المطران عطا الله حنا: مسيحيو فلسطين وطنيون وليسوا أقلية
استقبل المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، صباح هذا اليوم، وفدا من أبناء الرعية الأرثوذكسية في مدينة حيفا، حيث استقبلهم في كنيسة القيامة مرحبا بزيارتهم ومؤكدا عراقة الحضور المسيحي في هذه البقعة المباركة من العالم، وقال سيادته في كلمته: إننا نريد مسيحيين حقيقيين وليس مسيحيين مزيفين يدّعون الانتماء للمسيحية ولكنهم لا يعرفون شيئا عن روحانيتها وقيمها ورسالتها.
المسيحية ليست شعارات
وأضاف: المسيحية ليست أوشاما ترسم على الأجسام بقدر ما هي محبة لا حدود لها، فالصليب المقدس قبل أن يكون معلقا على صدورنا يجب أن يكون مغروسا في قلوبنا، وما قيمة الصليب الذي يتزين به البعض إذا لم يكن موجودا في وجداننا وفي حياتنا لكي يقوينا ويعزينا ويرشدنا إلى الطريق القويم.
من المؤسف أن نرى اليوم أن هناك مسيحيين يدّعون أنهم مسيحيون ولكن ما ينادون به لا علاقة له بالمسيحية، لا بل بعضهم أصبح منخرطا في أجندات ومشاريع وبرامج معادية للكنيسة ورسالتها وحضورها في هذه البقعة المباركة من العالم.
إن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت منصات إعلامية لهؤلاء، وهذه هي إحدى سيئات وسائل التواصل الاجتماعي أنها توفر منصات إعلامية لأولئك الذين يبثون سمومهم وخطاب الكراهية والتجرد عن أي قيمة إنسانية وروحية نبيلة.
نحمد الله أن هؤلاء هم قلة في عددهم، ولكنهم يشكلون خطرا كبيرا على الحضور المسيحي، ولربما أخطر من أي شيء آخر لأنهم يسعون لتدمير الكنيسة من الداخل ويسعون للمس بقيم المسيحية، وهم الذين يدّعون الحرص عليها ولكنهم لا يعرفون شيئا عن قيم الإنجيل ورسالته في هذا العالم.
إن مواجهة هذا المد لا يمكن أن تكون إلا من خلال التوعية والدور الذي يجب أن يقوم به الرعاة، مع تأكيدنا أن هذه الفئة من المنحرفين والضالين نحن لا نعاديهم، فنحن لا نعادي أحدا ولا نكره أحدا ولكننا نصلي من أجلهم ومن أجل هدايتهم لكي يتوقفوا عن إساءاتهم للكنيسة ولقيم الإنجيل المقدس في مجتمعنا.
عدونا ككنيسة وكمؤمنين هو في بعض الأحيان يكون أشخاصا يدّعون أنهم مسيحيون ولكنهم يشكلون ظاهرة كارثية على الحضور المسيحي تحتاج إلى المعالجة وإلى الاهتمام بشبابنا وتوعيتهم، فوجود الظاهرة الداعشية التي نعرف من أوجدها ومن هو المستفيد منها لا يبرر وجود داعشية "مسيحية"، وإن كنا نتحفظ على هذا المصطلح لأنه ليس موجودا عندنا، وذلك اعتقادا منا بأن مواجهة الكراهية والعنصرية التي يتعرض لها المسيحيون لا يمكن أن تكون من خلال إيجاد كيانات عنصرية عندنا كمسيحيين منعزلة عن محيطها العربي ومحيطها الوطني.
البعض يريدنا أن نكون في حالة تيه وضياع وكأننا نعاني من أزمة هوية، والحقيقة أنها موجودة في عقول هؤلاء الذين يدعون أن هنالك ازمة، فهويتنا واضحة المعالم في هذه الديار، فنحن مسيحيون ونفتخر بهذا ونفتخر بأننا ننتمي الى أول كنيسة شيدت في العالم، ونحن فلسطينيون نفتخر بانتمائنا لهذا الشعب، ونتمنى أن تتحقق العدالة في هذه الديار لكي ينعم شعبنا بالسلام الحقيقي الذي يضمن الحقوق والعيش الكريم بحرية وكرامة وسلام في هذه البقعة المباركة من العالم.
لسنا أقلية مهمشة أو مستضعفة أو مضطهدة، ونحن نرفض أن يصفنا أحد بأننا أقلية في وطننا، سواء هنا في هذه البقعة المباركة من العالم أم في هذا المشرق، والمسيحيون في هذه الديار مطالبون بأن يكونوا ملحا وخميرة لهذه الارض ومصدر بركة لسكان هذه البقعة المباركة من العالم.
لا نؤمن بالكراهية والعنصرية والعنف والقتل وثقافة الانتقام، فهذه هي ثقافتنا وهذه هي قناعتنا التي لا يمكن أن تتبدل وأن تتغير، بل نحن دعاة خير ومحبة وسلام واحترام متبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان.
نفكر بأهلنا في غزة في هذه الأوقات العصيبة، ونصلي من أجلهم ومن أجل أن تتوقف الحرب، والتي ضحاياها هم من المدنيين والأبرياء، خاصة الأطفال.
وقد قدّم سيادته للوفد شرحا تفصيليا عن تاريخ كنيسة القيامة، ومن ثم أجاب عن عدد من الأسئلة والاستفسارات، مؤكدا أهمية الانتماء المسيحي الحقيقي القويم، وكذلك الوعي والرصانة والحكمة في مواجهة التيارات المنحرفة، وفي مواجهة أولئك الذين يريدون للمسيحيين أن يتخلوا عن هويتهم وانتمائهم وحقهم في أن يدافعوا عن شعبهم وعدالة قضية هذا الشعب المظلوم.