مصر وغزة «2-2»
أوضحنا فى المقال السابق مدى عمق العلاقة بين مصر وفلسطين بوجهٍ عام، وغزة على وجه الخصوص، حتى قبل حرب ١٩٤٨. وتتبعنا سيرة الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، الذى ينتمى لإحدى أشهر العائلات فى غزة، وكيف عاش طفولته وشبابه فى القاهرة قبل حرب ٤٨، وكيف التحق بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وتخرج فيها، وأشرنا إلى إجادة عرفات التامة اللهجة المصرية، وأنهينا بعودة عرفات إلى غزة بعد معاهدة أوسلو عن طريق مصر.
واليوم سنتحدث عن حرب ٤٨، واشتراك الجيش المصرى فى هذه الحرب دفاعًا عن عروبة فلسطين. ونتذكر جميعًا اشتراك عبدالناصر فى هذه الحرب وحصار الجيش الإسرائيلى له ولقواته فى منطقة الفالوجة، التى لا تبعد عن غزة أكثر من ٣٠ كم. وبعد انتهاء الحرب كتب جمال عبدالناصر فى كتابه «فلسفة الثورة» أن هذه الحرب أوضحت له أن رفح ليست آخر الحدود المصرية، دلالةً على أن أمن مصر القومى يبدأ من فلسطين.
ونتج عن حرب ٤٨ نجاح الجيش المصرى فى الحفاظ على غزة من السقوط فى أيدى إسرائيل. ويُذكَر لمصر أنها لم تفكر أبدًا فى ضم قطاع غزة إليها، بل اعتبرت القطاع عُهدة مصرية إلى أن يأتى اليوم الذى يتم فيه إعلان دولة فلسطين، ليصبح القطاع جزءًا من هذه الدولة. من هنا قامت مصر بإدارة شئون قطاع غزة من عام ١٩٤٨ وحتى عام ١٩٦٧، عندما قامت إسرائيل باحتلال القطاع وسيناء معًا. وحتى مع الاحتلال الإسرائيلى للقطاع استمرت مصر ترعى شئون أهالى غزة، ويأتى الطلبة من غزة للدراسة فى الجامعات المصرية كالمعتاد.
ولا أدل على حرص مصر على قطاع غزة، وضرورة الحفاظ عليه حتى يأتى الوقت لإعلان دولة فلسطين، من تذكر موقف مصر من ذلك المشروع المريب الذى طُرِح أثناء المفاوضات البريطانية المصرية من أجل جلاء القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس؛ إذ طرح البعض إمكانية جلاء الإنجليز عن قاعدة السويس، وانتقال هذه القوات إلى غزة حيث يمكن إقامة القاعدة العسكرية البريطانية هناك، لكن أهالى غزة رفضوا ذلك، كما رفضت مصر أيضًا هذا المشروع، وأوضحت أن قطاع غزة عُهدة مصرية، لا تستطيع مصر التصرف بشأنه، حتى يأتى الوقت المناسب لإعلان دولة فلسطين.
وقد وقع على الإدارة المصرية لقطاع غزة عبء تهيئة القطاع لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين دفعتهم ظروف حرب ٤٨ إلى ترك أراضيهم واللجوء إلى غزة؛ حيث هيأت الإدارة المصرية الأماكن لمعيشة هؤلاء، كما امتد النظام التعليمى المصرى ليشمل أبناء قطاع غزة. واهتمت الحكومة المصرية بإحداث مشاريع تنموية فى غزة حتى يستطيع أبناء القطاع العيش.
وحتى بعد الاحتلال الإسرائيلى للقطاع، استمرت الخدمات المصرية، خاصةً التعليمية، لأبناء القطاع. من هنا لم يكن غريبًا أن تكون مصر هى الوسيط المناسب فى أى مفاوضات بشأن غزة، كما أصبح الآن معبر رفح المصرى هو محط انتباه العالم بأكمله.. فلسطين فى القلب، وغزة فى العين.