محمد فوزي مراسلاً صحفيًا لـ"الكواكب" على البلاج.. كيف بدأت القصة؟
محمد فوزي، أمير البهجة، وصاحب العلامة الفارقة في عالم الموسيقي العربية وصاحب فكرة الاستعانة بأصوات الكورال البشري بديلا عن الموسيقي كما في أغنيته “كلمني.. طمني”.
وفوزي الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من 1966، إثر مرض نادر حار فيه الأطباء، لكنه خلف من وراءه خصيلة فنية موسيقية وسينمائية، غيرت مجري الموسيقي العربية.
محمد فوزي سفير الكواكب إلي البلاجات
ففي عددها 109 والصادر بتاريخ الأول من سبتمبر عام 1953، وتحت عنوان “البلاج والهوي والجمال كما رأيته”، نشرت مجلة الكواكب الفنية، تقريرا صحفيا بقلم الفنان محمد فوزي، قدم فيه تفصيلا لمشاهداته خلال المصيف عن أصدقائه من الفنانين والمطربين وأحوالهم.
ويستهل فوزي تقريره قائلاً: يظهر أن “الكواكب” قد رأت أن الفراغ مفسدة، ولما كانت تخاف علي مستقبلي من مفاسد الفراغ وأنا أستجم في الإسكندرية، فقد كلفتني بأن أكون سفيرها إلي البلاجات".
يبدأ فوزي تقريره عن زيارته لمنزل المطربة ليلي مراد: بأن هذه المطربة الكبيرة تعيش ليومها، فشقتها تزخر دائما بأطيب الطعام، ومائدتها ممتدة دائمًا، حتي لتكاد تصل البلاج. وشقتها في الإسكندرية شقة "راقصة"، فالهواء يدفع بالأثاث والموج يقوم بدور "الكورس"، وأحيانا يقوم بدور "التخت"، ومشست أن أقول أن هذه الشقة كانت للسيدة "تحية كاريوكا" قبل أن تؤول إلي ليلي مراد، فليس غريبا أن يرقص كل ما فيها من أثاث.
ويقف علي الكورنيش أمام منزل ليلي مراد عشاق صوتها، وأخشي أن تتحول هذه المنطقة إلي "سوق عكاظ" لكثرة الزحام.
محمد فوزي يقترح علي “عبد الوهاب” بيع منزله
أما عن زيارته لمنزل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في الإسكندرية، فيقول فوزي، في تقريره الصحفي: "وانتقلت إلي منزل موسيقارنا الكبير محمد عبد الوهاب وقلت له: "لماذا كل هذا المنزل الكبير؟، إنك لا تستفيد منه، ويكفيك هذه الشرفة التي تعيش فيها يومك، ثم تبيع المنزل واحتفظ بالشرفة فقط". فالموسيقار الكبير لا يترك "الفراندة" أبدا، وهكذا يقضي فصل الصيف، وقد تركته يفكر في اقتراحي، ولا يبعد أن تقرأ إعلانا في الصحف عن بيع فيللا أنيقة بدون فراندة.
وبلغني أن صاحب كازينو جليم ــ وهو مواجه لشرفة عبد الوهاب ــ قد قدم شكوي من هذه الشرفة، لأنها منافسة قوية للكازينو. ويتحدث عبد الوهاب عن الصيف ويقول أنه بني شهرته كموسيقار في أشهر الصيف، لهذا كان لهذا الفصل من فصول السنة ذكرياته الحبيبة إلي نفسه، فقد لحن "يا جارة الوادي" في لبنان في الصيف، ولحن "الجندول"، في الصيف، ولحن "عاشق الروح" فوق سطح منزله هذا بجليم في الصيف، وهو لذلك يحب أن "يتعبد" في أشهر الصيف بالجلوس هكذا في شرفة بيته بلا حراك.
ميمي شكيب.. كليوبترا البلاج
ويمضي فوزي في تقريره الصحفي عن مشاهداته لزملاءه الفنانين في المصيف: "عملاً بحرية الصحافة، رأيت أن أنزل إلي البلاجات لأري زملائي النجوم هناك. أن السيدة ميمي شكيب تجلس علي بلاج كليوبترا، وكأنها هي "كليوبترا" بلحمها ودمها، وزوجها سراج منير، قد اتخذ هيئة قواد الرومان، نظرات حادة، جبين مقطب دائما وهو يتناول "البغاشة" التركي بشهية علي رمال الشاطئ.
وعندما نزلت إلي بلاج ستانلي، تذكرت الأيام الخوالي، أيام كنت ولدا عفريتا، مغامرا، وكنت أجلس في هذا البلاج تحت الشمسية لأشاهد ألوانا من الجمال قلما يحظي بها بلاج آخر. وتنهدت متحسرا علي هذه الأيام، وعلي حالة البلاج اليوم، فالجمال مفقود، ويجب أن يعلن عن فقده في الصحف، وأن ترصد جائزة لمن يجده ويرده إلينا. جمال سابحات ستانلي الفاتنات أين هن الآن؟ لعلهن ذوات بعولة، وذوات أطفال، ومع ذلك فقد وسعت رحمة الله كل شئ، فوجدت إحدي الجميلات شاردة بين رمال الشاطئ. سألتها: أتعرفينني؟ فأجابت: طبعا.. محمد فوزي.
محمد فوزي بعيدا عن عيون مديحة يسري
امتلأ قلبي بالفرح، ولكن الفرحة لم تتم ذلك لأنها سألتني علي الفور: أين مديحة؟، يا آلهي، ألا أستطيع أن أحادث جميلة من الجميلات دون أن أسأل عن مديحة؟ أن هذا السؤال يطرق أذني في قسوة،أحس كأن السائل يقول لي "اختفي"
مع ذلك فقد كانت هذه الفتاة جميلة حقا، ورأيت أن أجرب أسلوبي التمثيلي في "دحلبتها" فقلت لها:أنك ستعيشين طويلا يا آنسة"، فقالت: وكيف عرفت؟، فقلت: أنني قارئ كف، وقد لاحظت في كفك أن خط العمر متصل حتي ليكاد يصل إلي رسغ يدك". وسألتني: ماذا أيضا؟، فقلت لها: أعطني كفك. وأعطتني كفها، يد رخصة بضة، وكأنها "باكو" ملبن تركي. وأمسكت بهذا الكف ووقفت أقرأ فيه. قلت لها: ستكونين ملكة، وستصعدين إلي العرش قريبا جدا. وبهتت الفتاة وقالت: "ملكة، ملكة إيه؟"، فقلت: "ملكة جمال، وستتربعين علي العرش خلال أيام. ولكنها أزورت مني وقالت: فال الله ولا فالك يا شيخ. وخطرت لي فكرة، لم لا أبحث عن أجمل فتاة في شواطئ الإسكندرية كلها وأقدمها هدية لقراء الكواكب. وبدأت جولتي في البحث وراء ملكة الجمال.
بلاج قلة القيمة
وينتقل محمد فوزي، إلي بلاج آخر وهو بلاج سيدي بشر، الذي يصفه بأنه: "مهد الأرستقراطية، أنوثة وجمال ودلال، هذا ما كنت أسمعه عن هذا البلاج، ونزلت إليه وأنا متهيب. فوجدت صديقنا وأستاذنا الكبير فكري أباظة. سألني ماذا تفعل هنا؟ قلت: أبحث عن الجمال، فقال: لقد وجدته يا أستاذ محمد فوزي، فسألته: أين يا أستاذ، فقال: أهه قدامك، أنا يا أستاذ فوزي. فقلت: أنني أبحث عن جمال الخلقة والقوام لا عن جمال الروح والقلب. وأشار أستاذي فكري أباظة إلي غادة حسناء وقال: هذه. ونظرت إليها، وعرفت أن أستاذي الكبير يجب أن يسافر إلي الخارج لاتمام علاج عينيه. كانت في الخمسين وترتدي شورت أمريكاني، لبنت في العشرين، وعرفت لماذا يقول الناس عن بلاج سيدي بشر أنه بلاج أرستقراطي، أنه بلاج قلة القيمة، وهل قلة القيمة معناها الأرستقراطية؟ هذا هو السؤال.
بحثت كثيرًا بلا جدوي، وعدت إلي قواعدي في بلاج ستانلي، لأجد فتاة الكف، فقلت لها: بشراك، أنت ملكة الجمال، وقد تحققت فراستي. وهأنذا أنصبك علي عرش الجمال هدية لقراء الكواكب. والآن، هل أنفع مندوبا عن الكواكب، الكلمة الآن للقراء.