لحظات لا تُنسى.. شهادات السائقين والمتطوعين بعد تسليم المساعدات لغزة من معبر رفح (ملف)
في صباح يوم 21 أكتوبر 2023، فُتح معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بعد أن ظل مغلقًا لأكثر من أسبوعين بسبب الحرب الدائرة داخل القطاع، دخلت أول قافلة من المساعدات الإنسانية، التي تضم 20 شاحنة تحمل مستلزمات طبية ومياهًا ومواد غذائية، إلى غزة تحت إشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر الفلسطيني.
هذه الخطوة، التي جاءت بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتوصل إلى اتفاق لإرسال المساعدات، كانت بارقة أمل لسكان غزة الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية والمواد الضرورية.
في السطور التالية، نستكشف مشهد دخول المساعدات إلى غزة من خلال شهادات السائقين والعاملين بالمنظمات الإنسانية، الذين تجاوزوا المخاطر والصعاب لإيصال حزمة من الإغاثة إلى المحتاجين.
نسلط الضوء على تفاصيل عملية التفريغ والتوزيع والإشراف على المساعدات، وكذلك على ردود أفعال وآمال سكان غزة، الذين يتطلعون إلى وقف إطلاق النار وفتح المعبر بشكل دائم.
مشاهد الدمار
"لم أصدق فرحتي عندما علمت أنني سأكون أول سائق يدخل غزة بشاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية. كان حلمي أن أساعد إخواني وأهلي في فلسطين، الذين يعيشون تحت الحصار والقصف، لذلك لم أتردد في قبول المهمة من الشركة التي أعمل بها، رغم اعتراض عائلتي وخوفهم على حياتي". هكذا يروي بهاء، السائق الأربعيني، تجربته في عبور معبر رفح البري من الجانب المصري إلى قطاع غزة.
ويضيف بهاء: "لقد انتظرت طويلًا في العريش وأمام المعبر حتى تم فتحه لإدخال المساعدات، كانت كل لحظة تمر ببطء شديد، وكان قلبي يخفق بقوة عندما سمعت صوت الانفجارات داخل غزة، لكنني لم أخف من أجل نفسي، بل من أجل أهل غزة، الذين يحتاجون إلى هذه المساعدات بشدة. وعندما دخلت القطاع وشاهدت وجوه الفلسطينيين المبتسمة والممتنة، شعرت بسعادة لا توصف، كانت لحظة لا تُنسى في حياتي".
بهاء يصف مشهد الدمار الذي شاهده داخل قطاع غزة، قائلًا: "كان منظرًا مؤلمًا جدًا، لم أجد عقارًا واحدًا قائمًا، كل شيء مدمر تمامًا، الشوارع مغطاة بالأنقاض والغبار، الكهرباء والماء مقطوعان، الأطفال والنساء والشيوخ يبحثون عن مأوى وطعام، لقد شعرت بالحزن والغضب على ما يحصل لإخواننا في غزة. لكنني شعرت أيضًا بالإعجاب بصبرهم وصمودهم وإرادتهم في الحياة".
سائق الإيمان
"كانت فرصة عظيمة لي أن أكون من بين السائقين الذين دخلوا غزة بالمساعدات الإنسانية، كان حلم حياتي أن أزور فلسطين، وأن أقدم يد العون لإخواني وأهلي هناك، لذلك، تجاهلت كل مخاوف عائلتي ومشاق الطريق، وقبلت المهمة بكل إرادة وثقة"، بهذه الكلمات يعرب عم محمد، سائق سيارة نقل، عن تجربته في عبور معبر رفح.
ويتابع عم محمد: "لم يكن عندي أي خوف من الدخول إلى غزة، حتى وإن كان هناك خطر على حياتي. فأنا أعتبر نفسي شهيدًا إذا ما حدث لي شيء، ولم أطلب أي مقابل مادي على عملي، فكل ما أردته هو تغطية تكاليف السيارة. فجهودي كلها لوجه الله".
رحلة التضامن
من جانبه، يؤكد المهندس عبدالرحمن حبت، مدير برامج الاحتياجات الأساسية والدعم الاقتصادي بمؤسسة صناع الحياة، التابعة للتحالف الوطني المصري للعمل الأهلي التنموي، أنه تم إدخال 20 شاحنة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري، في صباح يوم 21 أكتوبر 2023.
ويوضح أن من بين هذه الشاحنات شاحنتين تابعتين للتحالف الوطني، و18 شاحنة تابعة للهلال الأحمر المصري. وأوضح أن هذه الشاحنات تحمل مستلزمات طبية ومياهًا ومواد غذائية وصحية، خصوصًا للسيدات والأطفال، مشيرًا إلى أن هذه القافلة هي الأولى من نوعها، وأنه يتوقع إدخال دفعات أخرى خلال الأيام المقبلة.
يروى "حبت" أن السائقين الذين نقلوا المساعدات إلى غزة كانوا فقط من يستطيعون دخول المعبر، وأنهم سلموا المساعدات إلى ممثلي الأمم المتحدة والهلال الأحمر الفلسطيني، ثم عادوا مرة أخرى إلى مصر.
ويقول إن هؤلاء السائقين كانوا يشعرون بالفخر والسعادة لتأديتهم هذه المهمة الإنسانية، رغم كل المخاطر والصعاب التي واجهوها، كما أكد أن بعضهم رفض أخذ أجر على عمله، قائلًا: "إذا حصل لي حاجة، حد يطول يبقى شهيد!".
ردود أفعال أهالي غزة
يصف "حبت" حالة أهالي غزة، قائلًا: "كانوا في قمة السرور والامتنان لرؤية المساعدات التي وصلت إليهم، وكانوا ينتظرون المزيد من الدعم والتضامن من العالم العربي والإسلامي".
ويتابع: "أهالي غزة كانوا يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية والمواد الضرورية، بسبب الحصار الإسرائيلي والحرب الدائرة داخل القطاع، كما أنهم يتطلعون إلى وقف إطلاق النار وفتح المعبر بشكل دائم".
يستكمل "حبت"، وصفه عن مراحل رحلة التضامن مع غزة، قائلًا: "بدأنا بشراء المساعدات من أموالنا قبل الإعلان عن تلقي التبرعات، وجمعنا نحو 8000 صندوق مساعدات خلال أيام بسيطة، بمشاركة المتطوعين من كل المحافظات، حتى الأطفال، ثم انطلقنا من القاهرة إلى العريش في رحلة استغرقت حوالي 10 ساعات، وانضم إلينا آخرون من هناك، ثم مكثنا للاستراحة في العريش لمدة 3 أيام، حتى جاءت إشارة الانطلاق نحو معبر رفح".
ويستطرد: "وفي المعبر، تم ترميم وتمهيد الطريق للشاحنات، وترتيبها وإصدار التصاريح الأمنية لها، وكان هناك ضغط نفسي وشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن المعنويات ارتفعت بزيارة بعض المسئولين والفنانين والبلوجرز، وفي فجر يوم الثلاثاء، تلقينا اتصالًا يأمرنا بالتحرك إلى المعبر".
وأكد أن هذه القافلة لن تكون الأخيرة، وأنه سيستمرون في تقديم المساعدات حتى تتم تلبية كافة الاحتياجات.
موقف مؤثر
يروي "حبت" موقفًا مؤثرًا عن أحد السائقين في القافلة، قائلًا: "كان يرفض أن يضع لافتة القافلة على سيارته، وكان يختلف مع المتطوعين في كل شيء، لكن بعد أن رأى الصورة على السيارة، وشاهد ما نفعله، وشاركنا في الرحلة، تغير تمامًا، وأصبح صديقًا لنا، وبدأ يشارك طعامه معنا، ويغني لفلسطين".
ويختتم: "هذا السائق كان يظن أن رحلته ستكون عادية، مثل أي رحلة أخرى يقوم بها، لكنه اكتشف أن هذه الرحلة كانت مختلفة، وأنها غيرت شيئًا في داخله"، ويقول حبت: "إنه قال لي: "أنا كنت طالع عادي زي ما بطلع كل مرة ومش فارق معايا، بس لما شفت الصورة على العربية واللي إنتوا بتعملوه واللي حصل خلال الأيام اللي فاتت وتعاملكم، حصلت حاجة جوايا غريبة وبقيت مبسوط باللي بعمله، ودلوقتي أنا ممكن أقولك إن دي أحسن سفرية طلعتها وإنها فعلًا غيرت جوايا".
جِهاد تطوعي
"نحن متواجدون ومسافرون ومستعدون للنوم في الشارع، وجميعنا "أمل"، نستمر في السهر طوال الليل للتحضير والاستعداد على أبواب المعبر، ولا يهمنا التعب والإرهاق وقلة الطعام والشراب".. بهذه الكلمات يصف إبراهيم عبدالحميد، أحد المسئولين في مؤسسة صناع الحياة، حالة المتطوعين في قافلة التحالف الوطني للعمل الأهلي، التي تضم 150 شاحنة من المساعدات الإنسانية لأهالي غزة.
ويضيف عبدالحميد أن روح التطوع لديهم تستحق الفخر لكل مصري، فهم يقدمون مساعداتهم هنا أو ينتظرون فتح المعبر هناك، ولا يبخلون بشيء من أجل إخوانهم في فلسطين، مشيرًا إلى أن القافلة انتقلت إلى المعبر في فجر 21 أكتوبر 2023، وأنهم يدعون الله أن يفتحه وتصل المساعدات إلى أهالي غزة، ويؤكد أن تعاطف الشعب المصري طوال الرحلة كان مصدر قوة وتشجيع لهم، وأنهم يشعرون بالمسئولية الكبيرة التي يحملونها.
ورغم كل هذه التضحيات، فإن بعض الأشخاص يترددون ويرسلون رسائل سلبية بشأن عدم فتح المعبر، أو تأخير دخول الشاحنات. لذلك، يقدم عبدالحميد نصائح لهؤلاء، قائلًا: "لا تستسلموا للإحباط أو اليأس، فالأمور بيد الله، ولا تروجوا للشائعات أو المغالطات، فذلك يضر بالقضية، ولا تكفروا على من يختلف معكم في رأي أو منهج، فذلك يفرق بينكم، بل قولوا خيرًا أو اصمتوا، وادعوا لنا ولإخواننا في غزة بالنصر والفرج".
قصة مؤثرة تحت قصف الاحتلال
وفي الختام، يشارك عبدالحميد قصة مؤثرة عن أحد الشباب الفلسطينيين الذين تطوعوا للمساعدة في تجهيز الشاحنات: "سألته عن الوضع في غزة، فأجابني بكلمات صادمة، قال: نحن نقسم العائلات بين بيوتنا، إذا كنت أنا وأخي وزوجتي وأطفالنا في بيت واحد، فأنا أريد أن يذهب أحدهم إلى منطقة أخي، ويأتي أحدهم إلى منطقتي، حتى لو تعرض منزل أحدنا للقصف، فإن أفراد العائلة سيبقون على قيد الحياة"، في تلك اللحظة، شعر عبدالحميد بالأسى والإعجاب معًا، لما يعانونه من مصائب وظلم، وبالإعجاب لما يظهرونه من صبر وإيمان.
لا نهاب الموت
"لا نهاب أي شىء حتى الموت، ولا نريد العودة إلا وهي فارغة".. بهذه الكلمات يعبر علي فتح الله، سائق إحدى الشاحنات التي عبرت إلى قطاع غزة، عن شعوره وزملائه من السائقين الذين نقلوا المساعدات الإنسانية لأهالي غزة.
ويؤكد لـ"الدستور"، أنهم متواجدون هناك منذ 9 أيام، ومستعدون للانتظار حتى يفتح المعبر ويسلمون كل المساعدات التي تضم 150 شاحنة من مؤسسات مختلفة، كما يشعرون بالفخر والمسئولية لتأديتهم هذه المهمة الإنسانية، رغم كل المخاطر والصعاب التي يواجهونها.