«البر التاني»
شعور مؤلم يصيب الإنسان عندما يشعر بالتخلي عنه أو عدم الوفاء بالوعود المعطاة، شعور يمكن أن ينتاب الشخص في العديد من المجالات، سواء كانت العلاقات الشخصية، أو العمل، أو حتى الصداقات.. إنه الخذلان.
يمكن أن يكون الخذلان نتيجة لتصرفات الآخرين، مثل تجاهلهم لاحتياجاتك أو عدم تقديرك، ويمكن أن يحدث أيضًا عندما يخونك شخص تثق به أو يخلف وعوده، ليترك أثرًا قويًا، حيث يشعر الشخص بالحزن والغضب والإحباط والتوهان.
شعور صعب أن يبقى المرء صامدًا، يواصل مهامه اليومية وهو يتألم، يبتسم أمام الناس وفي قلبه سنين من البكاء، يتعامل رغمًا عن رغبته في الهروب والعُزلة، يسند الجميع وهو هش ومُحطم.. يدفعهم للأمل وهو غارق في حزنه.
تفشل العلاقات عندما يتم تقديم أكثر من المستطاع، دون إيجاد أي تقدير لما تفعله، في انتظار بائس لذات الجهد المبذول لتحقيق مرادك ولكن دون جدوى، هنا تبدأ الكرامة في "الوجع"، والاحساس بإهدار الحق، وحينما تشتكي تجد رد فعل "جارح" وغير متوقع، لذا لا تبالغ في العطاء أو العشم، ولا تكون الشخص الأكثر حماسة "علشان متزعلش".
من المهم أن يتبنى الشخص نظرة إيجابية تجاه الذات وألا يلوم نفسه على ما حدث، فالخذلان ليس بالضرورة دليل على قيمة الشخص، بل هو انعكاس لتصرفات الآخرين، وكما قال نجيب محفوظ: «ثم تتحول فجأة لشخص لا يعاتب احد، يتجنب المناقشات التي لا جدوى منها، ينظر للراحلين عنه بهدوء، ويستقبل الصدمات بصمت مريب».
الحياة مليئة بالضغوطات سواء في العمل أو بين الأصدقاء أو في المجتمع، ولكن العلاقة الوحيدة الخالية من أي ضغط هي علاقة العبد بربه، فالكل راحل والله وحده باق، لذا ردد دئما اللهم قربني إليك واغنيني بك.
يجب أن يتعلم الشخص من التجربة وأن يستفيد منها في بناء علاقات صحية وموثوقة في المستقبل، قد يحتاج إلى تحديد حدود واضحة والابتعاد عن الأشخاص الذين قد يسببون له خذلانًا مستقبليًا للوصول إلى السلام النفسي.
ولعل أحد مراحل السلام النفسي أن تكف على "جلد ذاتك"، تؤمن بأنك لست أفضل ولست أسوأ من في الأرض وإن وقوعك في الخطأ أمر وارد وطبيعي، وإن اختياراتك السيئة لا تعني نهاية العالم، إن الخطأ وارد كذلك في تعامل الناس معك، وإن لكل شخص طباعه وأفكاره.
لن تتعشم كثيرًا ولن تضع أمالًا على أحد حتى لا تصاب بـ«الخيبة»، لن تهلك نفسك في تصحيح وجهة نظر أحد عنك أو محاولة التجمل من أجل إرضاء أحد، ستنضج وتعرف إن الفقد والخذلان والخيبات كلها أشياء عادية تحدث للجميع، أنت فقط من تقرر هل ستتجاوز وتواصل الحياة أم ستقف مكتوف الأيدي.
قد تكون مشكلتك الأبدية هي الحساسية الزائدة والعقل المفرط في التفكير الذي لا يستطيع تجاوز المواقف بسهولة، بالإضافة إلى تحليل جميع الكلمات، "عقل يعمل لا يكل"، حتى أثناء النوم قد تأتي الأحلام التي تسعى جاهدا للهروب منها طوال اليوم.
العقل يبني الثقة والآمال على كلمة مودة ويهدمها مع أول كلمة قاسية، ويبقى السؤال «متى يمكن العبور للبر التاني؟» للشعور بالارتياح ولو لدقائق معدودة.