والاستثمارات طوق النجاة
تبذل الدولة جملة جهودًا مضنية، لجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة والأجنبية، من خلال: إفساح المجال للقطاع الخاص، تحسين مناخ الأعمال فى مصر، تسهيل الإجراءات التنظيمية التى تعوق حركة الاستثمارات فى البلاد؛ إيمانًا بأهمية الاستثمارات فى التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية التى تواجهها، والمتمثلة في: ارتفاع معدل التضخم، عدم استقرار سعر الصرف، مع وجود فجوة بين السعر الرسمى ونظيره الموازى، ونقص السيولة الدولارية.
وقد كشف مؤتمر «حكاية وطن»، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى، عن جهود الدولة فى تنمية وتطوير القطاع الصناعى وآليات الارتقاء بالقطاع الصناعى، حيث يساهم قطاع الصناعة بنحو 17% من الناتج المحلى الإجمالى، ويستوعب نحو 15% من جملة العمالة المنتظمة، علاوة على إسهامه فى نشاط التصدير بنسبة تتراوح بين 80: 85% من إجمالى الصادرات السلعية غير البترولية، مما يجعله يتبادل المركز الأول مع تحويلات المصريين بالخارج، فى قائمة المصادر الرئيسية المولِدة للنقد الأجنبى.
وفى ظل هذه الأهمية التى يحتلها القطاع، أولته الدولة اهتمامًا خاصًا، وعمدت، عبر العديد من السياسات والاستراتيجيات، إلى النهوض ببعض الصناعات التى استهدفتها الدولة، وعولت عليها لتحقيق التنمية الصناعية والاقتصادية.
وكانت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، قد أعلنت عن إصدار نحو عشرين رخصة ذهبية، لعدد من المشروعات الاستثمارية المختلفة، والتى تشمل رخص الإنشاءات والحماية المدنية والموافقات البيئية، فى قطاعات: الطاقة الخضراء، اللوجستيات، توليد طاقة رياح، وإنشاء فنادق.. وأعلن إطلاق المنصة الإلكترونية لتأسيس الشركات خلال أيام قليلة، ليكون التعامل مع الهيئة إلكترونيًا، لسرعة الإنجاز والتسهيل على المستثمرين، مؤكدًا حرصه على وضع استراتيجية واضحة، منذ بداية العام الجارى، تكون مُنظِّمة لمجال الاستثمار فى مصر.
وقد أظهرت البيانات الصادرة عن البنك المركزى، ارتفاع صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر إلى مصر، لتصل إلى نحوا 3.3 مليار دولار فى الربع الأول من العام الحالى، مع زيادة الاستثمارات فى القطاع الصناعى وقطاع الخدمات، والقطاع الزراعى، وقطاع الإنشاءات. مما حدا بحجم الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر إلى الارتفاع خلال عام 2022 إلى 11.4 مليار دولار مقابل 5.2 مليارات دولار فى 2021.
ورغم أن البيانات لا تُظهِر بعد نتائج القرارات الأخيرة، إلا أن من شأنها تحفيز جذب وتدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، لا سيّما مع الإعلان عن إصدار عشرين رخصة ذهبية.. وهو ما يتعزز بالنظر إلى أن مصر جاءت فى المركز الأول، فى مؤشر التدفقات الواردة من الاستثمار الأجنبى على مستوى إقليم شمال إفريقيا، بالإضافة إلى احتلالها المرتبة الأولى عربيًا لجهة نمو الاستثمارات الأجنبية، إذ زادت بنسبة 123% عن 2021 لتصل إلى 11.4 مليار دولار، وفقًا لتقرير منظمة «الأونكتاد».
بالإضافة إلى ذلك، احتلت مصر المرتبة الرابعة عشرة، من بين أفضل الأسواق الناشئة الجاذبة والموثوقة فى العالم للاستثمارات الأجنبية، متقدمة على تركيا والمغرب وجنوب إفريقيا.. وقد ارتفعت الصادرات المصرية على مدار السنوات الخمس الماضية بنسبة 16% فى المتوسط، وكذلك الصادرات السلعية غير النفطية بدرجة كبيرة.. ففى العام الماضى، تم تحقيق 35 مليار جنيه من الصادرات السلعية غير النفطية، وبعد إضافة صادرات النفط، تجاوزت نحو 52 مليار جنيه.
من المهم هنا التأكيد على أن ذلك لم يكن ليحدث، لولا حرص الدولة على اتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات جادة وحاسمة؛ لتحقيق طفرة حقيقية فى عملية جذب وتشجيع وتعزيز الاستثمار المحلى والأجنبى، والقضاء على العقبات البيروقراطية، وتذليل مختلف التحديات التى تواجه زيادة استثمارات القطاع الخاص؛ بهدف بناء قاعدة إنتاجية متنوعة، وتحقيق تطور اقتصادى شامل.
وأوضحت دراسة حديثة، صادرة عن المرصد المصرى التابع للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أبرز جهود الدولة لجذب الاستثمارات فى مصر، من خلال موافقة المجلس الأعلى للاستثمار على 22 قرارًا مهمًا فى مختلف القطاعات والمجالات الاقتصادية؛ تستهدف تحقيق نقلة نوعية فى خفض تكلفة تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة على التأسيس، ومن الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها، وكذا تسهيل تملك الأراضى، والتوسع فى إصدار الرخصة الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسى فى السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، وتحفيز الاستثمار المحلى والأجنبى، وتوسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية.
ومنها أيضًا، موافقة مجلس النواب نهائيًا، على مشروع قانون مُقدَّم من الحكومة، بتعديل بعض أحكام قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017، لتوسيع نطاق الاستفادة من حوافز الاستثمار العامة المُتَضمَّنة بالقانون، بحيث تتمتع بها الشركات التى تم تأسيسها قبل العمل بهذا القانون.
وتم مد الفترة التى يجب أن تُؤسَّس خلالها الشركات أو المنشآت الجديدة، حتى تتمتع بالحوافز الخاصة الواردة بقانون الاستثمار، لمدة تصل إلى تسع سنوات.. كما وافق المجلس نهائيًا على مشروع قانون مُقدَّم من الحكومة، بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة فى الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية؛ لتحسين مناخ الاستثمار والعمل على تشجيعه، عن طريق كفالة فرص عادلة لجميع الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية فى المعاملات المالية المنظمة لتلك الأنشطة، ودعم اقتصاديات السوق الحر، وخلق بيئة استثمارية تنافسية، تشجع المستثمرين على ضخ مزيد من الاستثمارات، مما يساعد على نهوض الاقتصاد القومى وتحسين مؤشراته.
هذا، وقد أعلنت الدولة عن استكمال برنامج الطروحات الحكومية من خلال تخارج الدولة من الشركات المملوكة للقطاع العام والقوات المسلحة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص، وتطوير العمل بمراكز خدمات المستثمرين وميكنة خدماتها، والتوسع فى إنشاء مراكز خدمة المستثمرين بالمحافظات، ليصل عددها إلى خمسة عشر مركزًا.
وكذلك الإعلان عن منح الرخصة الذهبية لبعض المشروعات فى بعض المجالات الرائدة، كالهيدروجين الأخضر وصناعة المركبات الكهربائية والبنية التحتية، ثم تم الإعلان عن منحها لكل المشروعات لمدة ثلاثة أشهر.. جنبًا إلى جنب تطوير منظومة الحصول على الأراضى للمشروعات الصناعية، من خلال التحول إلى نظام حق الانتفاع فى الأراضى الصناعية، وتسعير الأراضى وفقًا لقيمة المرافق، بالإضافة إلى تحسين مناخ التنافسية، وتيسير إجراءات إصدار التراخيص والموافقات.
ولم تأل وزارة الاستثمار والتعاون الدولى جُهدًا فى إعلان «خريطة مصر الاستثمارية»، التى تم تدشينها خلال زيارة الرئيس السيسى لمركز خدمات المستثمرين فى فبراير 2018، بحيث تضم نحو ألف فرصة استثمارية جاهزة للاستثمار فى مختلف المحافظات، وترتبط بعدد كبير من المواقع الحكومية.. ويحتوى موقع الخريطة على ثلاثة عشر دراسة قطاعية تشرح مميزات الاستثمار.. هذه الخريطة التى جاءت مدعومة بالعديد من القرارات التى تصب فى مصلحة المستثمر، ومنها، إلغاء حد تملك المستثمر الأجنبى للعقارات أو الوحدات السكنية، بعد أن كان الحد الأقصى وحدتين فقط.. إطلاق مبادرة «القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية» بقيمة 160 مليار جنيه، حيث تم إعفاء عشرين قطاعًا ونشاطًا صناعيًا من الضريبة العقارية لمدة ثلاث سنوات، بحيث تتحمل الدولة تلك الضريبة لتخفيف العبء عن كاهل القطاع الصناعى.
كذلك إطلاق مبادرة «ابدأ» لدعم وتوطين الصناعات الوطنية، للاعتماد على المنتج المحلى وتقليل الواردات، من خلال تعزيز دور القطاع الخاص الوطنى فى توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى مصر، مع تقديم عدد من الحوافز فى صورة أراضى بحق الانتفاع وإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى تقديم أوجه الدعم اللازم لتقنين الأوضاع للمخالفين، وتقديم الدعم الفنى والمادى اللازم للمتعثرين.
وكان طبيعيًا، والحال هكذا، أن يرتفع معدل التوظيف والتشغيل، وتتراجع معدلات البطالة، التى سجلت نحو 7.1% خلال الربع الأول من العام الحالى، مقارنة بنحو 7.2% فى الربع السابق، وارتفعت قوة العمل فى مصر بنسبة 0.7% خلال نفس الفترة.. وخلاصة القول هنا إن أى إجراءات تتخذها الدولة فى سبيل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، تأتى بثمارٍ واضحة تتمثل فى زيادة حجم الاستثمارات الوافدة للاقتصاد الوطنى، وهو ما يؤثر إيجابيًا على وضع الاحتياطى النقدى وسعر الصرف ومعدلات التوظيف، فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد، منذ انتشار جائحة كورونا وحتى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وما يحدث حولنا الآن فى غزة والسودان.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.