الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بذكرى القديسين إيزاك ﭼوج وﭼـان دى بريباف الكاهنين

تحتفل الكنيسة القبطية الكاثوليكية بذكرى القديسين إيزاك ﭼوج وﭼـان دي بريباف، الكاهنين، المرسلين اليسوعيين ورفاقهما (شهداء أمريكا الشمالية)، وبهذه المناسبة طرح الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني نشرة تعرفية قال خلالها إن إيزاك ﭼـوج ولد في 10 يناير 1607م، في "أورليون" بإقليم "لواريه" وسط مملكة فرنسا، لعائلة برجوازية، هو الابن الخامس لها من أصل 8 أبناء، تعلَّم بالمنزل حتى سن العاشرة، بعدها تم إلحاقه بمدرسة تابعة للرهبنة اليسوعية.

رهبنته

عام 1624م، بينما كان إيزاك بعمر السابعة عشرة، التحق بدير الابتداء للرهبنة اليسوعية بمدينة "رُوا" بشمال فرنسا. كان رئيس المبتدئين فيها هو الأب "لوي لالمو"، الذي كان له شقيقان وابن شقيق مرسلون للبشارة في أمريكا الشمالية. تعلَّق قلب إيزاك ﭼـوج بأخبار الإرساليات، شعر أن دعوته هي الإرسال بالكلمة والخدمة.

عام 1626م، قدَّم إيزاك نذوره الأول، وسافر لدراسة الفلسفة بالكلية الملكية بـ"لافليش" شمال غرب فرنسا.

عام 1629م، صار مدرساً للعلوم الإنسانية للبنين بـ"رُوا"، عام 1633م، تم إرسال إيزاك إلى "كولاݘ دي كليرمو" بپاريس لاستكمال دراسة اللاهوت من بعد الفلسفة. وبحلول عام 1636م تمت سيامته الكهنوتية هناك.

كان مُلهموه لهذا الطريق هم أول من ذهبوا للإرسال في أمريكا الشمالية  "الأب إدمو ماسيه" والأب "ﭼـان دي بريباف"، والأب "شارل لالمو". الذين إلتقاهم الأب إيزاك عند عودتهم إلى فرنسا بعد سيامته بأيام قليلة. ولما شاهدوا حماسه للإرسال، قرروا تنبيهه إلى حقائق هامة لا بد أن يدركها قبل سفره معهم.

وجاء من ضمن هذه الحقائق، أن الطريق هناك مفروش بالأشواك فالحياة قاسية، والظروف المعيشية فقيرة بل مُعدمَة، والنزعات القومية للسكّان الأصليين (قبائل الهنود الحمر) لا تفرِّق بين المُبشِّر والمُستعمِر، يملأها العداء للرجل الأبيض حتى إذا كان فقيراً مُسالماً يعيش متضامناً معهم في فقرهم ويخدمهم ويعطيهم سرّ رجاءه وفرحه، والكراهية الشديدة لعلامة الصليب هي لنفس الأسباب فالمسيحية في نظرهم ديانتة الأبيض دون غيره، مع إمكان حدوث خيانة حتى من الأفراد الذين يظهرون ودّهم وإيمانهم بالمسيح و يُبطنون عكس ذلك، التعذيب هو مصير كل من يتم أسره بسبب تبشيره، وغالباً ما تنتهي الرحلة الإرسالية بالقتل، وحصاد كل هذه التضحيات هو عدد محدود من الأنفس التي قبلت المسيح فعلياً.

لكن من الواضح أن كل هذه الأمور المُخيفة، زادت شهوة الأب إيزاك ﭼـوج للإرسال إلى هذه البقعة الخطرة من الأرض، وأن يبذل نفسه هناك من أجل إسعاد وإشباع غيره من السُكّان الأصليين بالخدمة والرسالة على حدّ تعبيره.

صلّى الأب ﭼـوج كثيراً ليتلقّى عوناً من الله لأداء رسالته بمحبة وصبر حتى الموت، ثم ركب السفينة إلى أمريكا الشمالية في المستعمرة الفرنسية والتي كانت تُسمّى وقتها "فرنسا الجديدة" (حالياً إقليم الكبيك بكندا) في 8 إبريل 1636م، ليصل إلى إقليم الكيبك في منطقة "قبائل هيورن" في 2 يوليو من نفس العام. ليتبع رئيس الإرسالية الأب "ﭼـان دي بريباف" مع مجموعة من الرهبان والعلمانيين المنضمين للإرسالية.

وقد كتب الأب ﭼـوج لوالدته بمجرد وصوله يقول: "لا أعتقد أني سأكون سعيداً في حياتي، مثلما أنا الآن وقد وضعت قدمي لأول مرّة في هذا العالم الجديد، وسأصلّي أول قداس فيه".

بعد أقل من شهرين أصيب الأب ﭼـوج بالحُمّى، ثم أصيب عدد من أعضاء الإرسالية بنفس الحمى التي اتضح أنها وباء متكرر يحدث من وقت لأخر في هذه المنطقة ويصيب معظم سكانها. برغم ذلك ألقى كبار قبيلة الهيورن باللوم على "المعاطف السوداء" – كما كانوا يلَقِّبون الرهبان اليسوعيين بسبب ردائهم الأسود – بأنهم سبب إنتشار الوباء، وهدّدوهم بالقتل جميعاً

بحكمة ومحبة استطاع الأب ﭼـان دي بريباف رئيس الإرسالية أن يساعد على التهدئة بين القبائل والإرسالية، وقد حدث هدوء نسبي لمدة عام، وقد ظهر ذلك في التقرير الذي أرسله الأب بريباف لرهبنته بفرنسا قال فيه: " نحن مسموعون بإنتباهٍ وفرح، وهناك من يحب أن يعرف عن إيماننا، بشكل خاص بعد أن تأكدوا أننا لسنا أغنياء ولا تُجّار جلود، وأننا مشغونون فقط بصحتهم الروحية وراحة قلوبهم وخدمتهم روحياً وجسدياً . هي قرية واحدة لم تدعونا بعد للإستضافة والتعارف".

عاش الأب ﭼـوج لسنوات في قرية "إيهونوتيريا"، وتعلم لغة قبائل الهيورن، وتكيَّف هو وباقي أعضاء الإرسالية على تقاليد القبائل، وبعض سلوكهم الهمجي في استقبال الغريب، حتى في تناول الطعام. وقد كان عُذر فقرهم وقلّة ثقتهم في الآخر مقبول. بالتدريج بدأ الأهالي يثقون في الأب ﭼـوج، إلا أن بعض الأهالي ممن يوالون المستعمرات الألمانية في الجنوب، ويتلقون منهم منافع بدأوا في تحريض أهالي قرية إيهونوتيريا ضد الإرسالية اليسوعية لكون أعضائها جميعهم فرنسيون، لكنهم أظهروا أسباب أخرى للتهييج وهي ان الإرساليات اليسوعية كلها لا تهدف إلا للخراب، وهذا ما ينطلقون من أجله تاركين بلدانهم في أوروبا.

انتقل بعدها الأب ﭼـوج مع راهب آخر من أعضاء الإرسالية يُدعي "ﭼـان جارنييه" إلى قرية "بيتون" المشهورة بالتبغ كمحصول أول فيها، وقد سبقتهم إلى هناك نفس الشائعات التي تسببت في إنتقالهم من إيهونوتيريا، فلم يكن مُرحَّباً بهم في القرية بيتون، ظلّا يتنقلان من قرية لأخرى مدّة شهرين دون ترحيب بل إزداد الأمر سوءاً بضربهم وإهانتهم حيث وًجِدوا، وقتل كل من يتعاون معهم أو يقوم بنقلهم في قاربه من السكان الأصليين، وهنا شعرا ﭼـوج وجارنييه بأنهما لن يستطيعا إستكمال ما بدأه من بشارة، برغم من بعض الحصاد القليل من الأنفس المؤمنة وبناء كنيسة خشبية صغيرة في إحدى القرى. إلا أن رئيس الإرسالية الجديد "الأب ݘـيروم لالمو" عهد للأب ﭼـوج ببناء كابيلا سانت ماري.

في سبتمبر 1641م، ذهبا الأب ﭼـوج والأب "شارل ريمبو" اليسوعي إلى قرية حدودية تسمى "أوربويه" وهناك لقيا بعض الترحيب.

في 3 أغسطس 1642م، عند عودة الأب ﭼـوج، والمُبَشِّر العلماني "جيوم كوتير" والمُكَرَّس العلماني (أخ الرهبنة اليسوعية) حديث السن "رينيه جوپيل" ومجموعة من المسيحيين من قبائل الهيورن إلى إقليم الكبيك، تربَّص بهم فصيل من سلالة الماوهوك، التابعين لقبائل الإركواي، كان الأب ﭼـوج لحظة الإيقاع بالمجموعة غير ظاهر لكونه كان يبحث بين الشجيرات عن بعض الحشائش لتكون طعام المجموعة، وبرغم إمكانية فراره، قدَّم نفسه لخاطفين ليتضامن مع رفاقه وباقي المؤمنين ويساعدهم على الثبات على الإيمان، ويعطي المسحة الأخيرة لمن قد يستشهد.

بدأ الخاطفون بضرب الأب ﭼـوج سحقاً بالعصيّ، ثم خلعوا أظافره، وقام احدهم بقضم إصبعه حتى ظهرت عظامه فإنفصل عن كفّه، كذلك فعلوا أيضاً بالأخ "رينيه جوپيل"، ثم أخذوهما مع باقي المرسلين دون السكان الأصليين إلى قريتهم، وهناك بدأت تتقيح جراح الأب ﭼـوج ويخرج منها الدود، كما صار وجه الأخ رينيه جوپيل غير ظاهر من الدماء، فلم يكتفي الأهالي بل تجمعوا للتطواف بهم وطرق القرية وإهانتهم بالسباب والبصاق حتى سقطوا من التعب والآلام. لم يكتفوا بذلك بل وضعوهم على منصّة عالية ليتمكن الجميع من رؤيتهم والسخرية منهم، أثناء ذلك قامت إمرأة من القبيلة بقطع إصبع الإبهام للأب ﭼـوج أيضاً لتزداد يده تشوهاً. ثم ربطوهما في الخوص وجعلوا أطفالهم يشعلون الفحم بالقرب منهما حتى تتعذب الأجساد الجريحة لأبطال الإرسالية بحرارة الفحم المحترق. بعد ثلاث أيام أجبروهما على السير للتنكيل بهم من قرية لقرية، وفي نهاية الطواف جلدوهما بالسياط، ووخزوا جراحهما المفتوحة بأسنّة الرماح والأشواك. كانا يشدّدان بعضهما البعض ويستغيثان معاً بالرب طالبين معونته لتحمُّل العذاب والصليب. بحلول شهر سبتمبر 1942م كان الأخ رينيه جوپيل قد استُشهِد بضرب الفئوس.

في القرية الثالثة تم تعليق الأب ﭼـوج على لوح خشبي خشن ليفقد وعيه بين الحين والآخر من شدّة الآلام والنزيف، فقام أحدهم وقد أشفق عليه فأطلقه سراحه على أن يظل في العبودية

خلال هذه الفترة العصيبة من الألم تعزّى الأب ﭼـوج بأن بعض المؤمنين كانوا يقتربون إليه في محبسه طالبين الإعتراف أو المعمودية، كما أنه كان يقوم بدلاً من سُجناء آخرين بتحمُّل التعذيب عنهم.

عندما تم إطلاق سراحه ظل الأب ﭼـوج مُراقَباً لا يستطيع الخروج من قرى الماهوك، يرتدي ملابس غير كافية للتدفئة في الشتاء، ويعاني سوء التغذية، لكنه كان لا يملّ من تبشير خاطفيه وجميع أهالي القرية، وليس لديه عمل يومي سوى الصلاة وجمع الحطب، وقد أوكلوا له جمع الحطب للسخرية منه لأنه عمل النساء في القبيلة. كانت الصلاة هي سلواه الوحيدة، وكان من الطبيعي بعد كل هذه التضحيات أن يرى رؤى روحية، كانت إحداها، أنه وجد نفسه فجأة في مكتبة مليئة بالكتب المغمورة في الصلبان، وللوصول للكتاب الذي أراد اختياره كان عليه اجتياز بعض المصاعب.

امتدت فترة أسره ثم إذلاله في العبودية مابين ثماني إلى عشر شهر، جدير بالذكر أنه كان يقظ جداً لفعل الخير بهؤلاء الذين كرهوه ونكّلوا به، فبرغم تدهور صحّته تمكن من إنقاذ إمراة حامل كانت على بداية مُنزَلَق بعمق سحيق خلال الأمطار، لولا أنه إستطاع جذب ذراعها بكل قوته لسقطت صريعةً هي وجنينها. كذلك فقد إعتمد لديه الرجل الذي حلّ وثاقه من آلة التعذيب الخسبية، هو وعائلته، فكان ذك يعزّي قلبه من كل الآلام والعذابات وفراق إخوته بالإستشهاد

تلاَحَظ لتجار ألمان كانوا على سفينتهم عند المياه الإقليمية، قاموا بدفع فدية مقابل تحريره، ومساعدته على العودة إلى فرنسا.

اعتبر البابا أوربان الثامن أن الأب إيزاك ﭼـوج "شهيد حيّ" عانى واستشهد لمرات عديدة حُبّاً بالمسيح، وأعطاه إذناً بأن يُصلّي القداس ويقدِّم المناولة برغم تشوُّه يده بحكم قطع الإبهام والسبابة وهما الإصبعين المسموح للكاهن لمس القربان الأقدس بهما.

زار الأب ﭼـوج والدته، لكنه إشتاق للعودة إلى إرساليته في أمريكا الشمالية، وكأنه كان مشتاق أن يكون شهيداً بالموت كما كان شهيداً بالحياة، فعاد إلى أمريكا الشمالية في 1644م بعد ان قضى في فرنسا عام ونصف فقط لتلقّي العلاج.

عاد إلى مكان أسره وعبوديته محاولاً التبشير مرة أخرى، فاستشهد بضربة فأس، ويقال أن قاتله قُبِض عليه من قبل الحكومة الفرنسية المتواجدة في أمريكا الشمالية وحُكِمَ عليه بالإعدام، وأنه خلال فترة سجنه قبل تنفيذ الحكم تعرَّف إلى بعض المرسلين الذين زاروه في السجن وعرف منهم أنهم سامحوه فسألهم عن سرّ تسامحهم، ومن هنا قبل الإيمان واعتمد واتخذ إسماً مسيحياً وهو "إيزاك" تيمُناً بالشهيد الأب إيزاك ﭼـوج، فكان إيمانه ثمرة ثانوية لإستشهاد هذا الأب القديس.

وبعده بأربع سنوات إستشهد الأب ﭼـان دي بريباف.

تم إعلان الأب إيزاك ﭼـوج والأب ﭼـان دي بريباف طوباويين عام 1925م عن يد البابا بيوس الحادي عشر، وأعلنا قديسين عام 1930م عن يد البابا بيوس الحادي عشر أيضاً ليكونا مع رفاقهما من المرسلين الشهداء (كهنة وعلمانيين) في أمريكا الشمالية رمزاً للتضحية من اجل الخدمة والبشارة.