عاجل.. "الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 10 نوفمبر 2023
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 26 ربيع الآخر 1445 هـ، الموافق 10 نوفمبر 2023، التي جاءت تحت عنوان "الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة اليوم 10 نوفمبر 2023
الأبعادُ الإنسانيةُ ومخاطرُ تجاهُلِهَا
26 ربيع الآخر 1445هـ – 10 نوفمبر 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فإنَّ الإنسانيةَ رحمةٌ وعدلٌ وإنصافٌ بينَ البشرِ جميعًا على اختلافِ معتقداتِهِم، وألوانِهِم، ولغاتِهِم، وأعراقِهِم، مِن منطلقِ منظومةٍ أخلاقيةٍ وحضاريةٍ مِن شأنِهَا أنْ تجمعَ ولا تفرق، وتبنِي ولا تهدم؛ لينعمَ الناسُ جميعًا بالأمنِ والاستقرارِ، دونَ تفرقةٍ بينَ إنسانٍ وآخر، أو شعبٍ وآخر، مع تأكيدِنَا أنَّهُ لا إنسانيةَ بلا عدلٍ، ولا إنسانيةَ بلا رحمةٍ، ولا إنسانيةَ بلا قيمٍ.
ودينُنَا الحنيفُ دينُ الإنسانيةِ الحقيقيةِ، التي استمدتْ أبعادَهَا مِن القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ المشرفةِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فالإنسانُ – على مطلقِ إنسانيتِهِ – مُكرّمٌ بتكريمِ اللهِ تعالَى لهُ، يقولُ سبحانَهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: ” كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ “، ويقولُ (صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ): “يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ“.
ومِن أهمِّ الأبعادِ الإنسانيةِ الرحمةُ بالضعفاءِ والأطفالِ، واحترامُ كبارِ السنِّ، وإعطاءُ ذوي الهممِ حقوقَهُم كاملةً غيرَ منقوصةٍ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: “إنَّمَا تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ”، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: “ليسَ مِنّا مَن لم يرحمْ صغيرَنَا، ويُوَقِّرْ كبيرَنَا “، وعندما مرَّ سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ (رضي اللهُ عنه) برجلٍ كبيرِ السنِّ مِن أهلِ الكتابِ، يسألُ على أبوابِ الناسِ، فقال له سيدُنَا عمرُ (رضي اللهُ عنه): ما أنصفنَاكَ في شيبتِكَ، ثم ضيعنَاكَ في كبرِكَ، ثم أجرَى عليهِ مِن بيتِ المالِ ما يصلحُهُ، ويقولُ ﷺ: “الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ”.
وقد بلغتْ القيمُ في الإسلامِ أوجَّ عظمتِهَا حينَ شددتْ على مراعاةِ الأبعادِ الإنسانيةِ في الحروبِ، فقد كان أصحابُ نبيِّنَا ﷺ حين يجهزونَ جيوشَهُم يوصونَ قادتَهَا ألّا يقطعُوا شجرًا، وألّا يحرقُوا زرعًا، أو يخربُوا عامرًا، وألّا يتعرضُوا للزراعِ في مزارعِهِم، ولا الرهبانِ في صوامعِهِم، وألّا يقتلُوا امرأةً، ولا طفلًا، ولا شيخًا فانيًا – ما دامُوا لم يشتركوا في القتالِ، ولَمّا رأىَ النبيُّ ﷺ) امرأةً كافرةً مسنةً مقتولةً في إحدَى المعاركِ قال ﷺ: “ما كانتْ هذه لِتُقاتِلَ، فقالَ لأحَدِهِم: الحَقْ خالِدًا فقُلْ له: لا تَقتُلوا ذُرِّيَّةً ولا عَسِيفًا”.
ومِن الأبعادِ الإنسانيةِ تفريجُ الكربِ عن المكروبينَ والمستضعفين، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: “مَن نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ”.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
لا شكَّ أنَّهُ إذا تخلَّى العالمُ عن إنسانيتِهِ أو انسلخَ منها؛ دمرَّ بعضُهُ بعضًا، واستحالتْ الحياةُ إلى جحيمٍ، وفوضَى عارمةٍ، ونزاعاتٍ لا تنتهِي، وحلَّ الخوفُ مكانَ الأمنِ، فتُسفَكُ الدماءُ، وتُنتهَكُ الأعراضُ، وتغيبُ الرحمةُ، وينتشرُ الإرهابُ الأعمَى، سواءٌ أكانَ إرهابَ جماعاتٍ أم إرهابَ دولٍ.
على أنَّنَا نؤكدُ أنّنَا سنظلُ متمسكينَ بإنسانيتِنَا التي يوجبُهَا علينَا دينُنَا ووطنيتُنَا إنسانيةِ الأقوياءِ لا الضعفاءِ، مدركينَ أنَّ السلامَ الحقيقيَّ هو السلامُ العادلُ الذي له قوةٌ تحميهِ، وأنّنَا مصطفونَ خلفَ قيادتِنَا الرشيدةِ، جنودًا في سبيلِ الدفاعِ عن الدينِ والوطنِ والعرضِ والقيمِ الإنسانيةِ.
نسألُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أنْ يردَّ الإنسانيةَ إلى صوابِهَا ورشدِهَا ردًا جميلًا.