز الشمطاء إمبراطورية الاستعمار السابقة أن تعلن عن وجودها.. التحليق فوق القطاع للاستطلاع ومساعدة الكيان الصهوينى الذى زرعته فى هذه المنطقة البائسة من العالم. كل ما نشاهده هذه الأيام لم يفاجئنى.. فهذه حضارة قتل ونهب مهما وضعت من مساحيق تجميل.. متاحفهم تزخر بملايين القطع التى أنتجتها حضاراتٌ أخرى أكثر رقيًا وتحضرًا.. سرقوها ولم يستشعروا أى حرج فى الدفاع عن سرقاتهم. السرقة والنهب والقتل من مكونات شخصية هذه الحضارة.
عنصريتُهم البغيضة كانت حتى نصف قرنٍ ماضٍ تعبر عن نفسها بكل وقاحة فيما كان يسمى "حدائق الحيوان البشرية"، والآن تعبر عن نفسها بالقتل، فالعالم يمكن أن ينتفض ولا ينام وهو يشاهد عملية إنقاذ طفل أوروبى مثلًا على الهواء مباشرة، أو حتى إنقاذ قطة.. لكن عالمهم المنافق هذا يغمض أعينه عن قتل آلاف الأطفال الرضع وعن مشاهد أطفال دُفنوا أحياءً تحت أكوام الكتل الأسمنية.
ما الفرق بين الحملات الصليبية وبين ما يحدث الآن؟ الفارق الوحيد هو أنها هذه المرة حملة صهيونية، بوارج وحاملات طائرات وأحدث الأسلحة وأكثرها فتكًا.. والمحصلة حتى الآن آلاف القتلى من الأطفال والنساء.. أي حضارة هذه؟
حتى آخر يوم من عمرى لن يتوقف ضميرى عن ترديد هذه الكلمة.. حماس كانت حصان طروادة التى أسقطت غزة، وربما تسقط فلسطين للأبد.
لن تقنعنا كل هذه الادعاءات عن محاربة حماس.. فحماسٌ صنعيتكم، ولو لم تكن هناك حماس لخلقتكم حماسًا أخرى.
إنكم مجموعة من قادة دول استعمارية تتفق سياستكم مع سياسة أسلافكم، إنكم مستعمرون وقتلة وكل الجماعات التى ظهرت فى دولنا فى الخمسة عقود الأخيرة ليست إلا دمى قمتم بصناعتها وتحركونها كيفما شئتم.
(4)
مصر تواجه خطرًا وجوديًا حقيقيًا.. هل يدرك كل المصريين ذلك؟ وإن أدركناه.. فماذا يتوجب علينا فعله؟
ليست أمامنا خيارات كثيرة.. هو خيارٌ واحد وجوبى.. الدفاع عن بلادنا مهما يكن الثمن.
بعض الغزاة يراهنون على قدرتهم على خلخلة الدولة المصرية وتماسكها أثناء عملية التصويت فى انتخابات الرئاسة. هم يريدون التخلص من رأس الدولة المصرية.. يريدون التخلص من شخص السيسى فى الحكم. هذه هى الحقيقة بلا تجميل. غيابه الآن عن المشهد هو ما يحلمون به ويعتقدون أنه يمنحهم فرصة ذهبية لإكمال أهداف حملتهم الصهيونية قبل أن تستفيق الدولة المصرية. خطورة وجود السيسى من وجهة نظرهم أنه رئيس ذو رؤية وطموح وطنى، جمع بين العلم والوطنية وتعاليم المؤسسة الوطنية والتدين الحقيقى. صعب الشراء والتفريط وصعب الخضوع والاستسلام، يمثل عقل المؤسسة العسكرية وشخصيتها، ويلتحم مع طبقات الشعب الوسطى التى تمثل أغلبية المصريين.
يعتقد الغزاة أن ورقتهم الأخيرة هى ورقة الانتخابات المصرية.. سيحاولون بث سمومهم فيها عن طريقين، الأول هو دفع بعض عملائهم لإثارة الفوضى، والثانى هو التشكيك فى العملية الانتخابية.
أما الطريق الأول، فمؤسسات الدولة المصرية الوطنية المختلفة قادرة على سده بحزم وصرامة.
وأما الطريق الثانى، فهو ما يجب أن ندرك أننا كمواطنين مصريين الجنود الحقيقيون المنوط بهم التصدى له. الآن تتخطى المسألة فكرة من سيحسم نتيجة الانتخابات لصالحه، لأننا نعرف أن غالبية من سيشاركون سيمنحون أصواتهم للسيسى عن حقٍ ويقين. لكن التشكيك سيأتى فى نسب المشاركة، سيحاولون نشر دعايات سلبية، وسيحاولون هز شعبية السيسى. ولا تتعجبوا وقتها إن ظهر مَن يتقمص دور الشيطان وينادى بالتصويت على فكرة الترانسفير، لأن كثيرًا من المصريين لم يشاركوا فى انتخابات الرئاسة، وبالتالى فقد يعنى هذا معارضتهم موقف مصر الرسمى.
لا تفغر فاهك كثيرًا، ففى هذه الأيام هناك من يحاول أن يصدر قانونًا أو توصية فى مجلس شيوخ دولة أخرى لسرقة قطعة من أرض مصر، غطرسة.. صفاقة.. طغيان.. نعم كل هذا.. لكن كيف سنواجه نحن المصريون هذا السيل؟
نواجهه بأن ندرك أن انتخابات الرئاسة المصرية هذه المرة ونسب المشاركة بها ليست رفاهية أو يقوم بها المصريون وقت فراغهم إن وُجد، هذه الانتخابات جزءٌ أصيل من المعركة الشرسة التى تخوضها مصر! وقوف المصريين أمام صناديق الاقتراع هذه المرة مثله مثل وقوف الجندى على أحد ثغور مصر، يجب أن يروا جميعًا ملايين المصريين وهم يصطفون دفاعًا عن بلادهم ورفضًا لهذه الحملة الاستعمارية الصهيونية، يجب أن يروا قوتنا أمامهم. فقوة الكتل التصويتية فى هذه الأيام الحاسمة تساوى قوة الكتائب العسكرية، عليهم أن يعرفوا أنهم لن يواجهوا فقط قواتنا العسكرية، وإنما سيواجهون شعبًا يتخطى مائة مليون مصرى، بينهم عشرات الملايين لا مانع لديهم من الزحف لسيناء للدفاع عنها بأجسادهم.
(5)
منذ أسابيع قبل الأحداث الراهنة، قلت رأيى كمواطن فى مساندة السيسى لفترة رئاسية جديدة لأسبابٍ شرحتها تفصيلًا تتعلق بما واجهته مصر اقتصاديًا وعسكريًا، وبما نجح فيه رغم كل ما واجهه من تحدياتٍ وضغوط. لكننى الآن– وبعد أن تكشفت الحقيقة كاملة وأنه كان على صوابٍ فى إدارته للمنظومة العسكرية والبنية الأساسية وتعظيم موارد مصر الزراعية الاستراتيجية– أقول إن صوتى لهذا الرجل دفاعًا عن بلادى قبل أن يكون موافقة على سيرته وأدائه فى الحكم.
صوتى لرئيسٍ وطنى شريف يدير معارك مصر بحكمة واقتدار.. نأى بنفسه وببلاده عن الاندفاع والانزلاق الذى أراده لنا كثيرون من الأصدقاء قبل الأعداء.. نأى بمصر عن الانزلاق، لكنه لم يفرط فى سيادتها أو مقدراتها ولم يضعها فى مواضع ضعفٍ لا تليق بها.. كان صارمًا حين اقتضى الأمر تلك الصرامة.. كان مدركًا لقامة وقيمة بلاده فلم يتخلّ عن شخصيتها التاريخية فى مواقفه دون تفريطٍ أو إفراط.
صوتى لهذا الرجل لأننا ما زلنا فى ذروة المعركة.. أرادوا لنا أن نخوضها ونحن مشغولون بأمر الانتخابات، فلنعطهم درسًا جديدًا من دروس التاريخ.
لن أتوقف عند بعض السخافات التى لا تليق بما تمر به مصر، والتى تؤكد أن قليلًا من المصريين بعيدون تمامًا عن الوصول للحد الأدنى من الوعى والإدراك.. فحين تكون قوات عسكرية غازية تهدد حدود وسيادة مصر، ثم تكون هناك أصواتٌ سمجة تتناول انتخابات الرئاسة بهذا السخف الذى قرأنا بعضه، حين يحدث ذلك يكون هناك خللٌ عقلى لدى هؤلاء عليهم أن يفتشوا عن علاج له.
سوف نفاجئ الغزاة بمشاهد التلاحم المصرى خلف تلك القيادة الشريفة القادرة على حماية مصر.. مصر ذات الحضارة الشريفة المتفردة فى التاريخ، ستبقى كما بقيت عبر آلاف السنوات، وستذهب تلك الحضارة القاتلة ناهبة خيرات الشعوب إلى غياهب التاريخ مصحوبة باللعنة مهما تجبرت وتغطرست، وستكون أقصر الحضارات عمرًا فى التاريخ الإنسانى، لأنها كانت أحط تلك الحضارات على الإطلاق.