كعادتها.. مصر تحاول استعادة الهدوء بين فلسطين وإسرائيل
تصدرت مصر المشهد مجددًا كوسيط إقليمي بين فلسطين وإسرائيل، حيث تحاول بجهود مضنية التوصل إلى إحلال هدنة إنسانية بين الطرفين بعد أيام من المواجهات والقصف العنيف الذي شهده قطاع غزة، حيث تجري مصر الاتصالات المكثفة مع كافة الأطراف، لإقناع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بضرورة وقف إطلاق النار والعودة إلى التهدئة، لإنقاذ المنطقة من المزيد من دوامة العنف وسفك الدماء.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي تثبت فيها مصر قدرتها على إدارة الأزمات الإقليمية بحنكة وحكمة، انطلاقًا من مسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية وحرصها على استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي السطور التالية نوضح ما نجحت فيه في كل مرة.
أحداث مايو 2021م:
في شهر مايو من عام 2021، شهد قطاع غزة تصعيدًا خطيرًا بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، حيث شنت إسرائيل غارات جوية عنيفة استهدفت عدة مواقع للمقاومة في القطاع، وردت الفصائل بإطلاق صواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا في الجانبين.
وسعت مصر خلال تلك الأيام إلى التحرك دبلوماسيًا، لوقف إطلاق النار وإنهاء التصعيد، ففي بداية الأزمة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعمه للجهود المصرية لإنهاء القتال، كما تواصل الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأمريكي جو بايدن، لمناقشة سبل التعاون لاحتواء التصعيد ووقف العنف في ظل التطورات الأخيرة، وأعرب الأخير عن تقديره للدور المصري وجهود السيسي مع كافة الأطراف من أجل السلام.
وفي اليوم الحادي عشر من الأزمة، أعلنت كل من إسرائيل وحركة حماس الموافقة على مقترح مصري لوقف إطلاق نار متبادل وغير مشروط في غزة، وهكذا توجت جهود مصر الدبلوماسية بنجاح بعد أن تمكنت من إقناع إسرائيل وحماس بضرورة وقف التصعيد والعودة للهدوء، ما مهد الطريق أمام فرص سياسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع وتجنيب المنطقة المزيد من دوامة العنف.
أحداث أغسطس 2022م:
ولم يمر سوى عام أو أقل حتى بدأت أحداث أغسطس 2022م، وذلك عندما شنت إسرائيل غارات جوية وقصفًا مدفعيًا على قطاع غزة، مستهدفة مواقع تابعة لحركات الجهاد الإسلامي، ما ترتب عليه إطلاق حركة الجهاد مئات الصواريخ اتجاه الأراضي الإسرائيلية، قسقط عشرات الضحايا في كلا الجانبين.
وبعد أيام من تبادل إطلاق النار، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية بلغ 43 قتيلًا وأكثر من 310 مصابين، كما أعلن الجيش الإسرائيلي شن قصف واسع على مواقع إطلاق الصواريخ في غزة ردًا على استمرار إطلاقها باتجاه إسرائيل.
وفي تلك الأثناء، لم تدخر مصر جهدًا في سبيل الوصول إلى اتفاق بين الطرفين، لحماية أهل غزة من وابل الأسلحة التي لبدت غيومه، فأجرت القيادات المصرية اتصالات مكثفة مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وبعد عدة ساعات من المحاولات الحثيثة، أصدرت مصر بيانًا رسميًا، دعت فيه إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار اعتبارًا من الساعة الحادية عشرة مساء ذلك اليوم، مشددة على ضرورة الإفراج العاجل عن الأسيرين الفلسطينيين خليل العواودة وبسام السعدي، وبالفعل أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، موافقته على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة حماس، مبررًا أن أهداف العملية العسكرية على غزة تحققت.
وهكذا تمخضت الجهود المصرية عن توقيع اتفاق لوقف إطلاق نار متبادل بين الطرفين، ليعود الهدوء مرة أخرى إلى قطاع غزة بعد 3 أيام دامية من القتال.
أحداث إبريل 2023م:
ولم تتوانَ إسرائيل في ضرباتها، فخرجت علينا أحداث إبريل 2023م، ففي جو من الخشوع والتأمل كان المسلمون معتكفين بالمسجد الأقصى، يستقبلون ليلة القدر المباركة في العشر الأواخر من رمضان، لكن سرعان ما تحولت تلك الأجواء الروحانية إلى مشاهد مؤلمة، عندما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية المسجد فجرًا، وأخلته قسرًا من المصلين والمعتكفين، ووسط صراخ وعويل النساء والأطفال، قام الجنود بسحب الرجال والشبان بقسوة والاعتداء عليهم بالضرب والركل، ثم تكبيلهم واقتيادهم إلى خارج المسجد.
وتكررت مشاهد الاعتقال وسوء المعاملة مع مئات المعتكفين، قبل أن يتم إطلاق سراح بعضهم بشرط الإبعاد عن المسجد لمدة أسبوع، كما منعت سلطات الاحتلال الهلال الأحمر من دخول المسجد لإسعاف المصابين، في الوقت الذي اقتحم فيه المستوطنون المتطرفون باحات الأقصى بحماية من الشرطة الإسرائيلية، ووسط هذا الواقع المؤلم، ظل الفلسطينيون صامدين رافضين الاستسلام، متمسكين بحقهم في العبادة والدفاع عن مقدساتهم أمام ممارسات الاحتلال القمعية.
وفي ظل الهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين منذ تسلم حكومة نتنياهو مقاليد السلطة، ظلت مصر ثابتة على موقفها الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، وسعت مصر من خلال مبادرتها التي طرحتها في أبريل الماضي، إلى فرض تهدئة بين الجانبين ووقف التصعيد الإسرائيلي المتواصل، مستندة في ذلك على نتائج اجتماعي العقبة وشرم الشيخ اللذين عقدا مؤخرًا.
وشملت المبادرة المصرية (التي تمت خلال اجتماعي العقبة وشرم الشيخ) عدة نقاط أساسية منها وقف التوسع الاستيطاني والاعتداءات على المدنيين، وعدم المساس بالوضع القانوني للأماكن المقدسة في القدس، واحترام الوصاية الأردنية عليها، إلى جانب توفير الحماية الدولية للفلسطينيين.
ونجحت مصر رغم كل التحديات في الحد من تصاعد التوتر من خلال مبادرتها، مؤكدة مرة أخرى على دورها الريادي في السعي نحو تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
طوفان الأقصى أكتوبر 2023:
وواصلت مصر جهودها الدؤوبة لحل الأزمة المتصاعدة في قطاع غزة على خلفية العملية العسكرية الإسرائيلية "طوفان الأقصى"، ففي بيان رسمي حذرت وزارة الخارجية المصرية من المخاطر الكبيرة للتصعيد بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، ودعت إلى ضبط النفس وعدم تعريض المدنيين لمزيد من الأذى، كما حذر البيان من تداعيات وخيمة قد تنجم عن استمرار تصاعد وتيرة العنف.
وطالبت مصر المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف تدهور الأوضاع، والضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على الفلسطينيين والتزام القانون الدولي، كما باشر الرئيس “السيسي” ووزير خارجيته سامح شكري بإجراء اتصالات مكثفة مع مسؤولين دوليين، في محاولة لاحتواء التوتر وإنقاذ الوضع من الانزلاق نحو مواجهة شاملة تهدد المنطقة برمتها.
وخلال كلمته الأخيرة، التي ألقاها في حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الشرطة، وجه “السيسي” عدد من الرسائل، على رأسها: الدفاع عن مصر وحماية شعبها هو هدفه الأسمى ولن يتراجع عنه، وأن مصر ملتزمة بدعم قضايا العرب خاصة فلسطين، كما أنها تبذل قصارى جهدها لإنهاء الحرب على غزة وإنقاذ الأرواح.
وأكد أن مصر لن تسمح بالتنازل عن فلسطين لصالح أي طرف، أيضًا على الشعب المصري إدراك تعقيدات الوضع وخطورة التهديدات، وأن السلام العادل عبر حل الدولتين هو الحل لضمان أمن فلسطين، وأن مصر تتشاور مع كل الأطراف الممكنة لوقف فوري للقتال واستتباب الهدوء.
الحرب لا تزال قائمة
وهكذا واظبت مصر على دورها القيادي في إدارة الأزمات الإقليمية، سعيًا منها لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وإنقاذه من ويلات الحرب والدمار، ورغم أن الحرب بين الطرفين لا تزال قائمة، آخرها ارتفاع حصيلة الضحايا في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى ما يزيد عن 1100 قتيل وأكثر من 2300 جريح فلسطيني، واحتجاز حماس العشرات من الرهائن الإسرائيليين بينهم ضباط وجنود.
كما تواصل إسرائيل غاراتها الجوية العنيفة على غزة رغم إطلاق حماس آلاف الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية، وفي المقابل، أرسلت الولايات المتحدة حاملة طائرات للمنطقة، كما ناقشت زيادة الدعم العسكري لإسرائيل، أما الأمم المتحدة فلم تتخذ أي إجراءات حيال الوضع حتى الآن، وحذرت دول عدة مواطنيها من السفر لإسرائيل بسبب المخاطر الأمنية.