هنرى كسينجر.. داهية أمريكا ومهندس دبلوماسيتها
هنري كيسنجر، الباحث الذي تحول إلى دبلوماسي، الذي هندس انفتاح الولايات المتحدة على الصين، وتفاوض على خروجها من فيتنام، واستخدم المكر والطموح والفكر لإعادة تشكيل علاقات القوة الأمريكية مع الاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة، توفى الأربعاء في منزله في كينت بولاية كونيتيكت عن عمر يناهز 100 عام.
وحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن كيسنجر مهندس الحرب البادرة الأمريكية، كان يدوس في بعض الأحيان على القيم الديمقراطية للوصول إلى أهدافه.
أقوى وزير خارجية أمريكي أم مهندس حروب متطرف؟
وأضافت الصحيفة أن قليلا من الدبلوماسيين تم الاحتفاء بهم بمثل هذا الشغف الذي حصل مع كيسنجر، نظرًا لكونه أقوى وزير خارجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تم الترحيب به باعتباره واقعيًا متطرفًا أعاد تشكيل الدبلوماسية لتعكس المصالح الأمريكية وتمت إدانته لأنه تخلى عن القيم الأمريكية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان لخدمة الأجندة الأمريكية.
وتابعت أن كيسنجر كان المستشار الأقرب لأكثر من 12 عامًا، من جون إف كينيدي إلى جو بايدن، وتحول كيسنجر لأهم دبلوماسي في التاريخ الأمريكي، بعد خبرته الطويلة في التاريخ الدبلوماسي.
وأضافت أنه في لحظة حرجة من تاريخ أمريكا ودبلوماسيتها، كان الرجل الثاني في السلطة بعد الرئيس ريتشارد نيكسون، حيث انضم إلى البيت الأبيض في عهد نيكسون في يناير 1969 مستشارا للأمن القومي، وبعد تعيينه وزيرا للخارجية في عام 1973، احتفظ بكلا المنصبين، وهو أمر نادر، عندما استقال نيكسون، بقي في عهد الرئيس جيرالد ر. فورد.
وأشارت إلى أن المفاوضات السرية التي أجراها كيسنجر مع ما كان يسمى آنذاك بالصين الحمراء أدت إلى إنجاز نيكسون الأكثر شهرة في السياسة الخارجية، وكان المقصود منها أن تكون خطوة حاسمة في الحرب الباردة لعزل الاتحاد السوفيتي، فقد مهدت طريقًا للعلاقة الأكثر تعقيدًا في العالم، بين الدول التي كانت عند وفاة كيسنجر أكبر اقتصاد في العالم وهي الولايات المتحدة وثاني أكبر اقتصاد وهي الصين والتي كانت متشابكة بشكل كبير بالرغم من أن الدولتين لا يزالان على خلاف مستمر مع ظهور حرب باردة جديدة في الأفق.
وتابعت الصحيفة أن كيسنجر ظل عقودا من الزمن الصوت الأكثر أهمية في البلاد في إدارة صعود الصين، والتحديات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية التي فرضها ذلك، لقد كان الأمريكي الوحيد الذي تعامل مع كل زعيم صيني من ماو إلى شي جين بينج. وفي يوليو الماضي عندما كان عمره 100 عام، التقى الرئيس شي جين بينج وغيره من القادة الصينيين في بكين، حيث عومل مثل الملوك الزائرين حتى مع تحول العلاقات مع واشنطن إلى خصومة.
وأضافت أن كيسنجر قام أيضًا بجذب الاتحاد السوفيتي إلى حوار أصبح يعرف باسم الانفراج، ما أدى إلى أول معاهدات رئيسية للحد من الأسلحة النووية بين البلدين، ومن خلال دبلوماسيته المكوكية، أخرج موسكو من مكانتها كقوة كبرى في الشرق الأوسط، لكنه فشل في التوسط في سلام أوسع في تلك المنطقة.
وتابعت أنه على مدى سنوات من الاجتماعات في باريس، تفاوض على اتفاقيات السلام التي أنهت التدخل الأمريكي في حرب فيتنام، وهو الإنجاز الذي تقاسم بسببه جائزة نوبل للسلام عام 1973، حيث أطلق عليها اسم "السلام بشرف"، لكن الحرب لم تنته بعد، وزعم المنتقدون أنه كان بإمكانه عقد نفس الصفقة قبل سنوات، وإنقاذ الآلاف من الأرواح.
وأضافت أنه وفي غضون عامين، اجتاحت فيتنام الشمالية الجنوب المدعوم من الولايات المتحدة، لقد كانت نهاية مهينة للصراع الذي شكك كيسنجر منذ البداية في قدرة الولايات المتحدة على الفوز فيه.