محمد خفاجى: التحرك لدى المحكمة الجنائية الدولية "يقلق إسرائيل"
يقول الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، إن عجز المجتمع الدولى ومنظماته الدولية عن وقف إطلاق النار على الفلسطينيين بقطاع غزة، الذى تجاوز الشهر المتواصل، خاصة الأطفال والشيوخ والنساء- يجعل العقل البشرى فى حيرة من أسرار عدم قدرة المجتمع الدولى على دفع جرائم الإبادة الجماعية التى يرتكبها الكيان المحتل ضد شعب فلسطين لإكراههم على التهجير القسرى لسيناء بالمخالفة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.
ويضيف "خفاجي"، في قراءة للأحداث بعنوان "محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة والإكراه على التهجير القسرى إلى سيناء أمام المحكمة الجنائية الدولية.. العقبات والحلول"، أن المتتبع لحال فلسطين وإسرائيل سوف يجد عقبات أمام المحكمة الجنائية الدولية، والتى تتمثل فى التحقيقات الإسرائيلية الصورية المستترة فى القضاء الوطنى الإسرائيلى كمانع من الاختصاص الدولى، ذلك أن إسرائيل تعمد سابقًا إلى إجراء تحقيقات صورية فى صورة مستترة لغل يد المحكمة الجنائية عن ممارسة عملها، بحسبان أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية اختصاص مكمل للقضاء الوطني، وتلك التحقيقات الصورية المستترة من شأنها أن تنال من فعالية عمل المحكمة في فلسطين مثلما حدث بعد ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث سارعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى تشكيل لجان تحقيق ومحاكمات محلية صورية لتغل يد المحكمة الجنائية الدولية.
ويتابع: لكن جرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها إسرائيل فى قطاع غزة مختلفة، فهى صناعة إسرائيلية بدعم الغرب، على قمته أمريكا، وهى دامغة وقاطعة فى مشهد دولى على مرأى ومسمع من العالم أجمع وشعوب الأرض فى ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأتوقع أن تعمد إسرائيل إلى منع المحققين من الدخول إلى فلسطين، أو ترهيبهم أوتهديدهم وسط أجواء القذف المسلح بأحدث أسلحة الحرب والدمار الشامل للمدنيين والأطفال، وتلك مسئولية الدول الأعضاء فى المحكمة.
ويرى "خفاجي" أن أمريكا تمارس البلطجة الدولية ضد المحكمة لترهيبها لأول مرة فى التاريخ بعقوبات تمنعها من محاكمة إسرائيل، رفضها حلفاؤها، وتضع عقبات لتقويض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لأرض فلسطين العربية.
ويوضح: هناك عقبات وضعتها أمريكا لتقويض اختصاص المحكمة الجنائية الدولة فى أرض فلسطين، بحيث يمكن القول إن أمريكا تمارس البلطجة الدولية ضد المحكمة الجنائية الدولية لبث الرعب فى نفوس قضاتها لأول مرة فى التاريخ بعقوبات على قضاتها تمنعها من محاكمة إسرائيل، وتلك العقوبات التى فرضتها أمريكا عارضها حلفاؤها، وهى عقوبات تقوض من ولاية المحكمة الجنائية الدولية ذاتها، بهدف قطع أي سبيل لفتح تحقيق رسمي من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية ضد قادة إسرائيل. حيث قام الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بتوقيع مرسوم عقوبات فى سبتمبر 2020 من قبل الإدارة الأمريكية ضد المحكمة الجنائية الدولية ومسئوليها من القضاة؛ بهدف تقويض قدرتها على القيام بأي تحقيقات في دول مثل أفغانستان وفلسطين ضد الأمريكيين والإسرائيليين سواء بسواء.
ويقول: لقد جاء قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية التاريخى ببسط ولايتها على الإقليم الفلسطينى للأراضى التى تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، خاصة قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، بعد أن واجهت المحكمة ضغوطًا غير مسبوقة من الإدارة الأمريكية السابقة في سبتمبر 2020، إذ قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض عقوبات على اثنين من مسئولي المحكمة الجنائية الدولية، من ضمنهما المدعية العامة للمحكمة "فاتو بنسودة"، بالأمر التنفيذي الصادر في يونيو 2020 بعد عامين من التهديدات المتصاعدة من قبل الإدارة الأمريكية السابقة لإحباط تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية فى كل من أفغانستان وفلسطين، والتي يمكن أن يكون محلها التحقيق في سلوك مواطنين أمريكيين وإسرائيليين، وهو الذى كشف عنه ما دعا إليه فى وقت سابق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى فرض عقوبات على المحكمة ومسئوليها، بعد أن وقّعت إسرائيل على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية لكنها لم تصادق عليها، ولا تنوي أن تصبح عضوًا في المحكمة.
ويضيف أنه في سبتمبر عام 2020 ألغى الرئيس الأمريكى السابق ترامب تأشيرة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية "فاتو بنسودة" للولايات المتحدة وفرض عقوبات مالية عليها وعلى مدعٍ عام كبير آخر؛ بسبب التحقيق الذي أجرته المحكمة بشأن إسرائيل وفلسطين، وتحقيق منفصل في تصرفات الولايات المتحدة في أفغانستان، وقرار الرئيس الأمريكى بالعقوبات على المسئولين بالمحكمة الدولية لقى معارضة شديدة من المجتمع الدولى، إذ أصدرت 67 دولة منها حلفاء للولايات المتحدة، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، بيانًا مهمًا انتهت فيه إلى "دعمها الثابت للمحكمة باعتبارها مؤسسة قضائية مستقلة ومحايدة"، باعتبار أن قرار الرئيس الأمريكى بتوقيع عقوبات على المحكمة يمثل تهديدا مباشرًا لسيادة القانون الدولى ينال من هيبة المحكمة الدولية واستقلالها وعملها في تحقيق العدالة للضحايا من الشعوب، وحماية لولاية المحكمة من أي عمل لتقويض استقلالها وعرقلة التحقيق في فلسطين.
وحينما تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أشارت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى أنها ستراجع العقوبات التى أوقعتها الإدارة الأمريكية السابقة على المحكمة، حيث أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الإدارة الأمريكية تراجع قرار المحكمة الجنائية الدولية وأن لديها "مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية لممارسة الولاية القضائية على موظفين إسرائيليين"، لكنها لم تلغ الأمر التنفيذي لترامب الذي فرض تلك العقوبات منذ ذلك الحين، واتحد الرئيسان فى ذات التوجه ضد المحكمة لصالح إسرائيل.
ويتابع: لعل نظرة إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن المتناقضة تحمل اختلال ميزان النظرة الأمريكية عن العدالة الدولية والمساواة فى الحالات القرينة المتماثلة، إذ تبدى تعاونًا مع المحكمة الجنائية الدولية، بمشاركة الأدلة على ما تسميه جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا مع محققيها، فإذ بها ذاتها تعارض وبشدة التحقيق الإسرائيلي الفلسطيني.
ويستطرد: الرأى عندى أن إسرائيل سينتابها القلق البالغ من تحرك فلسطين لدى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع قادتها فى جرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها ولا تزال منذ أكتوبر ونوفمبر 2023 على المدنيين، خاصة الأطفال والنساء والشيوخ، فى قطاع غزة، وهو ما كشف عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ذاته، حينما بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقها الكامل في عام 2021، إذ قال نصًا: "إن إسرائيل تتعرض للهجوم، والمحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت لمنع تكرار الفظائع التي حرض عليها النازيون مرة أخرى للشعب اليهودي، تنقلب الآن ضد دولة الشعب اليهودى، وأعدكم بأننا سنناضل من أجل الحقيقة حتى نلغي هذا القرار الفاضح". وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن إسرائيل ستشعر حتمًا بالقلق البالغ من احتمال احتجاز مسئوليها العسكريين والسياسيين بموجب مذكرات اعتقال دولية إذا سافروا إلى الخارج وواجهوا المحاكمة في لاهاى .
ويتابع: إذا كانت إسرائيل عادة ما تعتمد على حماية الولايات المتحدة لها في المنظمات الدولية، مثل استخدام حق الفيتو ضد القرارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أنه قد بات من المؤكد أن نفوذ أمريكا على المحكمة الجنائية الدولية محدود للغاية بسبب استقلال قضاتها، وهى رفضت التوقيع على نظام روما الأساسي.
ويختتم: أناشد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إعطاء الأولوية للتحقيق فى جرائم الحرب التى ارتكبها القادة الإسرائيليون والجيس الإسرائيلى المحتل فى تعمده جرائم الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بقصد تهجيرهم إلى سيناء وتدمير المستشفيات والمدارس والبنية التحتية، كما أناشد الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية التعاون الكامل في هذا التحقيق، إذ يجب محاسبة مرتكبي جرائم الحرب لأن إفلات الجناة من العقاب عن تلك الجرائم من شأنه أن يقوض السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط حفظًا لماء وجه القانون الدولي والقانون الدولى الإنسانى قبل أن يجف ماؤه.