رفاهية مظلمة.. أفلام الجريمة تدمر الصحة العقلية لدى الأطفال والشباب
في عالمنا المعاصر، تشهد صناعة السينما تطورًا مذهلًا، وتنتج أعمالًا فنية تلامس مختلف الأذواق والميول والثقافات، ومن بين هذه الأعمال، تبرز أفلام الجريمة والإثارة والرعب، التي تجذب الملايين من المشاهدين، خاصة المراهقين، الذين يعشقون هذا النوع من السينما.
تُعد أفلام الجريمة والإثارة والرعب من أكثر الأنواع شعبية بين المراهقين، الذين يبحثون عن التشويق والمغامرة والهروب من الواقع، لكن كثيرًا لا يعلمون أن هذه الأفلام قد تكون مضرة بصحتهم العقلية.
هذا ما كشفت عنه دراسة حديثة نشرتها مجلة "Psychological Science"، وأجراها باحثون من جامعات بريطانية وأمريكية، بالتعاون مع شركة "Netflix"، التي تقدم خدمة بث الأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت.
الدراسة استخدمت بيانات من أكثر من 430 ألف مراهق تتراوح أعمارهم بين 10 و15 سنة، من 20 دولة مختلفة، وتتبعت سلوكياتهم واتجاهاتهم وصحتهم العقلية على مدى سنتين، بالاستعانة بالتطبيقات الذكية والسوارات الإلكترونية والاستبيانات.
هرمونات خطيرة
ووجدت الدراسة أن المراهقين الذين يشاهدون أفلام الجريمة والإثارة والرعب بشكل مفرط يعانون من زيادة في مستوى هرمون الدوبامين في الدماغ، وهو المسئول عن الشعور بالسعادة والمتعة. لكن هذا التأثير يكون مؤقتًا، وسرعان ما يزول، مما يجعل المراهقين يشعرون بالفراغ والاكتئاب، ويرغبون في مشاهدة المزيد من المحتوى المثير لإعادة تحفيز هذا الهرمون.
كما أظهرت الدراسة أن هذه الأفلام تسبب اضطرابات في نوم المراهقين، وتزيد من خطر التعرض للكوابيس والفزع، بالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه الأفلام إلى تخفيض مستوى هرمون الميلاتونين في الجسم، وهو المسئول عن تنظيم دورة السهارة والنوم، وبالتالي، يصبح المراهقون أكثر عصبية وضعفًا في التركيز وانخفاضًا في الأداء الأكاديمي.
وليس هذا فحسب، بل إن هذه الأفلام تؤثر سلبًا على صحة المراهقين الجسدية أيضًا، فقد أشارت الدراسة إلى أن مشاهدة المشاهد العنيفة والدموية تزيد من ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وإفراز الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في القلب والأوعية الدموية والجهاز المناعي.
من جهة أخرى، تقلل هذه الأفلام من التفاعل الاجتماعي للمراهقين، وتزيد من الانسحاب والعزلة، فبدلًا من قضاء وقتهم مع أصدقائهم وعائلاتهم، يفضلون البقاء في غرفهم ومشاهدة الأفلام على شاشاتهم، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس والشعور بالوحدة والقلق.
وفي ضوء هذه النتائج، حذر الباحثون من خطورة التأثيرات السلبية لأفلام الجريمة على الصحة العقلية للمراهقين، وأوصوا بضرورة تنظيم استهلاك هذا المحتوى، وتحديد مدة معينة لمشاهدته، وتجنب مشاهدته قبل النوم. كما دعوا إلى تشجيع المراهقين على مشاهدة أفلام أخرى تحمل رسائل إيجابية وتعزز من قيمهم وثقافتهم.
طِباع عدوانية
وفي السياق، تقول إخصائية الصحة النفسية والعقلية، الدكتورة هبة فوزي، إن الخطورة التي تهدد المراهقين الذين يشاهدون أفلام الجريمة بشكل مفرط هي أنهم قد يفقدون الاتصال بالواقع، ويصبحون أكثر عرضة للتأثر بالأفكار والسلوكيات السلبية التي تعرضها هذه الأفلام، فيصبحون أكثر عدوانية وعصبية ومتشائمة، ويتبنون مفاهيم خاطئة عن العدالة والقانون والمجتمع.
وتستطرد: "قد يصبحون أيضًا أكثر خوفًا وقلقًا من المخاطر والتهديدات التي قد تواجههم في حياتهم الحقيقية، ثم يفقدون الثقة بأنفسهم وبالآخرين، وهذا كله يؤدي إلى تدهور صحتهم العقلية والجسدية، وتضييع فرصهم في التطور والتعلم والابتكار".
وتنوّه "فوزي"، في حديثها لـ "الدستور"، إلى أن المبالغة في مشاهدة هذه الأفلام قد تؤدي إلى الإدمان والاكتئاب والأرق والعنف والانطواء، لذا يجب على المراهقين أن يكونوا حذرين وواعين بما يشاهدون، وأن يحافظوا على التوازن بين مشاهدة الأفلام وممارسة الأنشطة الأخرى التي تنمي شخصياتهم وصحتهم.
أما عن حلول هذه الأزمة، تؤكد إخصائية الصحة النفسية والعقلية أنها تتطلب تعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، وهي المراهقون والآباء والمعلمون والمختصون والمنتجون والموزعون للأفلام، فكل طرف له دور مهم في الحد من التأثيرات السلبية لأفلام الجريمة على الصحة العقلية للمراهقين.
وتضيف: "يجب على المراهقين أن يكونوا أكثر وعيًا ومسئولية بما يشاهدون، وأن يحددوا مدة معقولة لمشاهدة الأفلام، وأن يختاروا الأفلام التي تتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم وقيمهم، كما يجب عليهم تجنب مشاهدة الأفلام قبل النوم، وأن يحافظوا على نظام نوم صحي، بالإضافة إلى التواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم، ومشاركتهم آرائهم وانطباعاتهم عن الأفلام التي شاهدوها".
وتختتم: "من المفترض أيضًا على الآباء أن يكونوا داعمين وصادقين مع أبنائهم المراهقين، ويثقون بهم ويحترمون خصوصيتهم. لكن في نفس الوقت، يجب عليهم أن يكونوا حذرين بالخطورة التي قد تترتب على مشاهدة بعض الأفلام. فعليهم أن يتابعوا نوعية المحتوى الذي يشاهده أبناؤهم، ويحددون قوانين وضوابط للاستخدام الآمن للإنترنت".