أسرار اللحظات الأخيرة فى اتفاق الهدنة.. ماذا حدث خلف الأبواب المغلقة؟
أكد تقرير أمريكي أن قبول إسرائيل شروط صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين لدى حركة حماس واتفاق الهدنة في خلال الساعات الأولى من صباح اليوم، يعكس الضغط المكثف الذي مارسته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق من شأنه إطلاق سراح بعض الذين تحتجزهم حركة حماس بوساطة مصر وقطر ما يخلق فرصًا محتملة طويلة المدى لتهدئة التصعيد.
كواليس الهدنة بين إسرائيل وحماس
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، كواليس الهدنة، حيث جاءت الموافقة الأولية لمجلس وزراء الاحتلال الإسرائيلي على الصفقة بعد أن عملت "خلية سرية" من كبار مساعدي الرئيس بايدن بجهد على مدى الأسابيع القليلة الماضية على شبكة من المفاوضات تشمل قطر ومصر وإسرائيل، وهو جهد أعاقه انقطاع الاتصالات في غزة، وسلسلة من الخلافات في اللحظة الأخيرة التي أخرجت المحادثات عن مسارها.
وقال مسئولو البيت الأبيض، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الأسابيع الخمسة من المفاوضات الحساسة التي أدت إلى التوصل إلى اتفاق، إن الاتفاق سيشمل إطلاق سراح ثلاثة أمريكيين: امرأتان وطفل صغير، مع مواصلة الضغط من أجل إطلاق سراح جميع المحتجزين الأمريكيين.
وتابعت الصحيفة أن هذه الصفقة جاءت في وقت ينقسم فيه الديمقراطيون بشكل متزايد حول احتضان بايدن لإسرائيل، خاصة مع تزايد عدد الضحايا المدنيين في غزة، وبينما تظهر استطلاعات الرأي أن الرئيس يحصل على درجات منخفضة في تعامله مع الأزمة قبل حملة إعادة انتخابه.
وأضافت أن كواليس الاتفاق كشفت أيضًا اتساع الفجوة بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن رد إسرائيل الساحق على عملية طوفان الأقصى، حيث أسفر العدوان الإسرائيلي على غزة في استشهاد أكثر من 12 ألف فلسطيني في غزة، وعلى مدار أسابيع، حاول بايدن، علنًا وسرًا، إقناع رئيس الوزراء بوقف قصف غزة مؤقتًا للسماح بدخول المساعدات الإنسانية وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
وتابعت أنه خلف الأبواب المغلقة، رفض نتنياهو كل المقترحات الأمريكية للنظر في وقف واسع النطاق للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ما لم يؤدي ذلك إلى إطلاق سراح المحتجزين.
وقال مسئولو البيت الأبيض إنه على مدى الأسابيع القليلة الماضية، خلص بايدن إلى أن إقناع نتنياهو بقبول تعليق القتال لمدة أيام- بدلًا من فترات توقف محدودة لعدة ساعات في المرة الواحدة- مقابل تحرير المحتجزين.
وأضاف المسئول الأمريكية أن بايدن طرح هذه القضية بإلحاح متزايد مع السيد نتنياهو خلال 13 مكالمة هاتفية واجتماعًا وجهًا لوجه في إسرائيل، ما يؤكد رغبة الرئيس في زيادة الضغط على نظيره، حيث تطور احتضان بايدن الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الساعات التي تلت عملية طوفان الأقصى إلى دعوات متكررة لضبط النفس من قبل القوات الإسرائيلية في غزة.
وقال مساعدون إن الرئيس يأمل أيضًا في أن يكون إطلاق سراح المحتجزين خطوة مبكرة نحو سلام أوسع في المنطقة بمجرد انتهاء الأزمة المباشرة.
وكتب بايدن في مقال له: "لا ينبغي أن يكون هدفنا مجرد وقف الحرب لهذا اليوم، يجب أن يكون إنهاء الحرب إلى الأبد، وكسر دائرة العنف المتواصل، وبناء شيء أقوى في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط حتى لا يستمر التاريخ في تكرار نفسه".
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن بعض كبار المسئولين الأمريكيين أشاروا إلى أنهم لن يصابوا بخيبة أمل إذا أصبح وقف إطلاق النار أكثر ديمومة، حيث حاول البيت الأبيض استخدام صفقة المحتجزين للضغط على إسرائيل، من أجل وقف إطلاق النار على المدى الطويل والبدء في التحرك نحو الأسئلة الأكبر حول وقف الاحتلال وحل الدولتين، وهو ما يضع بايدن على مسار تصادمي آخر مع نتنياهو، عندما يقرر الأخير استئناف الفتال.
وقال مسئول كبير في الإدارة الأمريكية إن وقف القتال كان خطوة نحو الدفع في نهاية المطاف نحو السلام، لكن المسئول حذر من أن مثل هذا الاحتمال بعيد المنال في الوقت الحالي.
وأضافت الصحيفة أن أولى علامات التقدم ظهرت في أواخر أكتوبر، عندما تلقى المسئولون الأمريكيون كلمة عبر وسطاء في قطر ومصر مفادها أن حماس قد تقبل صفقة لإطلاق سراح النساء والأطفال، وفي المقابل، أرادوا من إسرائيل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، وإيقاف القتال، وتأخير الغزو البري.
أسباب تأجيل الصفقة وأسرار اللحظات الأخيرة
وتابعت أنه مع احتشاد قوات الاحتلال الإسرائيلي خارج غزة، ناقش المسئولون في إسرائيل والولايات المتحدة ما إذا كانوا سيقبلون الصفقة. ولم يعتقد المسئولون الإسرائيليون أن حماس جادة بشأن العرض ورفضوا تأجيل الهجوم البري، ورفضت حماس تقديم أي دليل على أن المحتجزين على قيد الحياة، وتعثرت المفاوضات.
وأضافت أنه في البيت الأبيض، واصل بايدن وفريقه للسياسة الخارجية الضغط، وفي 14 نوفمبر، عاد الأمل مرة أخرى بعد أن اتصل نتنياهو بالرئيس ليقول له إنه يمكن أن يقبل العرض الأخير من حماس، ولكن بعد ساعات فقط من المكالمة، اقتحمت القوات العسكرية الإسرائيلية مستشفى الشفاء في غزة، الذي قالوا إنه كان بمثابة مركز قيادة لحماس، وفجأة توقفت الاتصالات بين حماس والمسئولين في قطر ومصر، وعندما عادت حماس إلى الظهور بعد ساعات، أوضحت أن الصفقة قد ألغيت.
وتابعت أنه لعدة أيام، طالبت حماس الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من المستشفى، وهو ما رفضته إسرائيل، واستغرق الأمر عدة أيام لاستئناف المحادثات، بعد مكالمة هاتفية من بايدن إلى أمير قطر.
وأضافت أن مسئولي الإدارة واصلوا الضغط على إسرائيل، كما استمرت مصر وقطر في اتصالاتها المكثفة مع حماس، وبعد مكالمة بايدن، التقى كبار المساعدين، بما في ذلك مدير وكالة المخابرات المركزية، مع أمير قطر لمراجعة المسودة الأخيرة- وهو نص من ست صفحات يتضمن خطوات مفصلة للتنفيذ من كلا الجانبين.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في غضون أسبوع، أتى الضغط الدبلوماسي بثماره، وخلال الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء عندما أجرت الحكومة الإسرائيلية تصويتها النهائي للموافقة على الصفقة، توجه بايدن إلى خارج واشنطن لقضاء عطلة عيد الشكر لمدة خمسة أيام مع عائلته في جزيرة نانتوكيت.
ومن شأن القرار الإسرائيلي، الذي أعلنه مكتب نتنياهو، أن يسمح بتوقف القتال في غزة لمدة أربعة أيام على الأقل، وإذا صمد، فسيكون ذلك أطول وقف للأعمال القتالية منذ 7 أكتوبر.