تعرف على أصل تصريح وزير دفاع الاحتلال "نحارب حيوانات بشرية"
نحن نحارب حيوانات بشرية، تصريح وزير دفاع الاحتلال يوآف جالانت، الذي صدم العالم في الأيام الأولى لاجتياح غزة. ونسي العام المتحضر الأول أنه أول من قدم المصطلح واعتمده في أدبياته وسردياته، سواء في علم الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع أو حتى العلوم السياسية.
الداروينية الاجتماعية ونزع صفة الإنسانية عن الآخر
يذخر تاريخ الرجل الأبيض تجاه غيره من الشعوب والأجناس البشرية الأخرى، بفصول طويلة من الاحتقار والاستعلاء، بدءا من حركة الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر، مرورا بالإبادات الجماعية للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية وأستراليا، وصولا إلى الاستعمار العسكري في القرنين التاسع عشر والعشرين.
وخلال هذا التاريخ الاستعماري والاستعبادي، قتل الملايين من البشر على يد الرجل الأبيض، الذي لم ير فيما يرتكبه من جرائم وإبادات ونهب لموارد الشعوب الأخري ما يؤرق ضميره، لا لشيء سوى أنه لا، ولم، يعتبر الآخر بشريا أو إنسان، بل صنفه على أنه ما بين الحيوان والإنسان، أو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت: “نحن نحارب حيوانات بشرية”.
وهو ما تؤكده وتعكسه الدراسات والنظريات الفكرية التي قدمها باحثي ومفكري الغرب. ففي كتابه “بربري. عصري، متحضر.. ملاحظات حول الحضارة”، يستشهد مؤلفه “إبراهيم كالين”. بكتابات الرجل الأبيض التي تروج لنظريات نحن نحارب حيوانات بشرية.
حيث يذكر “كالين”: يعتبر داروين ومن اتبعوه أن الانتقاء الطبيعي وتراتبية الأجناس والأعراق وبقاء الأقوي، قوي دافعة لا غني عنها من أجل الحرية والتقدم والحضارة. وبغرض تأكيد ادعاءه هذا يضرب داروين مثلا لافتا للنظر من التاريخ السياسي: “ستقضي الأعراق المتحضرة في العالم بأسره علي الأعراق البربرية المنتشرة بأعداد لا تحصي، في مستقبل ليس بعيدا جدا”.
ويلفت “كالين” إلى أن: اعتبار الداروينية الاجتماعية ذلك بمثابة حضارة مثالية، أمر جدير بالملاحظة لكونه يكشف أبعاد العنصرية العالمية. بدوره يعتبر الفرنسي جوستاف لوبون. وهو من أنصار نظرية التطور، المسألة ضرورة تاريخية وأمر يتعلق بالتفوق العرقي والمصير البيولوجي: يجب على الأوروبيين إنجاز “عملهم الحضاري” تجاه الشرقيين والشعوب المتخلفة البربرية الذين لا يملكون أي شيء من الثقافة أو الحضارة. إذا توقف الغرب فإن الإنسانية ستكون محكومة بالموت. يقول جنرال ألماني مستلهما من هذه الأفكار، إن الحرب ليست ضرورية في حياة الأمم فحسب، بل إنها في الوقت ذاته أمر لا مفر منه كي تعيش الثقافة والحضارة.
السند الذي ترتكز عليه هذه الادعاءات هو فكرة أن الرجل الأبيض يمتلك مواصفات التفوق البيولوجي والتاريخي والعقلي والثقافي الكافية واللازمة من أجل حكم العالم بأسره. ومن مظاهر وجهة النظر هذه اعتبار الأفارقة السود “وحوشا” أو حيوانات أو مخلوقات وليس بشر".
وتأكيد على الأصل الغربي لمقولة نحن نحارب حيوانات بشرية، يسوق “كالين” أمثلة عن “حدائق الحيوان البشرية”، متابعا: لم يقتصر الأمر على العنصرية والاحتلال الفعلي والإهانة الثقافية، بل أن الرجل الأبيض، الذي يعتقد أنه متحضر ومتفوق بكل معنى الكلمة، استخدم أناسا يعتبرهم في الدرجة الدنيا من سلم الأعراق كمعروضات. من أكثر الأمثلة المأساوية والمخزية على ذلك “حدائق الحيوان البشرية”، التي انتشرت في أوروبا وأمريكا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. لم تكن المنتجات الثقافية والطبيعية فقط تعرض في المعارض الكبيرة في تلك الفترة، بل كان أناس من أعراق “غير متطورة” يعرضون في الوقت نفسه.
ويمضي “كالين” في عرضه للأمثلة التي تدلل على ما أدلى به وزير الدفاع الإسرائيلي بأن: نحن نحارب حيوانات بشرية: أحضر إناس من أفريقيا والفلبين والقطبين ومن مناطق أخري وتلقوا معاملة “نصف إنسان، نصف حيوان”، وكانوا يوضعون في خدمة محبي الفرجة الغربيين العصريين. كان هؤلاء الناس يعرضون أفرادا أو أسر في العواصم الأوروبية، وكانوا يشبعون مشاعر التفوق لدي الرجل الأبيض العصري، وفي الوقت ذاته كانوا يوفرون الذريعة والمشروعية بشأن استحقاق هذه الشعوب التي أصبحت مستعمرة أوروبية، لهذه المعاملة.
كان البشر يعرضون كعناصر معرض إثنولوجي في هذه الحدائق التي كانت منتشرة علي نطاق واسع في العواصم الأوروبية منذ أواخر القرن الـ 19 حتي أواسط القرن الـ 20. احتفلت الثورة الفرنسية، التي انطلقت تحت شعار “الحرية المساواة الأخوة” بذكراها المئوية، حيث أقيم معرض باريس العالمي في 1889، وكان فيه “قرية الزنوج” عرض فيه 400 أفريقي. كما كان يعرض أشخاص من السنغال والنوبة وجمهورية داهومي ومصر ولابلاند وسكان الأمريكيتين الأصليون وكوريا وأناس ينتمون لأمم أخري في “بيئاتهم الطبيعية” علي أنهم شعوب “مجلوبة” في معارض بهامبورج ولندن وبروكسل وشيكاغو وجنيف وبرشلونة. يعتقد أن أكثر من مليار شخص زاروا هذه الحدائق ما بين عام 1870 و1940.
ويخلص “كالين” فيما يثبت الأصول العنصرية للرجل الأبيض وعكسته مقولة نحن نحارب حيوانات بشرية، إلى أن: كانت حدائق الحيوان البشرية تجمع في أوروبا القرن الـ 19 أربعة عناصر معا: الاستعمار والعلم والعنصرية والرأي العام. كانت البلدان الأوروبية تجلب إلى المعارض شعوب البلدان التي تستعمرها. كان ذلك جزءا من الدعاية لفضائل الاستعمار. كانت فروع العلوم كالإثنولوجيا والأنثروبولوجيا والبيولوجيا تحصل علي فرصة مراقبة هذه الأعراق المتخلفة، وتعمل بشكل محموم من أجل إثبات تفوق العرق الأبيض.
استمر التهافت على حدائق الحيوان البشرية، التي تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية، حتى أواسط القرن العشرين. عرضت قرية كونغولية مجددا في معرض عالمي بمدينة بروكسل عام 1958، علي شكل حديقة حيوان بشرية. كانت إحدى الصور الملتقطة فيها بمثابة رمز يبعث على الخجل على مدار القرن: طفلة أفريقية سمراء في الخامسة أو السادسة من العمر ترتدي زيا غربيا وامرأة أوروبية بيضاء تقدم لها الطعام من وراء السياج، ترتسم سعادة غامرة وابتسامات علي وجوه الأوروبيين المتحضرين الذين يتابعون المشهد حولها. تاريخ الحدث 1958، المكان قلب أوروبا. كان هذا المشهد المثير للخجل على الصعيد الإنساني والأخلاقي والحضاري يدور في منطقة تعتبر نفسها موطن الحضارة والحرية والكرامة الإنسانية.