«الفيزياء» للمبتدئين.. والحرب فى غزة
«لكل فعل رد فعل، مساوٍ له فى المقدار ومضاد فى الاتجاه»، أحد قوانين الفيزياء البسيطة التى كانوا يدرسونها لنا فى بدايات حياتنا، وفى المدارس الابتدائية، وهى العبارة التى تصلح فى تصورى كأحد القوانين الأساسية للحياة كلها، فإلى جانب معناها الفيزيائى المباشر، كنا كتلاميذ نفهم منها أن أى فعل نقوم به، لا بد له من عواقب، أو «فاتورة» يجب دفعها، وأن الدنيا لن تمضى بنا هكذا «جهجهونى» بلا حساب.
ولأن الطفل الصغير، تلميذ الابتدائى، يعرف أن لديه أبًا، أو «كبيرًا» مسئولًا عنه وعن حمايته، وهو من يدفع فاتورة تصرفه أيًا كان، فأحيانًا ما يتصرف باندفاع، أو تهور، وبدون تفكير فى عواقب، فهو مطمئن إلى أن هناك «كبيرًا» سوف يتصرف ويحميه، أو يتدخل فى الوقت المناسب، ويحل الأمور بطريقته.. هذا مفهوم فى حالات الطفولة، والمراهقة، وطيش واندفاع الشباب.. ولكن، إذا ما كبر ذلك الطفل، وصار شابًا يافعًا قويًا يُفترض فيه العقل، واختار بكامل إرادته الانضواء تحت راية تنظيم يرفع شعار «وأعدوا»، المأخوذ من قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، ثم قرر الاستقلال عن أحد والديه، والعمل منفردًا، والتصدى لمسئولية إدارة حياة نحو مليونى روح، فهو من يقوم فى حياتهم بدور «الأب»، أو السلطة الحاكمة المسئولة عن حمايتهم، و«التصرف» حينما «يتهور» أو يندفع الأفراد- فالمتوقع منه «على أقل تقدير» أن يكون على دراية بأمور الحكم، والمتوقع منه «على أقل تقدير» أن تكون لديه دراية بفنون السياسة، وإدارة الصراع، أو «على أقل تقدير» القدرة على دفع الفواتير، وحماية «أبنائه» أو «رعاياه» الذين يتولى حكمهم، وإدارة شئون حياتهم.. خصوصًا أنه ليس صراعًا مفروضًا عليه، هو من اختار «الخروج على الأب»، ومنافسته فى الانتخابات، ثم الاستقلال بقطاع يعيش فيه أطفال ونساء وشيوخ وشبان.. هنا ينبغى السؤال، سؤاله هو شخصيًا.. هل استعددت لرد الفعل «المضاد فى الاتجاه والمساوى فى المقدار»! قانون الفيزياء البسيط الذى يحفظه تلاميذ المدارس؟! أم كنت تتوقع أن الحياة سوف تسير هكذا «جهجهونى»، بلا رد فعل، وبلا انتقام؟! فماذا أعددت لحماية هذه الأرواح، وتجنيبها مخاطر «رد الفعل» الانتقامى المتوقع؟! وأغلب الظن أنك تعرف عدوك، وتعرف أنه لن يسكت، وتعرف أنك إذا صفعته على خده الأيمن، فلن يصعر لك خده الأيسر، سيرد بقسوة، وعنف، وربما يفجر فى خصومته.. كيف إذن كان استعدادك؟! ماذا أعددت طوال سنوات كنت «وما زلت» فيها الحاكم والسلطة التنفيذية؟! كم من المخابئ تم بناؤها لحماية المدنيين؟! هل تم بناء مخابئ من الأصل، أم أنك نسيتها، ونسيت معها احتمالات الدخول فى حرب قد تطول؟! أين ذهبت أموال إعادة الإعمار التى شاركت فيها غالبية الدول العربية طوال سنوات سابقة؟! وكيف تم إنفاقها إن كان الواقع أن الجميع الآن فى العراء، بلا ساتر ولا مكان يلجأون إليه وسط القصف؟! هل تعرف المقصود من الآية التى تسير وراء رايتها «وأعدوا»؟! أم أنك تراه مجرد شعار تحتمى به! ولا تعرف ترجمته إلى واقع؟ كلمات تكتبها لاستمالة الأصوات وقت الانتخاب، ولا تعرف عنها شيئًا وقت الجد؟! ولهذا اكتفيت بالتخطيط والتدريب على الاقتحام.. وليكن بعد ذلك ما يكون، مطمئنًا إلى أن «الكبير الحقيقى» سوف يتدخل فى الوقت المناسب، ويحل الأمور بطريقته؟!
لا أريد التقليل من شأن ما حدث فى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، ولا المزايدة على أحد، وإن كنت أعرف أن جيوشًا من المزايدين، ومحترفى «الكلام» لن يتحركوا بعيدًا عن العنوان، قبل أن يبدأوا فى حديث التخوين، والتقليل، ورمى البلا.. لكننى لا أهتم بهؤلاء، ولن أدخل معهم فى جدل.. لكننى هنا، «وهذا رأيى الشخصى الذى لا يعبر عن أى أحد سواى»، أريد الاطمئنان على حياة إخواننا فى غزة، وفى كل المدن الفلسطينية، بمن فيهم «عرب ٤٨» الذين تحصد أرواحهم الآن آلات القتل الجهنمية من الجانبين.. هو مجرد سؤال بسيط: كيف استعد قادة «حركة حماس» للحرب التى لا بد أنهم كانوا يتوقعونها؟! ماذا «أعدوا» لحماية الفلسطينيين الذين سلموهم زمام القيادة، واطمأنوا إلى «حسن دينهم» وحسن إدارتهم؟! هل تمت استشارتهم قبل إعلان الحرب وإشعال فتيلها؟! وهل يمكن اعتبار ما قاله وزير الخارجية الإيرانى قبل عشرة أيام من أنه إن لم يتوقف قصف المدنيين العزل فى غزة «خلال ساعات» فسوف يكون الوقت قد تأخر كثيرًا مجرد دعاية؟!.. واليوم، بعد أن مضى كل هذا الوقت على ذلك التصريح المباشر والمحدد، وبعد أن تجاوزت المهلة الساعات بساعات وساعات، وأيام.. ماذا حدث؟!
طيب.. العالم كله يعرف أن «الكبير الحقيقى» فى هذه المنطقة هو مصر.. فهل يتوقع المنضوون تحت راية تنظيم إرهابى يعاديها أن تحارب بديلًا عنهم؟! أغلب الظن أنهم لا يتوقعون ذلك، ولا يجرؤون على الحديث عنه، وإن كانت «مصر» الكبيرة دائمًا وأبدًا لا تتردد فى فعل كل ما باستطاعتها لحماية الأرواح البريئة فى كل المدن العربية، فى ليبيا وفلسطين والسودان واليمن.
عندما انهزم عبدالناصر «الذى يكرهه الإخوان وتوابعهم» فى ١٩٦٧، كان من الشجاعة أن يعلن تحمله المسئولية كاملة عما حدث، وكان لديه من الجرأة أن يعلن تنحيه عن الحكم، وعودته إلى صفوف الجماهير، فهل تجرؤ «حماس» على إعلان عودتها إلى صفوف «المقاومة»، كحركة مقاومة للاحتلال، والتنازل عن «سلطة الحكم»، وتحمل مسئوليتها عن الأرواح التى يتم إزهاقها صباح مساء، فيسهل التعامل معها «كشاب عاق أو مشاغب»، يتدخل «الكبير» لاحتواء ما يفعله من تصرفات، ولو كانت غير محسوبة؟!
ودون دخول فى تفاصيل خروج الجماهير المصرية لاستعادة عبدالناصر، وهو الخروج الذى يراه «الإخوان» ومن لف لفهم «مسرحية» مدبرة، وأراه رغبة شعبية حقيقية، فلماذا لا تفعلها «حماس»، وتعلن تنحيها عن الحكم والسلطة فى القطاع، لنرى إن كان شعب غزة يريدهم حكامًا أم لا، وإن كانوا يوافقون على التضحية بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم مقابل استمرارهم فى السلطة؟!
وأغلب ظنى أنه بدلًا من التقليل مما صرح به الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن قبل أيام، فالأجدر بإخواننا فى الأراضى المحتلة الالتفاف حوله، ولو كحل مؤقت لوقف آلة القتل المجرمة التى أشعلت «حماس» فتيلها.. ولا تريد الاعتراف بمسئوليتها عما يحدث لأهالينا فى الأراضى المحتلة بسببها.