المكالمة الإيرانية
بين مكالمات تليفونية عديدة، يصعب حصرها، تلقاها، أو أجراها، سامح شكرى وزير الخارجية، منذ بداية جولة التصعيد الأخيرة، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، استوقفتنا المكالمة التى تلقاها، أمس الأول الثلاثاء، من نظيره الإيرانى حسين أمير عبداللهيان، والتى ناقش خلالها الوزيران التطورات الخاصة بالتصعيد والقصف الإسرائيلى العنيف الذى يتعرض له قطاع غزة، وما نجم عن تلك المواجهات من تعريض حياة مئات المدنيين للمخاطر، إضافة إلى ما تحمله من تهديدات على أمن واستقرار المنطقة.
فور توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتكثيف الاتصالات لاحتواء الموقف ومنع المزيد من التصعيد، بدأ سامح شكرى، وزير الخارجية، فى وقت مبكر من صباح السبت الماضى، إجراء الاتصالات مع نظرائه وعدد من المسئولين الدوليين، الفاعلين أو المؤثرين، لضمان توحيد الجهود واتساقها من أجل تجنب الدخول فى دوامة مفرغة من العنف والتوتر تزيد من حالة عدم الاستقرار فى المنطقة. وفى هذا السياق، جرت مكالمة وزير الخارجية الإيرانى، الذى أعرب عن تقدير بلاده للجهود، التى تبذلها مصر، على المستويين الإقليمى والدولى، خاصة فى دعم القضية الفلسطينية وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى.
من البيان الصادر عن المتحدث الرسمى باسم الخارجية المصرية، عرفنا أن شكرى أعرب عن قلق مصر البالغ نتيجة استمرار المواجهات العسكرية وحِدتها، خاصة القصف الإسرائيلى واسع النطاق ضد أبناء الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، محيطًا نظيره الإيرانى بالجهود التى تبذلها مصر من أجل خفض التصعيد، وتحقيق التهدئة المنشودة، إضافة إلى الجهود المصرية الحثيثة لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر معبر رفح رغم القصف الإسرائيلى لمناطق على الجانب الفلسطينى منه. كما حذر وزير خارجيتنا من عواقب توسيع رقعة الصراع الجارى فى الأراضى الفلسطينية، بشكل يهدد استقرار المنطقة وأمن وسلامة شعوبها.
فى تصريحات سابقة، أكد وزير الخارجية الإيرانى أن بلاده ترحب بالمبادرات، التى تهدف إلى توسيع العلاقات بين طهران والقاهرة، ونفى وجود أى مشكلة ثنائية بين البلدين. وبوساطة من محمد شياع السوادنى، رئيس الوزراء العراقى، استقبله الرئيس السيسى، أواخر ديسمبر الماضى، فى الأردن، على هامش مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون. كما استقبله، أيضًا، سامح شكرى، فى سبتمبر الماضى، فى مقر مدينة نيويورك بمقر بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة، على هامش مشاركة الوزيرين فى الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للمنظمة الدولية.
انطلاقًا من دورها المحورى فى محيطها الإقليمى، وتأسيسًا على أطر السياسة الخارجية، التى تبنتها دولة ٣٠ يونيو، أو الجمهورية الجديدة، والقائمة على الندية، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، تابعت مصر باهتمام، الاتفاق السعودى الإيرانى، الذى جرى فى مارس الماضى، بوساطة صينية، وأعربت، عن تطلعها إلى أن يسهم الاتفاق فى تخفيف حدة التوتر فى المنطقة، وأن يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومى العربى.
مصر عبّرت، أيضًا، بحسب بيان أصدره المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، عن تقديرها لهذه الخطوة المهمة، وتثمينها التوجه، الذى انتهجته المملكة العربية السعودية، وتمنّت أن يكون لهذا التطور مردود إيجابى إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية، وأن يشكّل فرصة سانحة لتأكيد توجهها نحو انتهاج سياسة تراعى الشواغل المشروعة لدول المنطقة، بما يعزز فرص التعاون وتوطيد التواصل الإيجابى فيما بينها، من أجل رسم مسار للعلاقات يلبى آمال شعوب المنطقة فى الازدهار والتقدم. وكنا قد تمنينا، وقتها، أن نشهد عملية بناء ثقة، تدريجية، تضع أى خلافات، حالية أو مستقبلية، فى إطار التنافس لا التصادم، كتلك التى سبق أن طرحها، أو تحدث عنها، الرئيس الإيرانى الراحل هاشمى رفسنجانى، منذ عشر سنوات تقريبًا.
.. وتبقى الإشارة إلى أن لقاءات عديدة جمعت بين مسئولين كبار، مصريين وإيرانيين، خلال العقود الثلاثة الماضية، كان أهمها أو أبرزها، اللقاء، الذى جرى فى ديسمبر ٢٠٠٣، بين الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ونظيره الإيرانى محمد خاتمى. وطبعًا، لن نلتفت إلى علاقة محمد مرسى وأحمدى نجاد، خلال السنة السوداء، أو الصفحة المطوية، من تاريخ مصر.