ألقاها وزير الخارجية..
سيناريو اليوم التالى فى غزة.. نص كلمة مصر أمام مجلس الأمن
ألقى وزير الخارجية سامح شكري، اليوم الأربعاء، كلمة مصر وزير الخارجية أمام جلسة مجلس الأمن الوزارية حول الوضع في قطاع غزة.
وجاء نص كلمة مصر حول غزة أمام مجلس الأمن كالتالي: "أتوجه بالشكر لجمهورية الصين الشعبية، الرئيس الحالي لمجلس الأمن، على جهودها الحثيثة لقيادة المجلس في هذا الظرف الدقيق، ولمواقفها الداعمة لوقف الحرب الجارية على الأرض الفلسطينية، كذلك أتوجه بالشكر للسكرتير العام لإحاطته القيمة.
السادة الحضور، على الرغم مما تمت الإشارة إليه خلال مناقشات اليوم فإن مصر منذ بداية هذا الصراع في 7 أكتوبر، قد أكدت أعلى مستوى إدانة استهداف المدنيين من أي جانب إدانة مطلقة غير مشروطة، ومع ذلك فقد وصل التدمير الذي يشهده قطاع غزة، حدًا غير مسبوق، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين ما يزيد علي 15000 مدني، منهم ستة آلاف طفل و4 آلاف امرأة..
تم تدمير أكثر من نصف المساكن بالقطاع، واستهداف المنظومة الصحية بالكامل، وبلغت أعداد النازحين حوالي ثلثي سكان القطاع، كما يتزامن كل ذلك مع استمرار حالة الحصار والتجويع وغلق المعابر الإسرائيلية وتعطيل النفاذ الإنساني، انتهاكات جسيمة وواضحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.. مأساة إنسانية بكل معاني الكلمة، لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة.
وعلي الرغم من ذلك، لازلنا نفاجأ بأن دولًا، نصبت نفسها مدافعةً عن الشرعية الدولية وحقوق الإنسان، تمتنع عن توصيف ذلك بأنه مخالفة للقانون الدولي الانساني، وتكتفي بالمطالبة بأن يتم احترام هذا القانون، رغم عدم الاكتراث بنداءاتها..
إسرائيل تتعمد جعل الحياة في غزة مستحيلة
لا يمكن أن ينطبق مفهوم "الدفاع عن النفس" على المخالفات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.. أي دفاع عن النفس هذا الذي يسمح لقوة احتلال بقمع وتدمير حياة الشعب الذي تحتله؟!.. ووفقًا لأية قوانين دولية تتم شرعية الدفاع عن النفس في مواجهة شعب يطالب القانون الدولي دولة الاحتلال باحترام آدميته واحتياجاته الأساسية.
السيد الرئيس، رغم تحذيراتنا وتحذيرات دول العالم أجمع من مخاطر استهداف المدنيين في قطاع غزة، فإن النهج الإسرائيلي على مدار أكثر من خمسين يومًا، لا يمكن تفسيره إلا بكونه سياسة متعمدة لجعل الحياة في قطاع غزة مستحيلة، من خلال استهداف المنشآت المدنية والطبية والمساكن، ودفع سكان الشمال الي النزوح جنوبًا في قطاع يعاني بالأساس من كثافة سكانية عالية ومن حصار قاس منذ سنوات.
إن سياسة التهجير القسري والنقل الجماعي التي رفضها العالم ويعتبرها انتهاكًا للقانون الدولي، مازالت هدفًا لإسرائيل، ليس فقط من خلال التصريحات والدعوات التي صدرت عن مسئولين إسرائيليين، وإنما من خلال خلق واقع مرير علي الأرض يستهدف طرد سكان غزة الفلسطينيين من أرضهم، وتصفية قضيتهم من خلال عزل الشعب عن أرضه والاستحواذ عليها.
يحدث ذلك دون أن ينهض المجتمع الدولي للحيلولة دونه.. كما تقاعس في السابق مرارًا وتكرارًا عن مواجهة الضم والهدم والاستيطان والقتل خارج القانون.. ممارسات غير شرعية سكت عنها المجتمع الدولي، فتم تكريسها وتمادت وأمعنت فيها دولة الاحتلال.
السيد الرئيس، لا يخفي عليكم، أن ما يحدث بغزة أمام أعين العالم، يقابله في الضفة الغربية سياسة شبيهة طاردة لسكانها من أبناء الشعب الفلسطيني سواء من خلال إطلاق العنان لعنف المستوطنين، أو من خلال عمليات الهدم والطرد والاقتحامات العسكرية لمدن الضفة، فضلًا عن التهام الأرض من خلال عمليات استيطان ممنهجة تكرس الاحتلال غير الشرعي..
رفض أي نوايا أو خطط للتهجير
وتؤكد مصر مجددًا أمام مجلسكم الموقر، رفضها الكامل لأية نوايا أو خطط أو محاولات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال نقل الشعب الفلسطيني من أرضه المحتلة منذ عام 1967 وتحذر من تأثير هذا التوجه على السلام في المنطقة بأسرها.. وتدعو المجتمع الدولي للوقوف بقوة أمام جميع الممارسات التي قد تؤدي الي ذلك..
السيد الرئيس، "اليوم الحالي" أم "اليوم التالي"؟.. جدل يتزايد الحديث فيه رغم أن الإجابة واضحة استنادًا للمنطق السليم وللشرعية الدولية وهي ضرورة وقف تلك الحرب اللعينة، وحفظ الأرواح، وحماية المدنيين من ويلاتها، قبل أن نفكر في ملامح اليوم التالي.
تعمل مصر حاليًا على تفعيل قرار مجلس الأمن بشأن الهدنة الإنسانية، ونجحت بالتعاون مع الشقيقة قطر ومع الولايات المتحدة في تفعيل صفقة تبادل سجناء ورهائن تتضمن أيضًا نفاذًا للمساعدات لغزة جنوبًا وشمالًا.. وستستمر مصر في جهودها لإطالة زمن الهدنة والعمل على التوصل لوقف لإطلاق النار، ووقف الحرب والدمار.. وندعو مجلس الأمن لدعم تلك الجهود.. ولدعم جهود محاسبة المسئولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين، أيًا كانوا..
لقد طالبت مصر منذ اليوم الأول بضرورة إطلاق سراح الرهائن المدنيين، وأدانت أي تعرض للأبرياء.. لكننا نتساءل عن موقف المجتمع الدولي ومجلسكم الموقر إزاء السجناء الفلسطينيين من الأطفال والنساء الذي عانوا لسنوات الحبس في ظروف قاسية دون توجيه اتهامات أو الخضوع لمحاكمة.. أليس هؤلاء أيضًا رهائن لدي دولة الاحتلال؟!..
النفاذ الإنساني للمساعدات لغزة
نعمل كذلك بالتوازي مع شركائنا باللجنة التي تم تشكيلها خلال القمة العربية الإسلامية التي عقدت بالرياض، من أجل النفاذ الإنساني لقطاع غزة. وقمنا في هذا الصدد بتقديم مشروع قرار لمجلسكم الموقر للنظر فيه.. وهو مشروع غير مسيس يركز فقط علي الجانب الإنساني وعلي إنقاذ اثنين ونصف مليون بريء هم أهل غزة.. وندعوكم للتعاطي معه بالإيجابية والمسئولية التي ترتقي للمأساة الإنسانية غير المسبوقة.. بما يؤدي لزيادة ملموسة لحجم المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، فما تم توفيره حتى الآن، والذي أسهمت مصر بـ70 % منه منفردة، فإنه لا يكفي لاحتياجات مليوني ونصف فلسطيني.
وندعوكم أيضًا لتفادي ازدواجية المعايير، وأن تتم ترجمة تصريحاتكم المتعاطفة مع أهل غزة الي واقع.. بل ونري أن أي محاولة لتعطيل مشروع القرار هو بمثابة مباركة للحصار وتجويع الأطفال والنساء.. وتركهم بلا مأوي أو حد أدني من الرعاية الصحية في ظروف في منتهي القسوة مع دخول فصل الشتاء.
أما عن "اليوم التالي".. ورغم أن ملامحه لم تتضح بعد نظرًا للغموض المتزايد لأهداف الحرب الحالية.. إلا أننا لا نري بديلًا عن العمل على معالجة جذور الصراع والمسببات الحقيقية للمآسي التي نشهدها اليوم.
معالجة القضية الفلسطينية بشكل كامل يفضي إلى إنهاء الاحتلال.. فبدون ذلك، فإن نتائج جهودنا جميعًا ستظل مؤقتة، وستتكرر جولات العنف، ولن يتحقق الأمن والاستقرار الذي تنشده المنطقة بما في ذلك إسرائيل ذاتها.
سيناريو اليوم التالي في غزة
يجب أن نتفق جميعًا أن عهد اللغو بلا طائل يجب أن ينتهي، وعلينا التكاتف من أجل إنفاذ الحل الوحيد المتفق عليه دوليًا.. وهو حل الدولتين.. إنفاذه وإنقاذه وليس فقط دعمه بالتصريحات.. وأن يتواكب مع ذلك اعتراف من لم يفعل من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.. كما أدعو مجلسكم الموقر لقبول عضوية دولة فلسطين الكاملة للأمم المتحدة.. فهو أمر من صميم صلاحيات مجلسكم وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
ختامًا، أتوجه لجميع الأطراف المهتمة باليوم التالي.. نعم لقد حان الوقت للعمل الجاد، ونحن على استعداد للتعاون مع الجميع بلا استثناء لصياغة الإطار السياسي والخطوات اللازمة لإنهاء المرحلة الانتقالية التي بدأت مع أوسلو، والبدء في تنفيذ حل الدولتين من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة المتواصلة الأراضي على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا هو "اليوم التالي الذي يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه، ويوفر للشعب الإسرائيلي الأمان، ويتيح لكافة شعوب المنطقة الأمن والاستقرار والتعايش المشترك والتعاون من أجل التنمية والازدهار، وبما يتسق مع قيمنا الإنسانية المشتركة".