لن تُحكمَ مصرُ مِن خارج مصر!
(بدء الموجة الجديدة لاستهداف مصر!)
(1)
كما كان متوقعا، وبمجرد أن اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية بدأت بشراسة موجة جديدة لاستهداف الدولة المصرية بوجهٍ سافر وبدون أى أسباب يمكن أن تكون قد جدت على الساحة المصرية باستثناء اقتراب الانتخابات! عدة مشاهد لا يفصل بين أحدها والآخر سوى أيام قليلة، بينما يربط بينها هدفٌ واحد هو الضغط بقوة على الدولة المصرية – حكومة وشعبا – ومحاولة ابتزازها! وعدة أطراف نشطت فجأة بعد سكون استمر سنوات، ووجوهٌ كالحة عادت لتطل على المصريين بعد أن قام محركوها بتنشيطها وعلى رأسها يهوذا مصر فى القرن الحادى والعشرين، المصرى الجنسية الذى تولى رئاسة إحدى الوكالات الدولية المسيسة التى كانت رأس حربة تخريب دول عربية منذ سنوات ليست بعيدة! هذه الجولة صريحة وسافرة ومتبجحة!
منذ عدة أسابيع تمت محاولة التحرش بالدولة المصرية ومحاولة الزج بها فى قضية تخص أحد أعضاء المجالس التشريعية بدولة عظمى ليست بعيدة عما تعرضت له مصر منذ أحداث يناير، وفضحت دورَها وثائقٌ تم تسريبها عبر ويكيلكس! بين هذا المشهد ومشهد ما يسمى ببيان الاتحاد الأوروبى يكمن السر الأكبر! حملة ابتزاز صريحة معلنة! ينطبق على المشهدين تعبير خارج أجدنى مضطرا لاستخدامه.. حين تتحدث الغوانى عن الشرف!
(2)
الدولة صاحبة التاريخ الأسوأ والأكثر قتامة عبر عمرها الذى لا يتجاوز قرنين من الزمان فى ممارسة البلطجة السياسية على حكومات ودول وشعوب وأكبر راشية سياسية فى تاريخ العالم الحديث! التى طبقت فى سياستها الخارجية مبادىء لا علاقة لها بقيم أخلاقية أو دينية! تتلخص تلك المبادئ فى السطو على مقدرات الشعوب سواء بشراء سياسيين أو رؤساء وحكومات، أو حينما - كانت تُسد أمامها طرق الرشاوى – بالاحتلال العسكرى الصريح بعد تقديم مسرحيات سياسية هزلية عبر منظمات دولية أممية مثل التى عاصرناها ولا ننساها، وقد كانت المسرحية الأكثر هزلية حينما قام أحد كبار ساستها على الهواء مباشرة بتقديم صور لسيارات وحافلات عملاقة قائلا إن بداخلها أسلحة دمار شامل تمتلكه دولة ما فى الشرق الأوسط، وبعدها اجتاحت هذه الدولة ونهبت مقدراتها ومثلت بشعبها وارتكبت جرائم حرب! وكان رأس حربتها شخصية سياسية تنتمى لنفس الدولة المستباحة! دولة تاريخها مخضب بالدماء وملوث بشراء الذمم والحكام ونهب ثروات الشعوب!
ومع مصر، فإن تاريخها سلسلة من محاولات الابتزاز، نجحت سابقا فى بعضها، وصفعها المصريون صفعة مشروعة وقوية حين كشفوا سواءاتها عام 2013م وعروا عملاءها، ولم ترهبهم غطرستها وقوتها العسكرية وقرروا أن يطردوا جماعة الخيانة من أرض مصر الطاهرة، فعاد بعضهم بوجهٍ مكشوف إليها كأرخص مستوى من العملاء يمكن أن نطالعهم فى صفحات التاريخ! بعضهم خر ساجدا يقبل أرض مطارها بمجرد أن وطأتها قدماه، وهو وعصبته كانوا على وشك التحكم فى مصير مصر! هذه الدولة لم تنسَ تلك الصفعة المصرية، وكل ما حدث أنها أجلت محاولة تنفيذ مخططها فظلت متحفزة ضد مصر وقيادتها تمنى نفسها بأن موجة قادمة ربما تستطيع من خلالها بمجموعة جديدة من العملاء أن تحصل على ما عجزت عن الحصول عليه منذ عشرة أعوام! منذ عدة سنوات حاولت تلك الدولة استدراج مصر إلى فخٍ كبير، لكن القيادة المصرية أجهضت هذه المحاولة ولقنت من حاولوا استدراجها درسا كبيرا وإن بدا هادئا لم يستوعبه حتى جميع المصريين!
(3)
بعد أن أعلن السيسى ترشحه لفترة رئاسية جديدة استجابةً وتناغما مع رغبة كثيرين من المصريين – سوف يعلنون عن أنفسهم فى عملية التصويت – نشطت كل المؤسسات والأطراف وبدا الأمر وكأنهم فوجئوا بأن المصريين – وبعد كل ما تم توجيهه من حملات تشكيك وتشويه – قد عزموا النية على انتخاب هذا الرجل! أى متابع ولو على استحياء لما مرت به مصر فى أكثر من عقدٍ يدرك يقينا أنه لا توجد مصادفات فى أي تحركات أو بيانات أو مواقف سياسية دولية أو إقليمية! لا مكان هنا لأي مصادفات! العرائس والدمى لا يمكنها أو تستطيع التحرك من تلقاء نفسها، فهى أضعف من ذلك! مصر دولة مستقلة ذات سيادة، والمصريون بطبعهم وتاريخهم ينفرون من أي محاولة خارجية لفرض أشخاص أو قرارات عليهم! المصريون شعبٌ عصى، معتزٌ بنفسه مهما تكن أحواله الاقتصادية. الذين يحركون العرائس يدركون ذلك جيدا، وبصراحة فهم يستوعبون الدروس بسرعة! فالمبادرة بالتطفل والتنطع السياسى الدولى أو حتى البلطجة الدولية سوف تكون مرفوضة فى مصر، ولقد اختبروا المصريين فى ذلك!
لذلك قرر المخرجُ الرجوع لسيناريو قديم، مراهنا على ذاكرة المصريين وأنهم ربما يكونون قد نسوا هذا السيناريو الذى كان هو صاحب دور البطولة فى عصر مبارك، وهو المصطلح المطاطى الذى اعتاد المخرج الغربى (تقييفه) حسب مقاس الشعب والدولة المستهدفة! حقوق الإنسان! فهذا المصطلح - الذى يشبه غشاء البكارة المخترع حديثا والذى تتهافت عليه الغوانى – هو من مخترعات وبنات أفكار أكبر قوى استعمارية فى التاريخ المعاصر! القوى التى داست ببيادات جنودها على حقوق أغلب شعوب الكرة الأرضية! فى كل خطة يتم أولا دراسة الشعب المستهدف.. يتم فتح صندوق (كيف تمتطى شعبا) ثم يتم الفرز.. المرة السابقة (فرق تسد) أثبتت فشلها مع هذا الشعب (المصرى)، سواء (مسيحيين مسلمين) أو (ليبراليين متدينيين) أو حتى (صعايدة فلاحين نوبيين قبائل)!.. يهمس المخرج بقبعته الكبيرة فى أذن تابعه العجوز.. دعك من هذه الآن ربما بعد عقدين أو ثلاثة يكونون قد نسوا.. فلتجرب هذه المرة (حقوق الإنسان!) هذا شعبٌ عاطفى وحتما قد أنهكته المحنة الاقتصادية.. بعض الرتوش القيمية قد تجدى..
برلمان أكثر دول دهست وما زالت تدهس ليس فقط حقوق سياسية طوائف بعض الشعوب، بل تسطو على حياة ومقدرات دول كاملة.. مناجم ذهب ومحاصيل وأموال ثم يقومون بنصب السيرك الفوتوغرافى ليتم تصوير السادة وهم يقدمون الفتات للجوعى والمرضى الذين يصارعون الجوع والموت فى بلادٍ نهبها نفس السادة! برلمان هذه الدول الاستعمارية التى ما زالت تمتص دماء شعوب القارات الأفقر صراحة وببجاحة منقطعة النظير يصدر بيانا لابتزاز الدولة المصرية ويتقمص دور الشيطان يعظ!
لا أتفق مع كل هذه الضجة وكل هذه الردود التى اكتظت بها القنوات التليفزيونية المصرية على هذا البيان! فمثل هذه المشاهد المسرحية الهزلية لا يُرد عليها سوى برفضٍ مهينٍ لها! نعم رفضٌ مقتضب يهين القائمين بها ويعرّض بهم صراحة ولا يقترب مجرد الاقتراب من المقاعد التى يجلس بها المدعى عليهم! لم يعجبنى بصراحة استغراق بعض السادة السياسيين أو نواب البرلمان فى محاولة تفنيد والرد على ما ورد فى هذا البيان الوقح! كان يكفى أن نلفت نظر مَن وجهوه بأن هناك من يستحقون اهتمامهم من رعاياهم ممن لا يجدون مأوى وكانوا يسرقون الطعام من المتاجر الكبرى، ثم تم التضحية بهم صراحة حين داهم الوباء كل العالم، فأعلنت بعض دول هذا البرلمان البائس أنها سوف تمنع تقديم العلاج لكبار السن فى واحدة من أبشع صور القتل الخسيس لمواطنين قضوا حياتهم يدفعون نصف دخلوهم لحكومات دولهم ويعتقدون أنهم مواطنون ينتمون لعالمٍ أول أبعد ما يكون عن شعوب العالم الثالث، وفى أول اختبارٍ حقيقى سقطت هذه الدول أخلاقيا، ولم تختلف كثيرا فى المضمون عن فكرة مجنون النازية الذى كان يستبيح قتل الضعفاء!
يعتقد بعض ساسة هذه الدول أن من حقوقهم الاستعمارية السرمدية التدخل فى شئون دول مستقلة والمساس بمؤسساتها القضائية وإجبار هذه الدول ذات السيادة على أن تهين تلك المؤسسات المستقلة أو تعبث باستقلاها وتفرض عليها أحكاما يرضى عنها هؤلاء الساسة المغيبون!
منذ عصر مبارك وأنا أستمع صراحة – بحكم مهنتى – لعبارات وتوجه إلىّ أسئلة من بعض المنتمين لهذه الدول أراها أسئلة وعبارات متجاوزة ووقحة أحيانا وتفترض هذه الرؤية – بهذا الحق لدول على حساب دول – وكنتُ كباقى زملائى نرد بما تمليه علينا ضمائرنا الوطنية واعتزازنا ببلادنا وسيادتها! وكم من مرة اعتذر فيها متسائل عن تجاوزه، وكم من مرة صمت متسائل على مضض بعد ابتلاع عباراته!
نعم كانت تكفى ردا على هذا البيان الأوربى الساقط بعض الكلمات التى ترد على الصفعة بصفعتين مغلفتين بإهانة الحقائق التاريخية القديمة، أو المعاصرة للساسة الساقطين أخلاقيا قبل أن يسقطوا سياسيا، أولا ودائما مع الشعوب الضعيفة، ثم أخيرا مع شعوبهم، وما زالت مشاهد أسرة مرضاهم المسنين وهم يطردون من عليها حاضرة بأذهاننا!
لكننى أعتقد أن بعض الذين ردوا وانغمسوا فى تفنيدات منطقية لاهتراءات البرلمان الاستعمارى كانوا يوجهون حديثهم للداخل المصرى، لأن هناك حالة هستيريا أصابت بعض مناصرى جماعة الخيانة وسفك الدماء بمجرد صدور هذا البيان الهزلى، يذكرنى هذا المشهد بحالتهم يوم أن كانوا ينتظرون تدخل أسطول أجنبى لضرب مصر دفاعا عن مخططهم المشترك! أعتقد أن هؤلاء - وبعد عشرة سنوات لم يستطيعوا خلالها التطهر من أدران الجماعة - بحاجة إلى تأهيل طبى نفسى وليسوا بحاجة لردود منطقية!
(4)
لقد كان الرئيس السيسى يدرك تماما ما يخفيه (جراب) الحاوى المتغطرس، فقام ومنذ أشهر طويلة – وبمناسبة تدشين المبادرة المصرية لحقوق الإنسان - بالرد على أي محاولة لاستخدام هذا السلاح الفاسد المسمى بحقوق الإنسان، حيث قال ما يدركه المصريون جيدا.. إن كنتم تتحدثون عن حقوق الإنسان، فالتعليم والصحة والإسكان والخدمات، وإقامة دولة عصرية حقيقية هى حقوق الإنسان. الرئيس الذى يولى وجهه – بمجرد انتخابه – شطر ملايين الفقراء والمهمشين والذين كانوا يعيشون إما فى مناطق عشوائية لا تليق بمصر أو بالآدمية، أو كانوا يعيشون أسفل الكبارى وفى الشوارع فيكون نقلهم لوحدات سكنية من أول مشاريعه التى نفذها، رئيسٌ كهذا من العبث أن نسمح باتهام إدارته بأي اتهامات تخص حقوق الإنسان! الرئيس الذى يقتحم ملفات صحة المصريين وينجز فى سنوات قليلة تراكمات عقود، والذى يقوم بإنشاء جامعات يفوق عدد ما كان قائما قبله وطوال القرن الماضى، والذى يتبنى خطة لتطوير التعليم وطرق التعلم، ويتبنى خطط وينفذها لتصويب الخطاب التوعوى المصرى، رئيس كهذا من الوقاحة أن يتم توجيه اتهامات له تخص (حقوق الإنسان)! فالرؤساء الذين ينتهكون حقوق الإنسان فى الدول النامية يحرصون على تجهيل شعوبهم والتوقف عن أية إجراءات من شأنها إتاحة التعليم للجميع، ويعقدون مواءمات صريحة مع بعض رجال الدين لنشر التطرف والجهل والإبقاء على الشعب فى حالة لا موت أو حياة فى سبيل البقاء فى السلطة! فأى رئيس هذا الذى يصر على إيقاظ همم شعبه وتحفيزهم للتعلم والعمل والوعى ثم يكون هناك من يتهمه بانتهاك حقوق الإنسان؟!
هل نسينا مظاهرات لندن المليونية ضد مشاركة بلادهم فى احتلال واستعمار العراق مقابل البترول؟! كيف تصرفت دولتهم، وكيف تصرفت برلمانات دول القارة العجوز وهى تشاهد شعوبها يضرب بإرادتها عرض الحائط؟! منذ سنوات قليلة قام مراهقون باعتداءات على بعض المتاجر فى نفس الدولة، وفى ساعات قليلة تم التعامل معهم بعنف شديدٍ واعتقالهم وتقييدهم والاعتداء عليهم علنا وهم مقيدون غير ما تعرضوا له بعيدا عن الكاميرات، ولم يفتح فمه أحدٌ هناك أو فى أي دولة من دول هذه القارة الاستعمارية العتيقة!
حين تم احتلال العراق تم ارتكاب جرائم اغتصاب فى السجون ونشر ذلك على صفحات الصحف والمجلات الغربية وصمت البرلمان الاستعمارى! يوميا يتم الاعتداء الصهيونى على فلسطينيين وفلسطينيات من قوات عسكرية ويتم ذلك على الهواء مباشرة ولسنوات طويلة ويصمت الجميع هناك!
فى الحقيقة حكومات بعض هذه الدول ومؤسساتها تمارس السياسة بمنطق القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وتعتقد أن من حقها فرض إملاءات على دول تراها أقل اقتصادا أو تقدما أو قوة! وحين أصبحت هذه الممارسات فظة وتتناقض مع أدوات الماكياج الدولية، فقد قرروا ممارستها وهم يضعون بعضا من هذه المساحيق، وهم فى الحقيقة لا يهتمون إلا بحقوق الإنسان فى بلادهم، وأحيانا يلقون بهذه الحقوق نفسها فى سلة المهملات حين يتم إرغامهم من سيدهم الأكبر! بينما يعتبرون دائما أن شعوب باقى الدول الإفريقية والآسيوية – باستثناء العصابة الصهيونية – مجرد أدوات أو كومبارس! لا يجب أن ننخدع بما نسمعه من فحيحٍ ناعم، فحين تغلق الغرف هناك تسقط الأقنعة! ولقد كنا محظوظين منذ عدة سنوات حين شاهدنا لحظة تاريخية لسقوط قناعٍ أمام الكاميرات.. هل تذكرون حادثة الطائرة الروسية؟ أين كان بعدها مباشرة الرئيس السيسى؟ فى أي دولة؟ وماذا حدث فى ذلك المؤتمر الصحفى التاريخى؟! وكيف سقط المتآمرون بذلة لسان! حين اصفر وجه الشيطان وسقط القناع عنه فجأة ورأيناه كما هو!
وقد يفاجأ المصريون بتنشيط لأحد السيناريوهات بضغطٍ على أحد حدود مصر بتسخين مفاجئ لأحداثٍ كانت راكدة، أو محاولة فرض سيناريو قد رفضه المصريون سابقا! ومن يجنح به الخيال إلى التفكير فى محاولة تنفيذ هذا السيناريو فسوف أترك للمصريين صياغة الردود على الأرض حين تحين اللحظة!
(5)
حين يبلغ أحدنا – من مصر – عمرا معينا، يتمنى أن يختم حياته بما يليق حتى لو كان طوال عمره شيطانا رجيما! لكن تكون المأساة حين يصر من بلغ من العمر عتيا على التمسك بشخصية يهوذا لآخر يوم وأن يتجرع كأس الخيانة لآخره حتى آخر قطرة! وخيانة الأوطان لا تعنى فقط الصورة التقليدية التى نشاهدها فى الأفلام والمسلسلات، لكن تتخذ صورا وأشكالا عدة.. فمن يتبوأ منصبا ولا يلتزم بالقانون، أو الضمير، أو يفرط فى أمانة المنصب فهو قطعا يخون بلاده، ويخون نفسه أولا! عاد لبلاده بعد عشرات السنوات من العمل فى مؤسسات دولية، فاحتفى به المصريون ووضعوه لسنوات فى موضع اعتقدوا وقتها أنه يستحقه، ثم قدموه لتصدر الصفوف حين اندلعت الفوضى السياسية فى مصر. لقد وثق فيه العامة، وسار خلفه المثقفون ووضعته المؤسسات الوطنية فى الصف الأول فى الوقت الحرج وأطلعوه على تفاصيل الموقف.. فعرف كل شىء، ثم فجأة كذب وادعى أنهم لم يخبروه بعزمهم على القيام بما ينبغى القيام به من أجل تحرير بعض مناطق مصر من البلطجة التكفيرية المسلحة!
لقد أثار موقف يهوذا تحديدا لدى تساؤلات عديدة.. هل يجب على أى مواطن لكى يصل لمناصب دولية رفيعة أن يكون مستخدَما بكامل إرادته؟ أو أنه تتم السيطرة عليه أولا ثم لا يكون أمامه سوى السير فى الطريق القاتم؟! لكن فكرة الاضطرار تدحضها نماذج أخرى بقيت على ولائها لأوطانها رغم تبؤها لمناصب دولية ربما تفوق ما تبوأه يهوذا!
موقف هذا الرجل غير برىء.. لأنه عاش فى دول أوربية عديدة ويعلم تماما أن فكرة (اعتصام مواطن مسلح وسيطرته حتى على سنتيمتر مربع من الأرض) معناه أن تأتى قوة شرطة أو جيش مسلحة وتحمل هذا الشخص بسلاحه إلى جهة غير معلومة! يخضع لمحاكمات وقد يقضى باقى عمره فى السجن! لكن ماذا إن بادر هذا المعتصم المسلح تلك القوات بإطلاق النيران؟! يهوذا يعرف ما هو الموقف..يقتل وقتها رميا بالرصاص كأى (إرهابى)!
فكيف يعرف ذلك هناك ثم يحاول أن يجمل لنا الحرام الوطنى هنا؟! من أكثر الشخصيات التى استنفرت مشاعرى السلبية تجاه شخصية عامة..كان يمكنه أن يقدم لبلاده ولنفسه الكثير.. لكنه آثر الخيانة الصريحة.. ما حدث منه ليست معارضة سياسية..حين يقول عن إرهابيين مسلحين يحتلون مناطق من مصر أنهم (فصيل سياسى وطنى) فهو قطعا ليس بمعارض سياسى!
كان منطقيا أن يطل يهوذا علينا مع بدء هذه الموجة من استهداف مصر.. بدأ على استحياء منذ عدة أيام بحديثٍ مقتضب يمهد لدوره الجديد فى الهجمة الجديدة.. قال تعليقا على اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية (من يحدد النتيجة هم من يفرزون الأصوات وليس الناخبين!)
عبارة فى منتهى السفاهة وبها تحريض صريح يستبق العملية الانتخابية.. يشكك ويحرض وينفذ أوامر محددة! وانتظروا إطلالات جديدة.. لكنها إطلالات تقضى على آخر ما تبقى ليهوذا فى مصر! الغريب فى شخصية يهوذا أنه يعتقد أننا من متحدثى اللغة العربية بلهاء! يغلف حديثه بكلمات عن قيم يتوهم أنها ستجد لها أرضية صلبة هنا، ويتناسى أنه رجل سياسة محترف دولى وكان يتبوأ منصبا سياسيا حين غرس نصلا فى الجسد المصرى وكان ممن استعدوا على مصر من يعرف جيدا أنهم أعداٌ مخلصون لمصر فى عدائهم!
(6)
أكثر مشاهد الأيام الماضية إثارة هو ما يمكن أن أطلق عليه مصطلحا نُسب للشهيد السادات..وهو (الغباء السياسى) لبعض من قرروا أن يقدموا أنفسهم للمصريين على أنهم قادة معارضة مدنية! أى مرشح لمنصب سياسى رفيع أو حتى منصب تنفيذى رفيع يجب عليه أن يتحلى بحدٍ أدنى من شيئين، الأول هو معرفة تركيبة وطبيعة وتاريخ هؤلاء البشر الذين سيدعوهم للحصول على تزكيتهم لشغل هذا المنصب أو ذاك، والشىء الثانى مترتب على الأول وهو الفطنة السياسية التى تجعله يتحرى ما يتفق مع حقيقة تلك التركيبة البشرية فيفعله، وما يناقضها أو تنفر منه فيتجبنه! لكن تصرفات بعض من قرروا أن يتصدروا المشهد السياسى كمعارضين أو مرشحين محتملين لمناصب رفيعة، يثير الاستغراب والدهشة! فهل المستوى المعرفى أو حتى مستوى الذكاء الفطرى - لمن قرروا وضع أنفسهم فى هذه المواضع الكبرى – حقا بهذا المستوى المنخفض؟!
فمثلا قصة الاستقواء بالخارج بأى شكل وصورة ومشهد وكلمة قد ثبت يقينا أن المصريين لا يرفضونها فقط، بل يشمئزون منها وتستنفر كل حواسهم الرافضة وثير نفورهم من كل من التصق بهم هذا الاتهام حتى لو لم يكن حقيقيا! فمن أقل درجات الفطنة أن ينأى كل واحدٍ من هؤلاء بنفسه عن هذا الاتهام الكفيل بتدمير كل فرصه فى أى نجاح حتى قبل بدء السباق! ومن المفترض منطقا أن يبادر أىٌ منهم إلى تبرئة نفسه - أمام هذه الكتل البشرية التى يحتاج إليها – من هذا الاتهام وبقوة! عليه ألا يكتفى بثقة الدائرة الصغيرة المحيطة به – فى حال وجود هذه الثقة بشكل حقيقى – لأن ما يطمح إليه أكثر بكثير من تلك الكتلة الصغيرة!
تقريبا غالبية الوجوه السياسية التقليدية فى مصر تفعل ذلك سواء بشكل شخصى أو مؤسسى. لا تقبل شخصية مصرية معارضة أن يزج باسمها فى هذا الاتهام، كما لا يقبل أى حزب سياسى أو مؤسسة مصرية أن يقترن اسمها بهذا الاتهام!
لكننا نفاجأ بصورة عبثية..شخصية مصرية سياسية تحاول أن تثير ضجة حولها منذ فترة طويلة قررت ترشيح نفسها لمنصب سياسى هام، يخال إلىَ أن صاحب هذه الشخصية يحاول جاهدا لأن يكون بطلا حقيقيا لمشهد استقواء بالخارج! ولا أدرى إن كان هذا ناجما عن وجود علاقات مشبوهة بالفعل، أو أنه فقط يعرض نفسه لمن يريد أيمن نور جديد فى مصر ومستعد لدفع الثمن سواء مؤسسات أو دول أو جماعات أو حتى شركات! شخص يسوق لبيع نفسه خارجيا، لا لتقديم نفسه للشعب الذى ينتمى إليه!
سارت على نفس النهج شخصية سياسية أخرى، لكنها نسائية..حياتها السياسية - منذ أن تركت عملها كإعلامية فاشلة – مضطربة يكتنفها غموض شديد لنا كعامة، ولا يعرف المصريون حدود علاقاتها السياسية الدولية كشخصية سياسية! خلال متابعتى لأدائها السياسى طوال السنوات ماضية لا أراها فوق الشبهات! تعرف يقينا أنه لا حظ لها فى الترشح لأى منصب سياسى كبير. وليس ذلك بسبب صدق الإدعاء بإقصاء السلطة لها، ولكن وهى تعرف ذلك جيدا أن السبب هو أن المصريين قد وضعوها فى القائمة الشعبية السوداء، ولن يصوتوا لها، ليس لأنها امرأة، ولكن لتاريخها السياسى المريب أو مفتقد الشفافية!
لكن من وجهة نظرها لا يمكن أن تمر (سبوبة) الانتخابات السياسية دون مكاسب، فقررت هى الأخرى عرض نفسها فى فاترينة العرض الدولى! واستخدمت نفس الأسلوب والأدوات التى استخدمها صاحب الشخصية الأولى.. نفكر فى المقاطعة لعدم الثقة فى نزاهة العملية الانتخابية..تضييق على من يحاول توثيق توكيلات لنا..إلخ!
إننى أعتقد أن هذه الشخصية أو تلك قد قررت فقط أن تحصل على ما تستطيع الحصول عليه من المشهد، وأن كلا منهما يدرك تماما أنهما ملفوظان من غالبية الكتل التصويتية المصرية! فهم يدركون أكثر منا أن وسائل التواصل لن تكون صاحبة الكلمة فى حسم هذه الانتخابات! وأن الحسم سيكون بأيدى المصريين فى مدن وقرى ونجوع مصر، لذلك فقد قررا فقط أن يحصلان على ما يستطيعانه!
(7)
ظاهرة أخرى أود الإشارة إليها، وهى ديكتاتورية الأقلية السياسية فى ممارسة التعبير عن الرأى. فبدلا من التعبير عن رؤى سياسية معارضة وطرح أفكار بديلة، لاحظنا تعرض مؤيدى إدارة الرئيس السيسى ومن يتحمسون لانتخابه فترة جديدة لحملات دعائية بغرض تشويههم أو تسفيه رؤيتهم، خاصة إن كان هؤلاء المؤيديون من الشخصيات العامة مثل المنتمين لقطاعى الفن والإعلام. فعلى الرغم من أننا نعلم جميعا - الآن تحديدا – أن علاقات فنان أو فنانة مع منتجٍ هى على درجة أهم بكثير من علاقاته بسلطة سياسية! حتى مع وجود أعمال تنتجها الشركة المتحدة، لكن عمل أحد الفنانين بأحد هذه الأعمال لم يتم ربطه بأى موقف سياسى، وأن كل من أعلنوا مواقفهم المؤيدة للسيسى من الفنانين هم بالفعل نجومٌ فى الصف الأول ومنذ سنوات، وأن موقفهم السياسى ربما يكلفهم أكثر مما يفيدهم، رغم كل ذلك فقد لاحظتُ أن بعضهم تعرض للتسفيه والسخرية المباشرة من قبل شخصيات معروفة تعمل فى نفس القطاع!
ومن هؤلاء الذين تعرضوا لذلك الفنان كريم عبد العزيز، ولقد فاجأنى ذلك، لأنه من المفترض أن يكون لدى المبدعين مساحات لتقبل جميع الآراء مهما يكن اختلافها مع ما يعتقدون! أما أن يتحولوا إلى ما يشبه بجمهور الألتراس المراهق فى نظرته لمن يعارضهم، بينما تنهج ألسنتهم بعبارات وأوراد حرية الرأى والديمقراطية حين يتعلق الأمر بآرائهم السياسية، فهذا يعبر عن فقر أو فراغ فكرى كبير، وأن علاقات هؤلاء بالسياسة ليست إلا من قبيل الوجاهة والتصنع!
أما قطاع الإعلام، فحدث ولا حرج. فقد تعرض الإعلاميون المؤيدون لإدارة السيسى لحملات تشويه ممنهجة، خاصة من بعض رجال الأعمال فى بعض الأوقات، وكانت تلك الحملات جزءًا من رد فعل هؤلاء تجاه قيام الدولة ببعض الإجراءات التى كانت تتعارض مع مصالح بعض هؤلاء أو بالأدق ما كانوا يعتبرونه سابقا مكتسبات غير قابلة للمساس!
(8)
على المصريين أن يدركوا حقيقة ما يريد الطرف الآخر تحقيقه فى مصر فى هذه الفترة الحرجة حتى مرور الانتخابات. والطرف الآخر الذى أعنيه هو أعضاء هذه الموجة من استهداف مصر، سواء كان هؤلاء الأعضاء مصريين اسما وجنسية، مثل المنتمين للجماعة الخائنة أو مريديها المعلنين أو الذين صمتوا بعد ثورة يونيو ويعيشون بيننا، أو كانوا مؤسسات دولية أو أنظمة حكم إقليمية ودولية. إنهم أدركوا بشكل واقعى أنه فى حال حدوث الانتخابات بالفعل فستنتهى فرصتهم هذه، وعليهم الانتظار قسرا عنهم لمدة ست سنوات لإعادة المحاولة بهذه الصفاقة! فلا فرصة فى هذه الانتخابات لتمرير شخصية خاير بك أو الجلبى أو زيلنسكى! وهم على يقين أن هذا سيحدث بشكل حيادى تام وستكون انتخابات نزيهة تماما، وأن هذا سيحدث لأنها رغبة غالبية المصريين بالفعل، حتى إن هناك كثيرين ممن يتندرون على أسعار البصل والخضروات، حين سيقفون أمام الصندوق فسينتخبون السيسى! لأنهم يدركون داخليا أنه أكثر من عمل بضمير وأن لديه رؤية، فهم سيختارون بلادهم وليس فقط السيسى!
لذلك فهناك هدف سريع ناعم تقليدى يقوم به حاليا أعضاء هذا الطرف، وهو الضرب مقدما فى شرعية ونزاهة الانتخابات التى يدركون بشكل يقينى أنها نزيهة وأن المصريين سيحسمونها بشكل صادم لهذا المعسكر المعادى!
أما الهدف الأهم - والذى سيعملون بكل قوة على إتمامه..ولن يتم، لكن ربما تؤدى محاولاتهم لبعض مشاهد الارتباك – فهو محاولة خلق مشهد فوضى فى الشارع! هذا هو أملهم الوحيد..فرصتهم التى يعتقدون أنهم ربما يقدرون على النفاذ منها – حتى لوكانت فى حجم ثقب الإبرة - نحو الهدغ الأكبر وهو توسيع هذا المشهد وتمديده بأى ثمن! هذا المشهد الذى سيعملون على تحقيقه يجب على المصريين أن يدركوا خطورته، وأن يمنعوا حدوثه، بألا ينساقوا لأي مقدمات أو استفزازات ستكون متعمدة!
هناك فى الخارج من ينتظرون فقط لقطة لا تستغرق أكثر من بضع دقائق لكى تصبح هى (الهِد لاينز) فى بى بى سى عربى، وسى إن إن، والجزيرة وأخواتها! لقطة مطروح كانت بروفة ورأينا كم العبث التقنى والفنى باللقطة ومحاولة تضخيمها وتسويقها!
فطنة المصريين أن ينتبهوا لمحاولة استدراجهم لفخٍ، المقصود منه العودة بمصر إلى فوضى 2011م! قطعا قوة مصر الصلبة لن تسمح بهذا، لكن على المصريين أن يكونوا قد استوعبوا الدرس وألا يسقطوا فى هذا الفخ – حتى لو فى مشهدٍ واحد - حتى لا تتكلف مصر ثمنا جديدا باهظا، لأن الباطل والزيف سيكون سيلا جارفا وسيتحول أى مشهد لقيط إلى حلقات مسلسلة!
نعم لقد استوعب المصريون الدرس جيدا ولن يلقوا ببلادهم مرة أخرى إلى هذا التيه! ولقد رأوا من تاجر بآلامهم وربح من وراء تسويق معاناتهم، ومن بذل العرق ولم تخمد همته طوال السنوات السابقة فقط من أجل تخفيف هذه الآلام والمعاناة، ومن أجل بناء وطن عصرى حقيقى!
لقد استوعب المصريون دروس الدول المجاورة!
وقبل كل ذلك فطبيعة المصريين تأبى القبول بفكرة تصدير أى شخصية تخدعها أوهامها فتزين لها الوهم بأن مصر وطنٌ يمكن أن يُحكم من الخارج!