دماء أطفال غزة تُسقط عن هؤلاء شرفهم!
(١)
عفوا هى ليست حرب غزة، بل مقتلة غزة! على الهواء مباشرة يشاهد العالم طقوس قصف المدارس والمستشفيات ومشاهد أشلاء الأطفال ويسمع صراخهم ثم يشجب ويناشد ويطالب! العالم بقادته وشعوبه ومنظماته الأممية والحقوقية يناشد! ولا أدرى يناشد مَن؟ منذ عقود قليلة تم فرض حصار اقتصادى على دولة اسمها ليبيا لاتهام نظام الحكم فيها بالضلوع فى تفجير طائرة لوكيربى! وتم تقسيم دول لاتهام بعض رموز حكمها بارتكاب (جرائم حقوقية!) ويتم ابتزاز دول لشائعات باضطهاد عميل!
الأمين العام للأمم المتحدة أصبح مثله مثل أى مواطن يشجب ويدين ويمتعض! ثم لا شىء! منظمات دولية تجتمع وتخرج علينا بعبارات قوية وكأنها تكشف لنا سرا كبيرا وهو أن قتل الأطفال جريمة حرب! ثم لا شىء! قائمة طويلة أسقطت دماءُ أطفال غزة شرف من فيها! فهذه الدماء الطاهرة التى مازالت تُسفك فى غزة قد أسقطت شرف حضارات، ودول كبرى، وأخرى مسلمة، وثالثة عربية، ومنظمات كونية طالما استأسدت على دول فى منطقتنا البائسة، وشخصيات اعتباريةأو حقيقيةما تزال تملك وقاحة محاولة الخداع والإدعاء بتمثيلها لأفكارٍ دينية أو أخلاقية!
(٢)
هذه المرة يحتل رأس القائمة أشخاصٌ يحملون نفس أسماء المراقة دماؤهم، وحتى وقتٍ قريب – بل وحتى الآن - كانوا يجدون من يستطيعون خداعهم من هذه الشعوب الشرقية!
خرج موسى مرزوق علينا بتصريح هو الأعجب...أن انفاق غزة لحماية أشاوس حماس أما أطفال غزة ونساؤها وشيوخها فهم لاجئون تقع مسؤلية حمايتهم على دولة الاحتلال والمجتمع الدولى! ولا أدرى حقا من أين له بهذه الصفاقة الثلجية، ومن أى قعرٍ من الجحيم أتى بهذا البغى والبهتان! هناك عباراتٌ وألفاظ تتخطى فكرة الاختلاف وتتخطى فكرة والرد عليها إلى ما هو أقوى من مجرد الكلام.. وهو أن تبصق على وجوه قائليها وتشيح بوجهك بعيدا عنهم!
لم نلتقط أنفاسنا بعد حتى خرج علينا هنية فى بذته الأنيقة يطالب (الأشقاء فى مصر بفتح معبر رفح بشكلٍ كامل وتجاوز أى اعتبارات تحول دون ذلك!) مِن أين يأتون بهذه الجلود السميكة لهذه الوجوه التى لا تهتز أو تتقلص تقاسيمها أو تشعر بأى وخزة خجل أو ضمير، بينما يلقى أصحابها بعباراتٍليس لها مثيل إلا فى أقوال عتاة الخيانة أو قادة المجموعات المهووسة بسفك الدماء!
وأنا أتفحص ملامح هؤلاء على الشاشات وأحاول قراءة لغة وجوههم وأجسادهم، والغوص فى تلك العيون الزجاجية، كنت فقط أريد أن أقفز إلى خلاياهم العقلية بحثا عن ومضات بعينها..حين اتفقتم..بماذا كنتم تبررون لأنفسكم ما ستقوم العصابة الصهيونية المجرمة بسفكه من دماء أطفال القطاع؟! لا أصدق أن بشرا وقادة يدعون أنهم مسلمون يقررون التضحية بهذه الدماء ويقدمون لأنفسم هذا المبرر الذى قاله مرزوق، ثم يذهبون للنوم هكذا بأريحية ويستطيعون النوم فعلا! إنهم خارقون للنواميس الطبيعية!
(٣)
منذ ما يسميه العرب بعام النكبة، ولم يتوقف الكيان الصهيونى المجرم عن اقتراف المذابح ضد المدنيين وخاصة الاطفال. الفارق فقط هو أنّ تقدم وسائل النشر والإعلام أتاح للعالم أن يشاهد هذه المذابح والجرائم على الهواء مباشرة!
لدى مرجع ضخم عنوانه الكتاب الأسود للمجازر الصهيونية! مرجع لا يقوى على قرائته كاملا أى إنسان طبيعى..فى عام ٥٦ اُستبيحت مدن القناة واستشهد من المصريين المدنيين ما لم يتم حصر أعداده بشكلٍ كامل..ومؤخرا شاهدت صورا لأول مرة لبعض مشاهد الخراب فى هذه المدن..
الصهيونية ترتكب تلك الجرائم عن عمد. هذه عقيدتها ومبادئها وما قام عليه كيانها! محاولة إلقاء الرعب فيمن يقاوم ويتمسك بأرضه عبر اقتراف جرائم دموية شاذة عن كل قيم وممارسات الجيوش الطبيعية!
المسيحية الصهيونية ممتطاة بالكامل من الصهيونية اليهودية! هذا أحد أسباب سيرة وتاريخ الكاوبوى المتصهين عبر العقود أو بالأدق القرون الثلاثة الماضية! بدأت الفكرة برجل دين معتوه اسمه مارتن لوثر..اخترع الفكرة الصهيونية الحالية..هو صاحب فكرة سرقة فلسطين. سار خلفه ساسة دول أوربية غربية للتخلص من اليهود فى أوروبا..وعلى رأس تلك الدول انجلترا وفرنسا وهولندا، ثم الولايات المتحدة..الصهيونية فكرة شاذة ليس لقيامها على أساس تفسير دينى لرجل دين معتوه، أو حتى لتحولها لمشروع استعمارى سحرى يحقق للكيانات الاستعمارية الغربية أطماعها باقل كلفة من دماء جيوشها، لكنها فكرة شاذة فى اختياراتها لسبل تنفيذ كل ذلك! كان يمكنها أن تسير فى طريق تحقيق جنونها المتمسح بأفكار دينية، وفى طريق تحقيق رغبات ربائبها الاستعماريين الكبار بأساليب تقليدية كخوض مواجهات عسكرية حتى لو لم تكن متكافئة أو بمساعدات هؤلاء الرعاة، لكنها اختارت مع كل ذلك أحط الاختيارات على المستوى القيمى والأخلاقى وحتى العسكرى العادى!
اختارت الصهيونية أكثر السيناريوهات دموية ووحشية وهمجية وبربرية، سيناريو العودة بالصراعات الإنسانية إلى صورها المتجردة من أى ترويض أخلاقى دينى أو حضارى..فرق عسكرية وآلات ومعدات عسكرية تقتحم مخيمات لاجئين فتقتل آلاف قبل الفجر وهم نيام...قذف عمارات سكنية وتحويلها بمن فيها إلى أكوام من التراب والدماء والأجساد البشرية..استخدام كل ما يخالف المواثيق الدولية من ممارسات عمدا..استخدام كل ما يخالف ويتم تحريمه من أسلحة عمدا..استهداف الأطفال عمدا..لماذا اختارت الصهيونية هذا الطريق سبيلا للوصول لأهدافها المجنونة؟!
الإجابة باختصار ووضوح، أن هناك نصوصا منسوبة للديانة اليهودية تستبيح كل ذلك، بل وتجعل من هذه الممارسات طقوسا دينية مستحبة! نصوصٌ دينية مسكوت عنها، أو محظور الاقتراب منها..نصوص يمكن أن نطلق عليها نصوصا كانت سرية إلى عقودٍ قريبة ماضية حين تم ترجمة بعضها ونشرها وفضح سر اختيار الصهيونية لهذه الممارسات! هى نصوص تلمودية صريحة تجعل من (اليهودى) هو الإنسان الأوحد الأحق بالحياة وتجعل من دون ذلك فى مرتبة الحيوانات المباح ذبحها! هذه هى الحقيقة التى يتهرب البعض من مواجهتها! الكيان هو مشروع استعمارى، بدأ تنفيذا لفكرة مسيحية لرجل دين مسيحى معتوه، ثم تلقفتها أيدى أباطرة الاستعمار الغربى فدشنوها كمشروعهم الاستعمارى الأهم! مقالى هنا لا يبحث فى هذه القضايا الفكرية، لكنه فقط يقترب من الجوانب القيمية والأخلاقية..لدينا مشكلة عنصرية كبرى لأتباع الديانات السماوية أو الإبراهيمية..فبعضهم يضع نفسه فى مراتب أعلى عند الله..ويمكن اعتبار هذه العنصرية قضية شخصية لا تخص إلا صاحبها، لكن حين يحاول صاحبُها هذا ترجمتها على الأرض ضد هؤلاء الآخرين فهنا نتوقف! اليهودية رفضت الصهيونية فى بدايات مولدها، لكنهم اتفقوا فى النهاية على التوافق الدينى، ولهذا هاجر المصريون اليهود إلى هناك..لو لم يكونوا كذلك لظلوا مواطنين مصريين يهود رافضين للصهيونية! بعد هذا التوافق تم تفعيل نصوص التلمود الاشد إثارة للإشمئزاز والغثيان! نصوص تبيح أعراض ودماء كل من هو ليس بيهودى! فلا مكان لأية مصطلحات حديثة تافهة من وجهة نظرهم، فهم يملكون حق القتل من الله مباشرة!قد يحدث أن تتوافق نبوءة هنا أو تفسيرٌ هناك مع ما يحدث على الأرض حاليا. مثل التنبوء بخراب مصر عن طريق إغراقها بالتعاون مع عدو جنوبى، فتنتشر بها الأوبئة والأمراض والمجاعات، فيدخلها السادة أو شعبُ الله المدلل دون حرب! فتتحقق نبوءةٌ أخرى بالوصول للسيطرة على أرض الميعاد – فلسطين – وأرض التنزيل – سيناء!
الفكرة الصهيونية فاقدةٌ للشرف منذ تدشينها! هى فكرة لا علاقة لها بالله وكتبه السماوية. فالله لم يمنح لأحد هذه الحقوق الدموية الشاذة لا لليهود ولا المسيحيين ولا المسلمين! الفكرة الصهيونية فكرة منحطة أخلاقيا تتقوقع وتصمت بالقوة المجردة وتكاد تجثو غلى ركبها كالعبيد الأذلاء حين يتم وضعها تحت ضغط قوى حقيقى، بينما تجوث فى الأرض فسادا وقتلا بمجرد أن يحيطها رعاتها الأكثر منها خسة بالحماية! هى فكرة بلا شرف منذ مولدها، ولمن قرأوا سيرة حياتها لا يمكن أن تصيبهم دهشة من جرائمها الأخيرة..لكن أتتنا الدهشة من اندهاش وصراخ من يضاجعونها الفراش ممن يدعون محاربتها!
(٤)
عقودٌ طويلة والحضارة الغربية المعاصرة تتشدق بمجموعة من القيم وتتباهى بها وتزايد على دول المشرق ودشنت من أجل هذه القيم مئات المؤسسات والمنظمات والمعاهد ومراكز الدراسة والبحث. على رأس هذه القيم يأتى مصطلح حقوق الإنسان. هذا المصطلح المطاطى الذى بدا أحيانا مثل اللوغارتيمات السرية الغامضة! وجمعيات الرفق بالحيوانات والمنظمات الحقوقية ومنظمات الدفاع عن حقوق الطفل والمرأة! ومنظمات الدفاع عن الحريات الدينية والشخصية حتى ما يتعارض مع قيم أخلاقية لشعوب أخرى! ثم جاءت مذابح الأطفال فى غزة لتفضح وهن هذه الحضارة المنافقة! المنظمات والجمعيات والمؤسسات التى كانت تنتفض ضد دولة ما دفاعا عن حق مواطن فى إهانة معتقدات الآخرين صمتت صمتا مخزيا وهى ترى مشاهد أجساد الأطفال الممزقة! دماء أطفال غزة أسقطت الحضارة الغربية المعاصرة وأثبتت زيفها وباطلها ونفاقها وعنصريتها! طالما أن هؤلاء الأطفال ليسوا من أصحاب الدم الأزرق فلا قيمة لحياتهم! هذه هى الحقيقة المجردة! حضارة قامت على جثث شعوبٍ أخرى وبنت اقتصادها من نهب مقدرات شعوب أخرى ثم تقمصت دور المعلم لهذه الشعوب المنتهكة!
ما بعد جرائم غزة لن يكون كما قبله! من المنطقى حين يتجرأ أحدهم يوما ما ويحاول أن يبتزنا بهذه القيم الكاذبة، أن يكون الرد وقحا وتتناسب وقاحته مع وقاحة الذين سقطوا وثبت أنهم مجرد منافقين وأدعياء حضارة!
سقطت الحضارة الغربية وسقطت معها قيمها وكُشف وجهها القبيح دون مساحيق تجميل! ليس مقبولا أن نعفى هذه الشعوب من موقف حكوماتها فى هذا السقوط. لأن تلك الشعوب كانت ومازالت تتشدق بفكرة أنها هى صاحبة القرار وأن حكامها ليسوا إلا منفذين لإرادتها. فإما أن يكون هذا السقوط هو ترجمة لإرادة هذه الشعوب وساعتها تصبح كحكامها شعوب استعمارية متغطرسة! أو أن الشعوب عاجزة عن تصويب بوصلة حكامها وساعتها يصبح الحديث عن ديمقراطية الغرب مجرد دجل لا أكثر!
(٥)
هل هناك ما يسمى حقا بالوحدة العربية على الأقل فكريا وشعوريا؟! وما هو مفهوم الأمن القومى العربى؟! هل كانت الدول العربية حتى فى الماضى على قلب رجلٍ واحد؟ أشك كثيرا جدا فى هذه المصطلحات. لو كانت هذهالمصطلحات حقا لما وصلنا لهذا المشهد القاتم!الأمن القومى العربى والتضامن العربى وكل هذه الكومة من التعبيرات البراقة لم تكن حاضرة بقوة فى العقود السابقة إلا فى حالة واحدة، وهى أن تقدم مصر نفسها وجيشها وقوتها فداءً لهذه الكومة البالية! أن تقوم مصر بدور (مسيح) الأمة العربية بأن تتقدم طائعة للصلب فداء لعار العرب حتى يرضوا عنها وعنا! فلن ترضَ عنكِ العربُ يا مصر دون أن تكونى مصلوبة ممزقة منهكة ترفلين فى ثيابٍ مخضبة بالدماء بينما شيوخ قبائلها يرحبون بلورانس فى خيامهم!
كيف يكون لأى حديثٍ عن الأمن القومى العربى معنى وقيمة ووجود بينما أصبحت ثغور الدول العربية ومفاتيحها بأيدى جيوشٍ ضالعة فى المذبحة؟!
كيف يكون ذلك منطقيا بينما يمثل بعضهم صوت مٓن يريدون لمصر أن تواجهه؟!
أصبح هناك اتفاقٌ ضمنى يشكل واقع العرب..أن لكل دولة الحق فى اختياراتها ومواقفها ومالها واقتصادها! إن كان الأمر كذلك، فلماذا حين وقعت الواقعة يتم استدعاء ما مات بالفعل وتم دفنه من عقود؟!
الإجابة هى محاولة دفع مصر للقيام مجددا بدور مسيح العرب! أنا كمواطن مصرى أرفض هذا بشدة..ليس فقط لعدم عدالة المطلب، وليس لأننى أعتقد بشكلٍ شبه يقينى بوجود خيانة ومؤامرة، لكن هذه المرة لسببٍ أهم..هو أن يحمل العرب عارهم وأن يواجهوا التاريخ..هذه المرة لن يتطهر العرب بدماء المصريين حتى ينفضوا عن عباءاتهم وقفاطينهم الحريرية هذا العار الكبير الملطخ بدماء أطفال غزة! عليهم أن يحملوا عارهم بمفردهم. فمصر لم يصبها هذا العار..مصر منفردة خاضت معركة لا يخوضها إلا الشرفاء..فليحمل كلٌ عارٓه وليواجه حقيقته!
(٦)
لأن تُهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دمٍ مسلمٍ حرام...مجموعة من الأحاديث المنسوبة للنبى(ص) مفادها أن النبى خاطب الكعبة مبديا مكانتها فى نفسه وعند الله، لكنه أردف ما معناه أن حرمة دم المسلم أشد عند الله من حرمة الكعبة..وفى متونٍ أخرى أن هدمها حجرا حجرا أهون عند الله من سفك الدم الحرام..هل هذه أحاديث مدسوسة وكاذبة أم علماء الحديث يعترفون بصحة نسبتها للنبى ؟ الإجابة أنهم يقرون جملتها أو معناها!
إذن فمتى وكيف ومٓن غير تعليمات النبى (ص) وأقنع المسلمين أن حرمة المسجد الأقصى أهم من حرمة وحياة فتاة فلسطينية يتم الدفع بها لمواجهة جنود العصابة الصهيونية؟ لماذا لم يتوجه مقاومو حماس فى العقود السابقة للتترس أمام المسجد الأقصى إذا كانوا حقا يجاهدون من أجل الدفاع عنه كما ادعوا (طوفان الأقصى؟!)
هل من تمام الإسلام أن تتصدى فتيات فلسطينيات بأجسادهن للدفاع عن الأقصى؟ وهل من تمام الإسلام أن نغير تعليمات النبى ونجعل من الأقصى أكثر حرمة من دماء فلسطينيين عزل رجالا كانوا أم نساء؟ لماذا يُقتل على أبواب الأقصى شبابٌ وبناتٌ صغار؟ للأقصى ربٌ يحميه، وليس من مسؤلية هؤلاء الدفاع عن الأقصى! لو كانت قضية الأقصى قضية إسلامية كما يردد من يصرخون باسمه فعلى جميع جيوش البلاد الإسلامية – بما فيها التى تمتلك أسلحة غير تقليدية – خوض هذا السيناريو السينمائى الخيالى بتجهيز جيشٍ إسلامى كبير لخوض معركة واحدة فقط دفاعا عنه! وإن لم يفعلوا – ولن يفعلوا - فليس مسؤلية بنات وشباب فلسطين أن يقوموا بهذه المهمة!
(٧)
من المؤسف أن الدماء التى سُفكت فى هذه البقعة من العالم بعد ظهور الديانات الإبراهيمية أو السماوية الثلاثة ربما تفوق ما سُفك قبلها!
قبل المسيحية دخل اليهود فى صراعات دموية عنيفة ضد جماعات ودول كثيرة..سفكوا دماءً وسُفكت دماؤهم وأحيلت أورشليم إلى خراب وأطلال مراتٍ كثيرة..ومُنعوا من دخولها منذ عام ٧١ بعد صراعات دموية ضد الرومان حتى سمحلهم صلاح الدين بدخولها مرة أخرى..ثم سفك الصليبيون دماءً المسلمين فى حملاتهم الصليبية..ثم اليهود والمسلمون!
اقتراح الدولتين مع تدويل الأماكن المقدسة..يبدو منطقيا للعقلاء..لكنه لن يتم! والتمسك بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين وإسرائيل سوف يفسد ويوقف أية محاولات للوصول للسلام!..هذه هى الحقيقة..المؤلمة! هناك فكرة أخرى عاقلة تقوم على اعتبار القدس الشرقية عاصمة رمزية للدولتين..على أن تخرج منها كل قوة عسكرية وأن يحرم على داخليها حمل السلاح..وأن يكون هناك قنصليتان، إحداهما عربية فلسطينية والأخرى عبرية وتكونان رمزا لا أكثر على أن تكون لكل دولة عاصمتها السياسية الأخرى..تل أبيب لليهود والقدس الغربية للعرب!
لكننى على يقين أن الجنون والهوس لن يقبلا بهذا الحل!
وإذا كان جنون الصهيونية وهوس الحمساوية لن يقبلا بأى حلٍ حقيقى يأتى بالسلام لهذه البقعة المنكوبة من الأرض، فماذا عن جنون السلام؟! ماذا لو قرر مَن يحكمون هذا العالم ويملكون القدرة العسكرية أن يفرضواحلا مجنونا يفرض السلام فرضا ويوقف سفك الدماء على عتبات وأسوار أورشليم؟! ماذا لو قرر هؤلاء أن يخرجوا بأنفسهم عن جنون وهوس الرؤى الدينية الدموية وأن يتقمصوا دور المخلّصين بشكلٍ حقيقى وأن يقرروا أن يزيلوا أسباب سفك الدماء وأن يستبدلوا كل هذه الأماكن المقدسة لأتباع الديانات الثلاثة بغابات من أشجار الزيتون؟!
وُجدت الأماكن المقدسة لكى تلقى بالسلام على الأرض..لكى يجد فى رحابها البشرُ طمأنينة القلوب وسكينة الأرواح لا أن تُسفك على عتباتها الدماء وأن يمتطيها المهوسون بسفك الدماء! الأماكن الدينية ملكٌ خالصٌ لله هو من يدافع عنها..لم يأمر الله أحدا بالدفاع عن ممتلكاته وبيوته..أمر الناس بالدفاع عن ممتلكاتهم وبيوتهم وأرضهم وحياتهم وأسرهم!
ولأنْ يعبد الإنسانُ الله وسط الحقول أو فى الصحراء وهو آمنٌ خيرٌ عند الله من أن تُزهق أرواح آلاف البشر من أجل الدفاع عن جدرانٍ بناها بشرٌ آخرون!
حين دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس لم يجد للمسجد الاقصى أثرا، ووجد الصخرة المقدسة -بمعاونة البطرك – وقد غطتها المخلفات! أليس هذه هى حقائق التاريخ المكتوبة نصا فى أمهات الكتب العربية؟!
وحين عاد صلاح الدين وسمحلليهود بدخول المدينة لم يكن بها هيكل أو أى بناء دينى يهودى، وكل مصادر التاريخ أجمعت أن هيكلهم ليس له وجود!
فالله لن يرضَ عن سفك هذه الدماء دفاعا عن جدرانٍ بناها حكامٌ فى عصور تاريخية معينة بينما جُعلتْ الأرضُ كلها مسجدا طهورا لمن يريد أن يعبد الله!
وجملة أحاديث النبى التى أشرتُ إليها تؤكد هذا المعنى! إن كان ما أقوله جنونا..فما تلطخت به صفحات تاريخ أتباع الديانات الثلاثة من دماء هو جنونٌ خالص....
فجنونا بجنون أقول..فلنجرب جنون السلام كما تخضب تاريخ هذه البقعة بجنون سفك الدماء الدينى! نبوأتى التى أتيقن بحدوثها يوما أن هذا السيناريو سيحدث..لكنه سيحدث بعد أن يجرف فى طريقه حياة الآلاف وربما الملايين!
حين نُفرغ هذا النزاعَ الدرامى من مسوغات بقائه وحين نُلجم ألسنة الذين يثوّرون العامة دفاعا عما لا يملكون، تصبح وقتها الحروب دفاعا عما نملك من أرض ووطن وبيت واسرة حروبا مشروعة وذات معنى!
حين نُجهض هذا النزاع الدموى من مبررات بقائه ننزع بذلك شرعيته وليذهب كل منهم ليعبد الله فى بقعته ودولته، فلله الأرض جميعا، وتصبح وقتها الحروب فعلا قبيحا أو جميلا حسب موقع كل طرف إن كان غازيا معتديا أو مدافعا مضطرا!
هذا ما سيحدث يوما ما..سوف تزال هذه الأماكن التى بناها بشرٌ،وساعتها ستكون أورشليم كما كانت مراتٍ كثيرة على مر العصور خرابا تغطى سماءها غيوم كئيبة وتملأ أرضها الدماء..لن يهدأ مهاويس الأرض قبل أن يضيفوا لجرائمهم تلك الجريمة الكبرى!