إنها الحياة يا سادة
فى وسط حالة الفرح ببعث قضية فلسطين من موتها.. خرجت أصوات كثيرة مرتعشة تسأل: طب وبعدين؟.. فريقان أحدهما يحلم بحرب كبرى تقضى على آل صهيون.. وفريق يحذر من قادم غامض وتداعيات مجهولة..
هذا هو حال كل عربى يعيش بين المحيط والخليج، أو أى بقعة فى العالم.. لكّن أصواتًا أخرى تأتى من بعيد خافتة واهنة تسأل: وماذا عنا؟.. لقد خرجنا من كورونا سالمين بفضل الله وكرمه.. وقبل أن نتعافى منها كان عدد غير قليل قد فقد عمله ولقمة عيشه.. وجاءت حرب أوكرانيا وكنا نظن أنها بعيدة عنا، لكن مَن يعرفون كواليس وأسرار الاقتصاد قالوا إن أسعار أغلب السلع قفزت عشرات المرات بسببها، ولم ينج أحد، وما زالت الحرب مستمرة.. وما زال الكثيرون يفقدون أعمالهم ولقمة عيشهم كذلك.. فماذا لو اجتاح الصهاينة غزة برًا؟ وماذا يحدث لو دخلت سوريا ولبنان واليمن الحرب ومن خلفها إيران طبعًا؟.. ماذا سيحدث لو استجاب الصهاينة لتحريض بايدن الخبيث؟.. هل سيفقد بعضنا عمله وطعامه أيضًا؟.. التعاطف والفرح بمعجزات أهلنا فى فلسطين يشفى غليل صدورنا نعم.. والحرب ليست بعيدة عنا.. وأولها توقف حركة نقل الغاز.. ومدى تأثير ذلك على قدرات بلدان كثيرة نحن منها.. هل يعنى هذا أن نترك أهلنا فى فلسطين لوحدهم ونحرمهم حتى من تعاطفنا؟.. الإقليم ربما يكون على موعد مع حرب جديدة.. لن تنتهى فجأة.. مثلما بدأت.. وما بعدها حتمًا سيكون غير ما قبلها.. فى هذا كله يبقى الاقتصاد حاكمًا وفاعلًا.. وتبقى السياسة والدبلوماسية حاضرة أيضًا وبقوة.. لا أحد يطلب غير الحق والعدل.. ولكن هل يعرف هذا العالم الموبوء شيئًا عن الحق والعدل؟
ماذا تريد إذن؟.. وماذا يريد ذلك الصوت الخافت الذى يتسرب إلى عقولنا وأبداننا فنرتعش مجددًا؟.. إننا وفى غضون فترة ليست قصيرة ربما نعانى عوزًا إضافيًا بسبب هذه الحرب المتوقعة.. وهذا يعنى أحمالًا اجتماعية على الحكومات والأفراد.. فهل هناك فرصة أو أى مساحة لاستيعاب تلك الصدمات المتتالية؟.. أقولها وباختصار.. كن فى الموقع الذى تريد.. والذى تفرضه عليك مشاعر الأشقاء ومقتضيات الأمن القومى.. ولكن لتنتبه أيضًا لما يجرى وما سيحل.. ليس أمامنا إلا أن نعمل فى الوقت نفسه.. علينا أن نعمل بكل الطرق، كل شخص فى مكانه.. ليس أن نعمل فقط ولكن لنضاعف أعمالنا أيضًا.. ولاقتصاديات الحرب كلفة حتى ولو لم نشارك فيها.. سنتحملها رغمًا عنا.. بشروا ولا تنفروا سيقولها أحدهم.. وهذا صحيح لكننا لا ننفر.. بل ندعو لفهم ما يجرى بكل تفاصيله ومن زواياه المختلفة.. هذا العالم مجنون.. وهذه الحياة قاسية.. كلنا يعانى بقدر ما.. ربما نحتاج لتغيير عاداتنا لبعض الوقت.. ربما يطول ذلك الوقت.. لكننا سنعيش وسنظل نحلم بحياة أكثر رحمة وأكثر عدلًا.. لكن هذه الحياة تحتاج إلى مَنْ يحاربها ويلاطفها.. فى وقت واحد.. تحتاج إلى أن نتعايش معها لا أن نعيشها كما نريد.. الأحلام لم تعد مجانية على الإطلاق.
لقد فرضت تداعيات ما حدث فى الأعوام الثلاثة الأخيرة أن يغير بعض الأفراد من نظم تعليم أولادهم.. وأحيانًا أماكن إقامتهم.. وربما عادات طعامهم.. لم يحدث هذا فى مصر فقط.. وبسبب سياسات بغيضة وساسة منفلتين.. جرى ما جرى لأهلنا فى بلدان شقيقة.. فر مَنْ فر لينجو بحياة أسرته، فهل تظن أنه يعيش فى مهجره سعيدًا؟.. ربما حصل على بعض الأمان لكنه لم يحصل على حياته التى يريد.
الأيام المقبلة ليست سهلة على الإطلاق.. فى الريف وفى المدينة الجميع يشكون.. العنوان السيد فى حكايات الأهل والمعارف هو الغلاء.. أما التفاصيل فجميعنا متشابهون.. لا أحد يريد أن يصدق أن ما حدث ويحدث فى أوكرانيا من الممكن أن يكون له دخل بجاموسة السيدة بخيتة التى لم تعد تجد لها طعامًا بعدما ارتفعت أسعار الأعلاف والبرسيم، وبالطبع أسعار إيجارات الأراضى.. لسنا بعيدين لو كنتم تعلمون.. والأفراد وحدهم لن يمكنهم تدبير تفاصيل حياتهم بالطريقة التى يعتادونها.. الحكومات فى محيطنا جميعها تحتاج إلى تعديل خططها.. القادم لن نعبره بالصدف.. وهذه هى الحياة يا سادة لو كنتم تعلمون.