باحثان فرنسيان يرصدان ازدواجية معايير المنظمات الدولية تجاه القضية الفلسطينية
ازدواجية المعايير، التي تتعامل بها المنظمات الدولية تجاه القضية الفلسطينية، من أبرز القضايا التي يرصدها كتاب "عنف وسياسة في الشرق الأوسط".. من سايكس بيكو إلى الربيع العربي، للباحثين الفرنسيين، بيير بلان، وجان بول شانيولو، وصدر في نسخته العربية عن دار روافد، بترجمة محمد عبدالفتاح السباعي.
اتفاقية جنيف مثل صارخ على ازدواجية المعايير
يرصد مؤلفا الكتاب، ازدواجية المعايير، التي تتعامل بها المنظمات الدولية تجاه الدول العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، واتباع سياسة الكيل بمكيالين، فبينما لم يتخذ أي من هذه المنظمات موقفا واحدا حياديا وصريحا تجاه الاحتلال الأمريكي والحرب على العراق في العام 2003، نجد أن هذه المنظمات على الجانب الآخر تتساهل مع الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما عاقبت بكل الأشكال العراق وسوريا وإيران.
ويضرب مؤلفا الكتاب مثالا على ازدواجية المعايير، لهذه المنظمات باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وكيف أن هذه الاتفاقية هي إحدى الركائز الأساسية للقانون الإنساني والدولي. وهي ضمن منظومة قانونية تفوق القانون الدولي بالمعني الحرفي للكلمة، حيث إنها لا تطبق إلا في حال تم خرق القانون الدولي.
ويلفت الباحثان إلى أنه بعد اندلاع حرب 1967 مباشرة، تم طرح قابلية تطبيق الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية، بما أن إسرائيل وقعت عليها، ولكن بدعم من قانونيتها، عارضت الدولة العبرية تطبيق الاتفاقية، بحجة أنه لم يكن لدولة ما السيادة على هذه الأرض لحظة الاستيلاء عليها، وفي هذا الطرح استندت تل أبيب إلى أن الأردن ضمت الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب عام 1950، بينما قطاع غزة لم يكن لأحد قبل 1967.
ويوضح الباحثان الفرنسيان: دأبت إسرائيل على تكرار هذا الموقف بانتظام، وكان آخرها في يوليو من عام 2012، من خلال نشر تقرير طلبته حكومة بينامين نتينياهو وصاغه إدموند ليفي، القاضي السابق بالمحكمة الدستورية العليا الإسرائيلية، مستندا على نفس الحجة. حيث خلص إلى أن الأمر ليس احتلالا بالمعنى الذي ذكر به في القانون الدولي، لذا فإنه لا يمكن تطبيق اتفاقية جنيف. وطبقا لذلك، وهو الهدف الذي من أجله أعد التقرير، فإن تقنين بناء المستعمرات لا يوجد له أدني مشكلة، وردت واشنطن على الفور بإعادة تأكيد موقفها الرافض لتقنين المستعمرات ما أوقع حكومة بينامين نتينياهو في حيرة، ولم تعد تعرف ما الذي يمكنها فعله بهذا التقرير الضخم.
ويشدد الباحثان على: هذا التسلسل يثبت ببساطة أن في داخل إسرائيل رفض على نطاق واسع لاتفاقية جنيف الرابعة، وليس فقط في أوساط المناصرين للتوسع في بناء المستعمرات، وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية ترفض تطبيق الاتفاقية على الفلسطينيين، فإنها دائما ما تردد أنها تطبق الأحكام الإنسانية "على سبيل الهبة".
القرار 678 وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين
ويمضي الباحثان الفرنسيان في رصد القرارات التي تعكس ازدواجية المعايير، التي تتعامل بها المنظمات الدولية. فيذكران أن: ردود فعل الأمم المتحدة تجاه حرب الخليج عام 1991، تعد مثالا نموذجيا على ممارسة قاعدة "ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين"، فحينما اعتدى صدام حسين على الكويت تحركت الأمم المتحدة بسرعة بالغة، وتبني مجلس الأمن، خلال أسابيع، سلسلة من القرارات: لإدانة الاجتياح، والتأكيد على البطلان القانوني لقرار ضم صدام حسين للكويت، ثم إعلان حظر وعقوبات على العراق، وأخيرًا توجيه إنذار أخير قبل القرار 678 في 29 نوفمبر 1990.
ويمضي الباحثان: بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لم يكن من المتصور ترك هذا العدوان، على أحد حلفائها ممن يمتلكون احتياطات نفطية ضخمة، يمر مرور الكرام، كما لم يكن متصورًا ترك صدام وحده ليتحكم في هذا المورد الاستراتيجي. وكانت قدرتها على التدخل السياسي في مطلع 1990 بلا حدود.
القرار 242 نصف قرن من المماطلة
مثال آخر على ازدواجية المعايير، يرصدها الكتاب، تلك المتعلقة بالقرار 242، الصادر عن مجلس الأمن في عام 1967، كما أنه أفضل مثال لمرجعية قانونية لا يتوقف عن ذكرها وتجاهلها، والذي يرتكز على: "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي تم احتلالها في المعركة المنتهية مؤخرا" ونسخة بالإنجليزية نصها "انسحاب من الأراضي المحتلة".
إنهاء كل مظاهر الحرب، احترام السيادة، وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة بالمنطقة…"، ولم يذكر القضية الفلسطينية إلا لطلب "تسوية عادلة لقضية اللاجئين". في ذلك الوقت لم تكن القومية الفلسطينية لاعبًا سياسيًا بشكل كامل. ولم يكن هناك من يستطيع التحدث باسمها، حينما حانت لحظة التصويت. استند تفسير الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة على فكرة أن المقصود هو جزء من الأرض، بينما قال السوفيت إن النص يخص الأراضي كافة.
ويشدد الكتاب على أنه: "في وقت لاحق كان ذلك التباعد في تفسير النص سببًا في صراع عربي إسرائيلي. بعد حرب أكتوبر 1973، كان القرار 338 الذي تم تبنيه لإنهاء الأشكال العدائية كافة، كان له نفس غموض مبادئ القرار 242. ونفس الغموض شاب عملية التجهيز للقرار، حيث تم تجنب وضعه تحت الفصل السابع، وهو نفس ما حدث مع كل قرارات مجلس الأمن التي استهدفت إسرائيل".
المصير المتناقض لوضع ذلك القرار موضع التنفيذ، يعكس موازين القوة التي يمكن فهمها حينما نذكر أن إسرائيل في حرب 1967 اجتاحت أراضي 3 دول عربية: سيناء المصرية والجولان السورية وما تبقي من الأراضي الفلسطينية عقب حرب 1948، أي القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. القاهرة ودمشق لم تتوقفا عن المطالبة باسترجاع أراضيهما، وحينما لم يحصلا علي شىء بالمفاوضات أطلقا شرارة حرب 1973.