على متن السفينة.. حكايات من دفتر طه حسين حول سفره لفرنسا
خصصت المؤسسات الثقافية هذا العام 2023 بأنه عام عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، تقديرًا لمكانته، وبمناسبة الذكرى الخمسين على رحيله.
وكتبت عشرات المؤلفات عن الراحل ومن ضمن هذه الكتب "طه الذي رأى" للكاتب حمدى البطران، الذي كشف فيه الكثير من تفاصيل حياة عميد الأدب العربي.
معركة كتاب الشعر الجاهلي
ورصد الكاتب معرفة طه حسين مع الأزهر والنيابة وبعض المثقفين عن كتاب الشعر الجاهلي فقال: "في هذا الكتاب طبّقَ طه حسين على الشعر الجاهلي المنهج الفلسفي - منهج الشك - الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء، وخلص في استنتاجاته وتحليلاته إلى أن الشعر الجاهلي منحول، أي لا ينتمي لقائله، وأنه كُتب بعد الإسلام ونُسب لشعراء ما قبل الإسلام، وبفضل هذا المنهج وصل إلى نتيجة منطقية زعزعت اليقينَ الذي كان يحوم حول الشعر الجاهلي.
كواليس السفر لفرنسا
وأضاف البطران، فما أن صدر الكتاب حتى فتح عليه المتعصبون من رجال الأزهر نيرانًا صبّوها عليه، لم يتصور طه حسين، حينما انتهى الكتاب أن شيئًا من هذا يمكن أن يحدث كرد فعل لأقواله فى الكتاب، وبعد أن هدأت الأحوال بعد أزمة الكتاب، سافر طه حسين إلى فرنسا حيث سبقته زوجته، وقتها كان أحمد لطفي السيد رئيسًا للجامعة.
وتابع: "تذكر طه حسين وهو فى الباخرة فى عرض البحر، فى طريقه إلى فرنسا، أن الباخرة مضت في طقسٍ هادئ وهواء مريح حتى بلوغ المياه الفرنسية، وما هي إلا ساعات حتى كان اضطراب البحر قد انتهى إلى أقصاه، حتى كان الناس لا يسمعون بعضهم بعضًا، إذا تحدّث بعضهم إلى بعض".
الساحل الفرنسي
كان الموج صاخبًا والريح تُحدث دويًّا، والسفينة تتراقص يمينًا وشمالا، وتارة تندفع إلى الأمام، وأحيانًا تدور حول نفسها، ويقذفها الموج في أي اتجاه، وقضي الليل في هذا الهول، وأصبح وقد أشرف على الساحل الفرنسي؛ بل بلغوه، فهذه أبنية مرسيليا يراها الناس ويشيرون إليها.
إلا أن فرحة الوصول لم تدُم طويلا، فقد مُنعت السفينة من الرسو في الميناء؛ لأن أحد ركابها مصاب بالطاعون، ويصف الراكب بأنه مسافر مصري أصابه في بداية الرحلة ظمأٌ شديد، فما أن رأى بطيخ مصر، فاندفع إليه اندفاعًا وأكل بطيخة بأسرها، ثم كأن البطيخة لم تروِ ظمأه، فعمد إلى ماء مثلج فشرب منه ما أَذن الله له أن يشرب.
مرض الطاعون
لم تَكَد السفينة تتجاوز مصر، حتى بدت عليه أعراضٌ لأمراض كثيرة، وعلى أي حال فإن الراكب المذكور كان يُقيم مع ركاب الدرجة الرابعة في أسفل السفينة، ولما عاينه طبيب الباخرة طلب نقله إلى مقصورة في الدرجة الأولى، فطاب له المقام فيها بين الأكابر، ولم يعد يريد الشفاء ولا يطلبه، كما لم يعد لدى الطبيب المشرف على الباخرة الحرص المطلوب، وشك أن مريضه مصاب بالطاعون، ولذلك أخطر مديرية ميناء مارسيليا بأن السفينة موبوءة وكذلك ركّابها، وفي النهاية، سُمح للركاب بالنزول في اتجاه حجرٍ صحي قريب، بينما أُبقي الملاحون جميعًا على ظهر السفينة.
ويتذكر العميد بأنه بعد أيام قليلة تكفل بأن يشرح لعمدة المدينة أن المسألة كلها لا تتعدى مسألة ظمأ شديد، وكثير من البطيخ المصري اللذيذ، وفوقه أكوام من الثلج.
وقتها قارن العميد بين اهتمام الفرنسيين بحماية الناس وبين موقف العرب وإهمالهم في مثل هذه الحالات. ويتذكر أنه قال: أرأيت إلى مئات من المسافرين يضطربون ويحزنون يومًا كاملًا؟ أرأيت إلى مصلحة الصحة في مرسيليا تضطرب وتعنى هذه العناية وتتكلف هذه النفقات؟ أرأيت إلى مئات من العُمد في قرى فرنسا يضطربون ويشفقون من الطاعون أن يصيب قراهم؟ كل ذلك لأن رجلًا ظمئَ فأكل بطيخة وشرب أقداحًا من الماء المثلج.
اقرأ ايضًا: