الاقتصاد المصرى ومواجهة التحديات
لم يكن الملف الاقتصادى غائبًا عن طاولة القيادة السياسية فى مصر على الرغم من تلك الظروف والضغوط الخارجية التى تتعرض لها البلاد وكذلك الأوضاع الاقتصادية وظاهرة ارتفاع الأسعار المبالغ فيها والتى كان لها التأثير السلبى على عموم الشعب فى الآونة الأخيرة.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسى حريصًا كل الحرص فى أن يوجه رسائل اطمئنان للعالم وللمستثمرين ورجال الأعمال أنه على الرغم مما تشاهده المنطقة حاليًا من اضطرابات وحروب إبادة تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطينى إلا أن الساحة الاقتصادية والاستثمارية فى مصر لم تتأثر بذلك حيث إنه نجح إلى حد كبير فى الفصل التام بين ما يحدث فى قطاع غزة وبين الداخل المصرى.
بل إن الموقف المصرى الداعم والثابت والقوى تجاه القضية الفلسطينية والتمسك بثوابت ما التزم به الرئيس فى أن معبر رفح البرى لن يتم السماح بعبور أى شخص منه إلا بعد السماح بدخول مواد الإغاثة والمساعدات الطبية إلى القطاع- عكس صورة إيجابية على مصداقية النظام فى مصر والتزامه بأى قرارات أو تعهدات أو اتفاقات دولية أو اقتصادية وهذا بلا شك إحدى دعائم خلق الثقة بين المستثمر مع الدولة التى يرغب فى التعامل معها والاستثمار فيها.
لم تكن الأزمة الإسرائيلية - الفلسطينية هى أولى الأزمات التى تشهدها مصر مؤخرًا بل كان قد سبقها تلك الأزمات الاقتصادية الأخرى الناتجة عن الحرب الروسية – الأوكرانية ومع ذلك ورغم كل هذه الضغوط جاء اختيار مصر عضوًا دائمًا فى عضوية مجموعة «بريكس» اعتبارًا من يناير 2024 كاعتراف ضمنى من كبرى الدول داخل تلك المجموعة بقوة مصر اقتصاديًا وسياسيًا وبما تملكه من مقومات تنموية شاملة، بالإضافة الى ثقل تواجدها على الساحة الإفريقية والعربية وهو ما سوف يؤدى إلى تيسير حركات التجارة البينية بين مصر ودول الصين والهند وروسيا باعتبارها دولًا صناعية كبرى وتربطها بمصر علاقات اقتصادية قوية وحجم تجارى معتبر بعيدًا عن الدولار وأزماته مستخدمة فى ذلك صيغة نقدية مناسبة بينهم.
ومن المؤكد أن انضمام مصر لهذه المجموعة التى تمثل ثقلًا اقتصاديًا وسياسيًا عالميًا لا يستهان به يعد تأكيدًا على متانة العلاقات المصرية مع دول هذا التكتل.. بالإضافة الى مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهو ما سوف يساعد فى الترويج والاهتمام بعرض وتبنى الإصلاحات الاقتصادية التى شهدتها مصر من الناحية الاقتصادية والاستثمارية فى السنوات الأخيرة وتعّول على أن ترفع من فرص مصر فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ولعل ذلك يعتبر أبلغ رد على المشككين فى الخطوات المستمرة والجهد الدءوب لتعديل وتقويم المسار الاقتصادى الذى تعرض للعديد من المصاعب نتيجة السنوات العجاف التى مرت على بلادنا إلا أن القيادة المصرية الحكيمة استطاعت تفعيل وتعديل المسار الاقتصادى من أجل الحفاظ على الاستمرارية فى الريادة كما كانت مصر دائمًا.
لقد سعت مصر إلى تهيئة مناخ الاستثمار فى الدولة عن طريق اتخاذ الكثير من الإجراءات والقرارات التى تهدف إلى القضاء على معوقات الاستثمار من خلال تيسير وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين، وتذليل العديد من المعوقات عبر الإصلاحات التشريعية والمؤسسية علاوة على إقامة البنية الأساسية اللازمة له، وهو ما وجد صداه فى تعزيز مكانة مصر ومركزها كوجهة استثمارية جاذبة على المستوى الإفريقى والعربى وتحسين نظرة المؤسسات الدولية لجهود مصر فى ملف الاستثمار.
يأتى هذا فى الوقت الذى اتخذت فيه الدولة المصرية عدة إجراءات كان الهدف منها العمل على تقليل الاستيراد والحد منه دون المساس بالنشاط الإنتاجى والتأثير على استيراد مستلزمات الإنتاج، حيث تضع الدولة على رأس أولوياتها فى السنوات الأخيرة العمل على توطين الصناعة وإحياء الصناعات المصرية والتوجيه بمزيد من التوسع فى تلك الجهود خاصة فى مجال الصناعات الثقيلة، وذلك فى إطار استراتيجية التوطين المحلى لصناعة مستلزمات الإنتاج كهدف استراتيجى وفقًا لمعايير الجودة العالمية.. كل هذا يأتى لتحقيق الهدف الأسمى المعلن عنه وهو العمل على تصدير صناعات ومنتجات صناعية مصرية بمقدار 100 مليار دولار
وفى هذا الإطار أعلنت الحكومة فى مايو 2022 عن وثيقة سياسة ملكية الدولة ومن خلالها تم وضع خريطة الأنشطة الاقتصادية التى سوف تقوم بها الدولة خلال العشر سنوات القادمة، لتشجيع القطاع الخاص على الانخراط فى النشاط الاقتصادى للدولة وخاصة المشروعات القومية ومشروعات البنية التحتية، حيث إن المستهدف هنا أن يصل نصيب القطاع الخاص إلى نحو 65% من إجمالى الاستثمارات المنفذة فى غضون أربعة سنوات وذلك بدلًا من حصته الحالية التى تبلغ 3% فقط.
وبنظرة سريعة للإنجازات التى تحققت مؤخرًا نتيجة الجهود التى تبذلها الحكومة المصرية، سوف نجد نموًا فى رصيد الاحتياطى الأجنبي ليصل إلى 34.5 مليار دولار فى الربع الأول من العام الحالى، كما بلغ صافى الاستثمار المباشر أعلى مستوى له منذ 5 سنوات، حيث حقق معدل نمو 74.5% مسجلًا حوالى 8.9 مليار دولار.. بينما ارتفعت عائدات قطاع السياحة لتصل إلى حوالى 11 مليار دولار، وكذلك ارتفعت إيرادات قناة السويس بنسبة تصل إلى 17.8% لتحقق حوالى 4.5 مليار دولار فى النصف الأول من العام الحالى، وهو ما يؤكد حدوث تحسن كبير فى معظم وأهم بنود الاقتصاد المصرى رغم كل الظروف الاقتصادية غير المواتية التى تمر بها المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص.. وهكذا سوف تظل مصر باقتصادها المتماسك فى مواجهة التحديات العالمية لديها القدرة على التعامل مع الأزمات وأيضًا فى تنويع مصادر التمويل لجذب مستثمرين جدد وهو ما سوف نشاهده خلال الأيام القادمة بإذن الله.. وتحيا مصر.