ردًا على حديث نواف التكرورى رئيس هيئة علماء فلسطين!
مقدمة لازمة..
قبل الخوض فيما قاله عددٌ من قيادات حماس ورئيس هيئة علماء فلسطين صباح هذا اليوم فى مداخلات تليفزيونية، لا بد من هذه المقدمة من قبيل التذكير فقط، لأنها حقائق تشبه قولنا إن الشمس تشرق من الشرق! لا يوجد مصرى واحد لا يؤيد حقوق الشعب الفلسطينى فى المقاومة حتى تحرير أرضه واسترجاع حقوقه المشروعة. ومصر فى أكثر من قرن من الزمان قدمت أثمن من تقدمه الشعوب تضامنًا مع حقوق الشعب الفلسطينى، وأن موقف مصر موقف راسخ وثابت ومبدئى، ومن ينكر ذلك فهو محض جاحد! لذلك كانت هذه المداخلات- وما ورد على ألسنة أشخاص من قيادات منظمة حماس أو من قدم نفسه بصفته رئيس هيئة علماء فلسطين من إسطنبول فيما يخص مصر تحديدًا وبعد دقائق قليلة فقط من هجمات المقاومة– يحتاج ردًا فوريًا وصريحًا!
ولمن يقول إن هذا ليس وقته ويجب توحيد الكلمة فى مساندة المقاومة المشروعة، أرد أنه كان من الأولى أن يفهم ذلك المقاومون أنفسهم والمتحدثون الرسميون للمقاومة! أنا كمواطن مصرى سمعتُ هذا الصباح ما يسىء لمصر، لا أجد أى حرج فى الرد المباشر على عبارات تهين الدولة المصرية والشعب المصرى وتوجه تحريضًا مباشرًا للمصريين ضد دولتهم!
(1)
قال نواف التكرورى عبارات صريحة لا تحتمل أكثر من معنى..(على شعوب الدول المجاورة لفلسطين أو غزة أن تخرج على دولها وأن تتوجه للحدود وأن تقوم بعمليات عسكرية لإجبار دولها على وقف التطبيع والانضمام للمقاومة لتحرير المقدسات..على شعوب التطبيع أن تراجع مواقفها.. لقد قالوا إن دوافعهم للتطبيع أن يستطيعوا أن يقدموا دورًا أهم من أجل فلسطين لأنهم سيتعاملون مع إسرائيل ويستطيعون تخفيف الضغط عن الفلسطينيين.. على شعوب الدول المجاورة لغزة أن تتمرد على أنظمة الحكم وتقوم بفتح الحدود ولا تكتفى بالمساندة بل تقوم بعمليات.. الأقصى ليس قضية فلسطينية فقط....) ثم كرر نفس المعنى قيادى من حماس اسمه حمادة الرقب.. لكن حديث من تم تقديمه بصفة رئيس هيئة علماء فلسطين كان أكثر وضوحًا وصراحة وحدة..
لماذا هذا الإصرار وبعد وقتٍ قصير من عمليات المقاومة على الزج بمصر دولة وشعبًا والتعريض بها؟! وما هو السيناريو المستهدف من هذا التعريض؟ هل هى مقدمة لما حدث فى آخر عهد مبارك حين تم التطاول على مصر ومحاولة اختراق حدودها؟! لماذا لا يتوجه قادة المقاومة بحديثهم للداخل الفلسطينى ويسعون لتوحيد الصف الفلسطينى والتوحد على جبهة مقاومة فلسطينية واحدة وقائمة أهداف ومطالب واحدة تعبر عن طموحات الشعب الفلسطينى؟! هذا الخطاب مشوه ومضلل وينحرف دائمًا بالبوصلة فى كل موجة مقاومة انحرافًا لا يصب إلا فى صالح الاحتلال الإسرائيلى؟!
(2)
إلى السيد نواف ومَن يسيرون على نهجه وينتهجون خطابه المعرض بمصر أقول.. إن مصر دولة ذات سيادة وقانون ودستور، وأنها حين اختارت طريق توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، فإنها لم تفعل ذلك إلا بعد خوضها حربًا شرسة دفع ثمنها أكثر من عشرة آلاف شهيد مصرى وحققت هدفها العسكرى ثم استعادت باقى أرضها فى معركة مفاوضات استغرقت سنوات، ولم يكن العدو ليتطوع بالتنازل عن كيلومتر أرض إلا لأنه كان مجبرًا على ذلك.. وحين قامت مصر بذلك استطاعت– بدماء أبنائها– أن توفر مقعدًا للشعب الفلسطينى لكى يبدأ طريقه فى استرداد أرضه، لكنكم رفضتم الجلوس عليه واتهمتم مصر باتهامات لا تنساها الشعوب، ثم بعد عقود من هذا الرفض ظللتم تركضون للحصول على نفس المقعد الذى دفعت مصر ثمنه دمًا، ولم تستطيعوا ذلك! مصر وقعت اتفاقيات دولية مستقلة تحقق مصالح الشعب المصرى، ولم توقعها وكالة عن أحد! رغم هذا التوقيع فلم تتوقف مصر عن مساندة حقوق الشعب الفلسطينى وكم من مرة ضخت شرايين الحياة للقطاع حين تخلى عنه جميع المزايدين من أصحاب الصراخ أمام كاميرات الصحفيين!
أى دعوات تحريضية للمصريين إنما هى تنكر صريح للدولة الوحيدة التى حرصت دائمًا على الإبقاء على هذه القضية على قيد الحياة! والمصريون ليسوا بهذه السذاجة.. لقد مضى عهد الاستخفاف بعقول المصريين عن طريق مداعبة مشاعرهم الدينية المتعلقة بالمقدسات إسلامية كانت أو مسيحية! ولن ينسى المصريون مشاهد الاحتفاء بسيارات مصرية تم نهبها من سيناء حين كانت مصر تواجه محنة! ولم ينسَ المصريون كل ما أحاط بهذه المحنة من مشاهدَ! هذا لا يعنى أن تدير مصر ظهرها لقضية الشعب الفلسطينى، لكن معناه أن المصريين قد حسموا خياراتهم، ووضعوا بلادهم فى المرتبة الأولى تعلو على ما سواها وتسبق أى خيارات أخرى! نساند مقاومتكم المشروعة وحقوقكم المشروعة، لكن نرفض بقوة أي محاولة للعبث بالأمن المصرى، أو المزايدة على بلادنا، أو محاولة استدراج مصريين إلى فخاخ التحريض ضد بلادهم!
حدود مصر مقدسة لن نسمح بالعبث بها مهما تكن الدعاوى، ومهما تكن الرايات المرفوعة! وأي محاولة للعبث بالشارع المصرى سوف يكون رد المصريين الشعبى هذه المرة قاسيًا!
(3)
الشعوب تخوض معارك استقلالها وتدفع الثمن حتى تنال هذا الاستقلال.. هذه هى الحقيقة.. يمكن للدول أن تساند حقوق أى شعب تحت الاحتلال، لكن تبقى مهمة المقاومة محلية خالصة! وقعت مصر تحت الاحتلال الإنجليزى العسكرى الذى كان يمثل قوة استعمارية كبرى.. انتهكت حرمات مصر ومقدساتها وسقط شهداء كُثر، فهل قاوم الاحتلال الإنجليزى شعوبٌ أو دولٌ أخرى مسلمة أو عربية؟! المساندة إنسانية وسياسية، لكن المعركة العسكرية هى شأنٌ خالص لكل شعب تحت الاحتلال! مصر ليست دولة خانعة أو ركعت على أقدامها تستجدى السلام أو التطبيع! مصر دولة مقاومة مجاهدة، قاومت وحاربت ودفعت الثمن وحصلت على استقلالها، وعلى الجميع أن يفعل ذلك!
المسجد الأزهر تعرض للانتهاك على أيدى جنود الاحتلال الفرنسى ولم تهب الشعوب المسلمة لتحرير مصر وقتها! فقط المصريون هم من ثاروا وقدموا ثمن تحرير مصر!
الذين يحرضون الشعوب الأخرى لخوض معركة تحرير فلسطين أولى بهم أن يوجهوا هذا الحديث والتحريض لمن وافقوا على حمل جنسية المحتل من الشعب الفلسطينى، يحيون كمواطنين إسرائيليين ويمارسون حقوقهم السياسية على هذا الأساس.. هؤلاء أولى بأن يغيروا مواقفهم وأن ينضموا لخندق المقاومة! الضفة وقطاع غزة أولى بهما أن يتحدا أولًا ويتوقفا عن الصراع السياسى وأن يوحدا الجهود الفلسطينية فى جبهة مقاومة واحدة كما كانت حين تأسست منظمة التحرير الفلسطينية وحتى انقسام الصف الفلسطينى وتأسيس منظمات الإسلام السياسى!
على السيد نواف وكل من يتصدى للمشهد الراهن أن يضبط عباراته حين يتحدث– تصريحًا أو تلميحًا- عن مصر، وأن يخوض معركته- التى اختار توقيتها- بشرف للنهاية، وأتمنى أن يكونوا قد أعدوا العدة جيدًا لردة الفعل الصهيونى على أهل غزة. نحن كمصريين نساندكم كما هى العادة دائمًا. لكن المصريين وبعد ما تعرضت له مصر فى العقد الأخير، قد فهموا كثيرًا من قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط، ولن يسمحوا بأى تطاول على بلادهم أو دولتهم! فلا تختبروا نضج الشعب المصرى الآن، ولا تخسروا مساندته الدائمة سعيًا خلف دعاوى مغرضة وعبارات شاردة هنا أو هناك! نحن مع فلسطين والشعب الفلسطينى، لكننا ضد من يتطاول على مصر!