الفقر.. المخدرات.. والفوضى
فعلًا، يمكن لهذه الدولة أو تلك أن تهدم بلدك، أو أى بلد، بأقل من ٣٠ مليون دولار، أو مليار جنيه، وبعض المخدرات، يتم توزيعها على مائة ألف محتاج، بائس أو يائس. ولهذا السبب أنفقت الدولة المصرية، خلال السنوات التسع الماضية، ٨٥ مليار جنيه لتحسين حياة «الأسر اللى مش حاسة إنها عايشة، والناس مرمية فى الصفيح فى الشوارع وفى المقابر»، بتعبير الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إحدى جلسات مؤتمر «حكاية وطن».
كان الرئيس يرد على المعترضين على قيام دولة «مش لاقية تاكل»، بفعل ذلك، ويؤكد أنهم لو كانوا يفهمون «يعنى إيه أمن قومى»، ما استكثروا قيامنا بما هو أكثر «عشان ما يبقاش عندك ثغرة» يمكن استخدامها فى هدم الدولة. وبوضوح أكثر، أضاف الرئيس: «ماحدش هيهاجمك كتير من بره بشكل مباشر، لأن ده تبعاته ضخمة جدًا ومكلفة جدًا، مش بس عسكريًا وماليًا، ولكن أيضًا من منظور القانون الدولى والنظام العالمى الموجود.. الناس نازلة تتظاهر وأنا بمليار جنيه أنزلهم ١٠ أسابيع ورا بعض، زى ما نزلوهم قبل كده».
الواقع يقول إن الأوضاع الصعبة التى عاشتها الشقيقة سوريا، مثلًا، قبل وخلال ما يوصف بالربيع العربى، سهّلت على تجّار الخراب، أن يجعلوها مرتعًا للإرهابيين، ومزرعة لتفريخ المرتزقة، وموطنًا لإنتاج نوع من الأمفيتامينات، معروف باسم «الكبتاجون»، كنا قد وصفناه فى مقال سابق بأنه «مخدر الإرهابيين المفضل». وسبق أن أكدت القوات المسلحة الأردنية أنها رصدت، خلال السنة الماضية، ١٦٠ شبكة تهريب تعمل فى مناطق الجنوب السورى، وأحبطت تهريب ١٦ مليون حبة مخدرة وأكثر من ١٧ ألف كف حشيش. ومع المخدرات، وتحديدًا مخدّر الإرهابيين المفضل، جرى تصدير آلاف الإرهابيين، المتعاطين، إلى ليبيا، وبعضهم ذهب إلى ناجورنو قره باغ أو أوكرانيا. وكانت الفصائل، التى ترفض إرسال عناصرها إلى هذه أو تلك، تتعرض لضغوط كبيرة، ويتم إيقاف الدعم عنها، حتى ترضخ. ويمكنك بقليل من البحث أن تجد مقاطع صوتية، يهدّد فيها بعض قادة هذه الفصائل بعدم إرسال المزيد من العناصر، اعتراضًا على تدنى، أو تأخر، الأجور!
سدًا للثغرات، أيضًا، ارتفع عدد المنشآت الطبية المرخصة للعلاج النفسى، الخاضعة لإشراف «المجلس القومى للصحة النفسية»، إلى ١٩٢ منشأة، وهناك ٣٠ أخرى جديدة جرت معاينتها، والأرقام من بيان أصدرته وزارة الصحة، أول أغسطس الماضى، عرفنا منه أن الوزير وجه «الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان»، بإجراء بحث ميدانى على مسببات الإدمان المستحدثة، وتشكيل لجنة لحصرها، وإعداد دليل إرشادى لمقدمى الخدمة الطبية بكيفية التشخيص والتعامل معها، مع دليل توعوى للمواطنين بمخاطرها.
مئات، بل آلاف الوقائع، أكدت العلاقة القوية بين الإرهاب وتجارة وتعاطى المخدرات. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة، إلى أن الرئيس وجّه، قبل إعداد «الخطة الوطنية الشاملة ٢٠٢٣-٢٠٢٧ لمكافحة المخدرات»، بضرورة التعامل مع هذه القضية، بشقيها الوقائى والعلاجى، من منطلق تنموى شامل يتضمن الجوانب الاجتماعية والثقافية والرياضية وكل الوسائل اللازمة لمواجهتها. وبالفعل، قام «البحث القومى للإدمان»، الذى أجرته «الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان»، بدراسة ظاهرة تعاطى أو سوء استعمال المخدرات، من خلال منهج علمى مقنن وموثق، فى مختلف المحافظات، بناءً على مسح شامل، تم إجراؤه بالتعاون مع صندوق مكافحة المخدرات والمعهد القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.
.. وأخيرًا، هناك دراسة، مثلًا، أعدها المعهد التونسى للدراسات الاستراتيجية، أكدت أن معظم الإرهابيين الذين عادوا من بؤر التوتر فى الخارج، كانوا يتعاطون مواد مخدرة. كما أكدت تقارير أمنية ليبية، أن معظم مَن يديرون تجارة المخدرات هناك، على علاقة بـ«داعش» و«القاعدة» و«الإخوان»، وغيرها من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بها، أو الخارجة من عباءتها. وهناك، أيضًا، تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، أكد أن الاتهام بالإرهاب يتم توجيهه إلى ٩٪ من الذين تحتجزهم الولايات المتحدة بتهمة الانتماء لمنظمات إرهابية دولية، بينما يواجه الباقون اتهامات أخرى، من بينها تعاطى أو حيازة أو تجارة المخدرات!