عايز تاكل.. كل من قمحك
دخلنا على شهر تقريبًا وما زال العدو الصهيونى يواصل قصف البيوت والنساء والأطفال فى غزة.. وما زال المتعاطفون والحالمون بانتصار العدل والحق يبحثون عن بديل لحربهم المستحيل.. ما زلنا نبحث عن أضعف الإيمان.
حسنًا فعلت الحرب عندما وحدت المصريين وكثيرًا من أبناء العالم العربى تحت مظلة المقاطعة.. وهو سير عكس التيار ولم يتخيله الصهاينة وتوابعهم.. لقد مرت عمليات التطبيع بمنحنيات عدة لكنها فى السنوات الأخيرة مضت إلى ما هو أبعد مما كان يحلم به آل صهيون.. وظنوا أن القصة انتهت.. وأنهم سينامون فى فراش أبناء العم من المحيط إلى الخليج.. بعد السابع من أكتوبر تبخرت كل هذه الأحاديث.. وحل حديث المقاطعة فارضًا نفسه على كل حوارات أهلنا فى مصر.. وامتدت المقاطعة لكل ما هو صهيونى ولكل داعمى الحرب على غزة وأهلها.
بدا الأمر فى أوله مجرد طق حنك وحيلة يتمسك بها العاجزون عن دعم حقيقى يستحقه أهل فلسطين.. لكن هؤلاء الذين يستهونون بالفكرة ويقللون من أمرها لا يدركون كم بذل المحتل وقادته من سنوات ومال حتى يقبله الجسد العربى ويقبل التعامل معه كأمر واقع.. لقد وصل بنا الأمر إلى السخرية من أمل دنقل ودعوته الشهيرة لا تصالح.. وربما يذكرنا مشهد شرب الحشيش فى فيلم عادل إمام «السفارة فى العمارة» بموقف أولئك الذين استسلموا يأسًا وراهنوا على أن الجيل الجديد تافه وسطحى ولا علاقة له بأرض أو عرض، وأن الحوار عن رفض التطبيع أصبح موضة قديمة بين أبناء هذا الجيل فى مصر وغيرها من البلدان العربية.. لتحدث المفارقة ويقود هذا الجيل نفسه حملات المقاطعة لكل ما هو صهيونى وأمريكى.
البعض ممن شكك فى جدوى مقاطعة منتجات الدول الداعمة للحرب على غزة يتوارى صوته الآن ويخفت أمام إعلان كثير من هذه الشركات عن تبرؤها من الشركات الأم والادعاء بأنها مجرد وكلاء اشترت حق امتياز استعمال الاسم التجارى، وبالمرة تلوح بأنها تقوم بتشغيل آلاف المصريين الذين سيتضررون من هذه المقاطعة.. ونست الإشارة إلى أنها ربما لا تستطيع دفع ما عليها من ضرائب.. هؤلاء الذين لا يفكرون سوى فى أموالهم لماذا لا يفكرون فى صنع براند مصرى.. إذا كان، كما يدعون، كل عملهم وعمالهم ومنتجاتهم مصرية خالصة.. لماذا لا يحرمون الشركات الأم من أموالها؟
سقطت حجة هؤلاء.. مثلما سقطت حجة عدم جدوى المقاطعة.. وراجت فى الشارع المصرى دعوات شراء المنتج الوطنى.. وهذا ما نحتاجه من الأصل.. ربما تكون الحرب فرصة لدعم صناعتنا وإعادة شركات وطنية توارت وكاد إنتاجها يختفى إلى مقدمة المشهد مره أخرى.. وأتصور أن الأمر سهل وغير مكلف.
لقد لاحظنا أن معظم هذه المنتجات تتعلق بالأكل والشرب والمساحيق وأدوات التجميل.. واكتشفنا أنها سوق كبيرة وبالمليارات.. شركات المياه الغازية فقط يقول البعض إن ثلاثًا منها خسرت ثلاثة مليارات من الجنيهات.. فماذا عن باقى الشركات وما كسبته فى كل تلك الأعوام التى مضت؟.. إننا فى حاجة ماسة لاستغلال الفرصة لتسويق أسماء شركاتنا الوطنية ومنتجاتنا.. والجميل أن أطفالنا هم من يفعلون ذلك الآن بوسائل عصرهم الأسرع والأكثر تأثيرًا.
لقد أعادتنا حرب غزة إلى أنفسنا.. ودلت أبناءنا على طريقهم الصحيح.. أنارت الظلمات وكشفت اللثام عن مخططات صهيونية وغربية تُحاك لنا منذ سنوات.. أعادت عقل أمتنا إلى رشده.. إلى أصل الحكاية.. نحن فى مصر أصل الحكاية.. أولها وآخرها. غنى على الحجار فى عام تدمير العراق داعيًا من كلمات جمال بخيت إلى لم الشمل العربى.. وفى سياق دعوته أشار إلى ضرورة أن نزرع أرضنا وأن نأكل من قمحنا وأن نعزف موسيقانا.. اليوم وبعد كل هذه السنوات وفى سياق أزمة عربية جديدة.. تعود الدعوة إلى ذلك مجددًا.. لا لم لشمل العرب مع تقاطعات المصالح الخاصة.. لكن دعوته بأن نأكل من قمحنا لتظل روحنا فى يدنا ويظل قرارنا من رأسنا.. تظل دعوة صالحة للنفاذ والتداول... عايز تاكل.. كل من قمحك.. وليذهب آل صهيون وشركات داعميهم ومنتجاتهم إلى الجحيم.