رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعم لا محدود ومواقف معلنة.. مسارات التحرك المصري في القضية الفلسطينية

توحيد الرؤى الفلسطينية
توحيد الرؤى الفلسطينية

ظلت مصر على مدار عقود الحاضن الأكبر لقضايا العرب الأشقاء، حيث سجل التاريخ مساهمات عديدة للدولة المصرية في إنهاء الأزمات في المنطقة العربية وإعادة الاستقرار، تكريسًا لدورها في محيطها العربي والإقليمي كدولة محورية ورئيسة في المنطقة العربية، وبما لها من ثقل إقليمي وعربي، وما يضيفه لها موقعها الجغرافي ودورها التاريخي.

وأكد محمد منصور باحث بالمرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن القضية الفلسطينية دومًا خلال كافة المراحل التي مرت بها المنطقة منذ عام 1948 حاضرة بقوة على مستويات عدة في الذهنية السياسية والشعبية المصرية، فمن جهة كانت الدماء المصرية أعوام 1948 و1956 و1967، وسيلة من وسائل دعم حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرض فلسطين بكل حرية وأمن، ومن جهة اخرى كانت المساندة السياسية الدائمة من جانب القاهرة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي المظلة الجامعة لكافة الفصائل الفلسطينية، خلال فترة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما تم تدشينه عبر مشاركة مصر في القمة العربية الثانية في الاسكندرية عام 1964، والتي رحبت بقيام منظمة التحرير الفلسطينية، واعتمدت قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطيني.

وأضاف أن الدعم المصري للقضية الفلسطينية لم يتوقف خلال السنوات التالية، واستمر هذا الدعم واتخذ أشكالًا أخرى، خاصة بعد أن دخلت منظمة التحرير في إطار عملية تفاوضية مع تل أبيب، بداية من اتفاقية “غزة-أريحا” وصولًا إلى اتفاقية أوسلو للسلام عام 1993، علمًا بأن مصر حاولت خلال تفاوضها مع إسرائيل لتوقيع اتفاقية “كامب ديفيد” أن توجد آلية لسلطة حكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، لكن حال غياب منظمة التحرير عن هذه الجهود حينها دون التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر خلال عامي 1979 و1980.

 دعم فلسطين من ثوابت السياسة المصرية

وقال إن الاهتمام المصري الدائم بالملف الفلسطيني على كافة المستويات تم التأكيد عليه بشكل مستمر خلال المراحل اللاحقة لتوقيع اتفاقية أوسلو، وصولًا إلى الواقع المعاش حاليًا، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة استمرار مصر في جهودها الدؤوبة تجاه القضية الفلسطينية؛ لكونها من ثوابت السياسة المصرية، ومواصلة بذل الجهود لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.

وقد تضمن التأكيد المصري المستمر أهمية هذا الملف إبراز المسارين الأساسيين اللذين يلخصان المقاربة المصرية الحالية للقضية الفلسطينية، الأول يرتبط بأهمية توحيد الجهود العربية والدولية لإعادة تنشيط الآليات الضالعة في مسار السلام في فلسطين على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والمسار الثاني يتضمن التحرك بشكل أكبر لإنهاء حالة الانقسام التي يعاني منها الكيان الفلسطيني، وتحريك مسار المصالحة الوطنية وبناء قواعد الثقة بين الأطراف الفلسطينية، وفقا للمرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

وأشار إلى أن مسار المصالحة الوطنية كان من أولويات مصر في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تولت مصر منذ نوفمبر 2002 رعاية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، عبر جولات متكررة استهدفت تحقيق الوفاق الفلسطيني، لكن أدت الأحداث التي شهدها قطاع غزة في يونيو 2007 إلى تكريس حالة الانقسام والخلاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، ودخل ملف المصالحة الفلسطينية في جمود شبه كامل خلال السنوات التالية، إلى أن اعادت القاهرة تفعيل هذا المسار في أبريل 2011 عبر استضافتها اجتماعًا ضم ممثلين عن حركة فتح وحماس،تم خلاله الاتفاق على بنود وثيقة للوفاق الوطني تم بحث آليات تنفيذها في ديسمبر 2011، خلال اجتماع استضافته القاهرة أيضًا للفصائل الفلسطينية.

 ضرورة توحيد الرؤى الفلسطينية 

وأكد أن  المساعي المصرية استمر لتفعيل هذا المسار الذي كلما تمت فيه خطوة أصابه الجمود مرة أخرى؛ إدراكًا من القاهرة أن توحيد الرؤى الفلسطينية هو المسار الوحيد الذي من خلاله يمكن إيجاد حلول دائمة للقضية الفلسطينية. وتكللت الجهود المصرية بالنجاح في أكتوبر 2017، عبر رعايتها اتفاقًا تاريخيًا للمصالحة الفلسطينية، وقعته حركتا التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس”، تم بموجبه الاتفاق على توحيد المؤسسات الحكومية وتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها كاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية.

وشدد على أن تضارب الرؤي الفلسطينية جعل مسار المصالحة يتباطأ مرة أخرى خلال السنوات اللاحقة، لذا حرصت مصر على إدامة التواصل المشترك بين الفصائل الفلسطينية، فقامت برعاية نحو 20 اجتماعًا منذ 2017، استهدفت توحيد الصف الفلسطينى، كان من أهمها جلسات الحوار الوطني الفلسطيني التي استضافتها القاهرة في فبراير 2021 وشارك فيها 14 فصيلًا فلسطينيًا هم من سبق لهم التوقيع على اتفاق المصالحة فى القاهرة عام 2011، وتناولت المباحثات في هذه الجلسات الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية التى تمت حول إجراء الانتخابات الفلسطينية.

مسار السلام وإيجاد حلول سلمية للقضية

وتابع: “ويبقى الاجتماع الأهم -بالنظر إلى التحديات التي شهدها الملف الفلسطيني على المستويين الميداني والسياسي خلال العامين الماضيين- هو الاجتماع الذي استضافته مدينة العلمين في يوليو الماضي، ليس فقط من أجل دفع مسار التواصل والتعاون والحوار بين هذه الفصائل، بل أيضًا لمواجهة تصاعد السياسات الإسرائيلية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية”.

وكانت  مصر تضع ضمن أولوياتها في هذا المسار إيجاد آلية يمكن من خلالها المحافظة على كيان منظمة التحرير الفلسطينية؛ بالنظر إلى كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت إيجاد آلية تسمح بضم فصائل فلسطينية أخرى إليها، بحيث يتم التوصل إلى آلية عملية لتوحيد كافة الفصائل على مستوى القرار والتوجه.

وعن بمسار السلام وإيجاد حلول سلمية للقضية الفلسطينية، دعمت مصر كافة المؤتمرات والمبادرات السلمية في هذا الصدد، ولا تزال تضع في سلم أولوياتها التحرك في هذا الصدد على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ضمن مسار “حل الدولتين”. 

وكانت مواقف مصر المعلنة من بعض المبادرات السلمية التي تم طرحها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة متسقة مع هذه القاعدة، ومن بينها المبادرة الأمريكية التي أُعلنت أوائل عام 2020 والمعروفة إعلاميًا باسم “صفقة القرن”، حيث دعت كافة الأطراف المعنية إلى الدراسة “المتأنّية” للرؤية الأمريكية في هذا الصدد، ثم عادت وأكدت دعمها الثابت والكامل للقضيّة الفلسطينيّة العادلة وللقيادة الفلسطينّية الشرعيّة، وإصرارها على إحلال السلام والتوصّل إلى تسوية تعيد للشعب الفلسطينيّ كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلّة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقيّة، وذلك وفق الكلمة التي ألقاها وزير الخارجيّة المصري سامح شكري خلال الاجتماع الطارئ الذي عقدته الجامعة العربيّة في فبراير 2020.