ما بعد الحرب.. سياسيون فلسطينيون: نرفض القوات الدولية واستبدال احتلال بآخر
وضع سياسيون فلسطينيون عدة سيناريوهات للأوضاع فى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، مؤكدين رفض أى تدخلات دولية فى إدارة شئون القطاع، لأن الشعب الفلسطينى لا يريد استبدال احتلال غربى جديد بالاحتلال الإسرائيلى.
وقال جهاد الحرازين، القيادى بحركة فتح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إنه لا يوجد هناك من يقرر مصير الشعب الفلسطينى وقضيته بعيدًا عنه، ومن خلال ممثله الوحيد وهى منظمة التحرير الفلسطينية تحت قيادة حركة فتح، التى لم يتوقف دورها نحو قطاع غزة طوال السنوات الماضية؛ رغم سيطرة حركة حماس على القطاع منذ عام ٢٠٠٧.
وأضاف: «فتح هى من قدمت المساعدات والموازنات والرواتب، وتدفع أكثر من ١٠٠ مليون دولار شهريًا للقطاع، لذا المسئولية قائمة بالفعل على عاتقها، ولم تتخل عن غزة ومسئولة عنه من قبل وستكون مسئولة عنه بعد الحرب».
وقال: «الشعب الفلسطينى لن يقبل بوجود قوات جديدة أو احتلال جديد عبر قوات دولية أو غيرها، فعندما طالبنا بحماية دولية كان اقتراحًا لوضع مراقبين لحفظ السلام لتوفير الحماية للشعب الفلسطينى، وليس قوة حاكمة أو مديرة له، لذا هذا الأمر مستبعد من قبلنا».
وتابع: «السيناريو الأفضل بشأن مستقبل القضية الفلسطينية كلها وليس مستقبل غزة وحدها، هو وجود حالة من الوحدة والتوافق الفلسطينى، وقيادة حركة فتح للمشروع الفلسطينى الوطنى بكل مؤسساته وفى كل المناطق، سواء فى الضفة الغربية كاملة أو غزة أو القدس الشرقية، لأن هذا حق فلسطين ويجب أن يعلمه الجميع، وهذا الأمر يتطلب أن يتعامل معه الجميع وفق هذه الرؤية».
ودعا إلى ضرورة التحضير لعمليات إعادة الإعمار وتقديم المساعدات، ووقف جرائم الاحتلال التى يرتكبها بحق الشعب الفلسطينى.
بدوره، رأى الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن مستقبل قطاع غزة مرهون بشكل مباشر باستتباب الأوضاع على الأرض، فالاحتلال عمد منذ عام ٢٠٠٧ على تعميق الانقسام الفلسطينى، وحينما سيطرت حركة حماس على غزة بعد فوزها فى انتخابات ٢٠٠٦، رفض الاحتلال التعامل معها.
وقال: «بعد سيطرة حماس على القطاع لم تتول مسئوليته المادية، بل السلطة الفلسطينية هى التى مولت التعليم والصحة وكل القطاعات فى غزة، كما تقدم مساعدات ورواتب لآلاف الأسر الفقيرة».
وتابع: «السلطة أيضًا تتولى صرف رواتب لجميع أسر الشهداء والأسرى من أى فصيل، فلا فرق بين أحد، لذا السلطة تدير غزة رغم أن حماس تسيطر على القطاع عسكريًا»، مشددًا على أن الاحتلال دائمًا ما يعزز الانقسام بين غزة والضفة والغربية، وكان يهدف لاستمرار هذا الأمر.
وقال: «مسألة تشكيل إدارة دولية لإدارة غزة بعد الحرب، أمر طرحته أمريكا من خلال تشكيل قوات دولية لإدارة القطاع، وهذا غير منطقى وغير مقبول، إلا إذا كانت هناك إدارة عربية مع وجود السلطة الفلسطينية، تكون داعمة لحل سياسى، وسيكون هذا مقبولًا»، مشددًا على أن السلطة لن تأتى على ظهر دبابة، بل ستأتى وفق حل سياسى شامل.
وتابع: «إن جاءت قوات دولية تقف على الحدود لدعم الحل السياسى وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وأن تكون هذه القوات حفظ سلام وليس قوات إدارة دولية، كما تريد أمريكا، فهذا مقبول لدينا، لكن لا نريد استبدال احتلال باحتلال، لأنه يعنى استبدال احتلال غربى جديد بالاحتلال الاسرائيلى، وهذا منطق أمريكى مرفوض».
وشدد على أن قوات الحماية وحفظ السلام هى المقبولة، مثل قوات «اليونيفيل» فى لبنان، بشرط أن تكون للحماية وحفظ السلام فقط، استنادًا لقرارات الشرعية الدولية وبقرار من مجلس الأمن الدولى وبمشاركة عربية، وأن تكون محددة بوقت زمنى واضح يضمن إقامة الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وخروج هذه القوات الأجنبية.
كما رأى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القدس، القيادى فى حركة فتح، أنه لا يستطيع الحديث عن مستقبل غزة بشكل واضح، إلا بعد ظهور نتائج الحرب الحالية.
وأوضح أن السيناريو الأول الذى ينتظر القطاع، هو أن يحتل الاحتلال الإسرائيلى غزة بشكل كامل لا قدر الله، وينهى القوة العسكرية للمقاومة، وفى هذه الحالة سيكون الاحتلال قوة احتلال، وعليه أن يتعامل مع القطاع من هذا المنطق، وفق القانون الدولى، وهذا سيكون مرهقًا له.
وتابع: «كما أن الأمم المتحدة ودول المنطقة سترفض تولى إدارة أمور القطاع، لذا إدارته ستذهب للسلطة الفلسطينية، بحسب ما قرأنا فى لقاء محمود عباس مع وزير الخارجية الأمريكى، وفق مشروع سياسى شامل يضمن إقامة دولة فلسطينية، وهذا ثمن سيدفعه الاحتلال، بما فيه غزة، حيث سيكون لها مطار وسيحدث انفتاح اقتصادى للقطاع وإنهاء الحصار عليه».
وأكمل: «السيناريو الثانى ألا يتمكن الاحتلال من الانتصار على المقاومة فى غزة، وعليه سيدخل فى مفاوضات سياسية وسيدفع ثمنًا كبيرًا، فقد فشل فى القضاء على المقاومة، لذا ستبقى حماس فى القطاع وتصبح جزءًا من الحل السياسى، وقد تسلم سلاحها لكن سياسيًا ستبقى داخل المشهد، وسيتم إجراء الانتخابات وإجراء مشروع سياسى كامل وإنهاء الحصار على القطاع».
وشدد على أنه لن يكون هناك حل بعيدًا عن هذا الأمر، لأن فكرة التهجير وتفريغ غزة من سكانها لن يتم، وأصبح أمرًا خلف ظهورنا.
خبراء مصريون: آن الأوان ليتحمل الفلسطينيون مسئولية بلادهم
قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس الهيئة الاستشارية للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، المفكر السياسى، إن هناك عدة سيناريوهات مطروحة حول مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب، منها عودة السلطة الفلسطينية، أو أن يكون القطاع تحت سيطرة أمريكية أوروبية، أو سيطرة الأمم المتحدة عبر وجود قوات دولية.
وأضاف «سعيد»، لـ«الدستور»، أن أفضل هذه السيناريوهات هو عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة مرة أخرى لتصحيح أخطاء حماس.
وأشار إلى أن السلطة تمثل منظمة التحرير الفلسطينية، التى هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى، مؤكدًا أنه يمكن أن تقوم الدول العربية بدعم السلطة الوطنية خلال فترة انتقالية فى قطاع غزة.
وأكد رئيس الهيئة الاستشارية للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أن مصر لا تتدخل فى الأمور الداخلية لدول أخرى، لافتًا إلى أنه آن الأوان أن يتحمل الفلسطينيون مسئولية بلادهم.
من جهته، ذكر السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية السابق، أن مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب قد يمر بمرحلتين، الأولى المرحلة الانتقالية التى ستعقب انتهاء الحرب، والثانية عند الوصول إلى تسوية سياسية لإقامة الدولة الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأوضح «هريدى»: «المرحلة الأولى هى المرحلة الانتقالية.. ولا بد من أن تكون لها ترتيبات خاصة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع حركات المقاومة فى قطاع غزة والأمم المتحدة ومصر، وهى مرحلة تفاوض وتبادل أفكار، لكن لا يوجد تصور نهائى عما سيحدث فى غزة بعد انتهاء الحرب».
وأشار إلى أنه من الممكن أن تكون إدارة غزة بعد انتهاء الحرب إدارة محلية مع وجود قوات حفظ سلام وقوات طوارئ دولية، ولكن بعد موافقة حركات المقاومة، حتى لا يُنظر إلى القوات الدولية كقوات احتلال، وبالتالى يطلقون عليها النيران.
ولفت إلى أن هناك محادثات استكشافية تدور حول الوضع فى غزة بعد انتهاء الحرب، ويجرى طرح السؤال المنطقى: إذا كانت حماس لن تدير القطاع فمن سيفعل؟ تجرى مناقشة تلك الأمور مع السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية والأمم المتحدة، وكذلك إسرائيل ستكون فى الصورة، ولكن لم تتم البلورة النهائية للوضع فى غزة بعد انتهاء الحرب.