"اذهب يا أعمى".. لماذا غضب طه حسين من لجنة تحكيم الأزهر؟
خصصت المؤسسات الثقافية عام 2023 لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي ملئ الدنيا علمًا، وتناولت عشرات الأقلام سيرته ومسيرته الأدبية.
ومن ضمن من كتبوا عن عميد الأدب اللواء حمدى البطران كتاب "طه الذي رأى" فقد كشف لنا الكثير من الأسرار الدقيقة عن حياته.
بداية دراسته للأدب
فقال البطران": كان طه حسين يحب الأدب منذ صغره، ومما زاد في ميله اكتشافه للأدب، كَلَونٍ آخر من ألوان المعرفة يختلف كثيرًا عن العلوم الشرعية والنحو والبلاغة وغيرها، مما كان ملزمًا بها الأزهري، إذ بدأ في فترة الراحة وهي الضحى، بحضور حلقة لأحد المشايخ كان يدرّس فيها كتاب الكامل للمبرد.
وأضاف البطران، وفي إحدى المرات وهو يجادل شيخه الذي كان يدرسه البلاغة رد هذا الشيخ على طه حسين قائلًا: دعْ عنك هذا يا بني، فإنك لا تحسنه وإنما تُحسن هذه القشور التي تقبل عليها في الضحى، فأمّا اللباب فلم تُخلق له ولم يخلق لك.
وتابع: أقبل اليوم المنشود، وتم إعلان طه حسين بعد درس الفقه، أنه سيذهب إلى الامتحان في حفظ القرآن توطئةً لانتسابه إلى الأزهر، خفقَ قلبه واضطربت نفسه أشد الاضطراب وخاف خوفًا شديدًا. لأنه لم يقرأ القرآن الكريم، ولم يفكر في تلاوته ولا مرة منذ أن جاء إلى الأزهر.
لجنة تحكيم حفظ القرآن
واستكمل البطران: عندما ذهب إلى اللجنة، زال عنه الخوف، وحلّ محله نوع قاسي من الحسرة والألم، كان طه حسين في انتظار انتهاء أعضاء اللجنة من امتحان الطالب الذي أمامهما، عندما سمع أحد أعضاء اللجنة يناديه قائلا: أقبِل يا أعمى.
ولولا أن أخاه رفعه من ذراعه، لأعلى وساعده على النهوض، ما صدّق أن تلك الدعوة وُجهت إليه، فقد تعوّد من أهله الرفق، وتجنّب ذكر عاهته، ولم يُسمح قط لأحد أن يناديه بتلك الصفة إلا هنا في الأزهر.
ومع ذلك فقد جلس أمام لجنة الممتحنين، وطلبوا منه أن يقرأ سورة الكهف، فلم يكد يقرأ من آياتها شيئًا، حتى طلبوا منه أن يقرأ سورة العنكبوت، وبينما هو يمضي في القراءة سمع صوت أحدهم يقول له: انصرف يا أعمى، فتح الله عليك.
وقد دُهش الصبي لهذا الامتحان، الذي لا يصور شيئًا، ولا يدل على حفظ، وقد كان ينتظر على أقل تقدير أن تمتحنه اللجنة، مثل ما كان يمتحنه أبوه الشيخ ولكنه انصرف راضيًا عن نجاحه، ساخطًا على الممتحنين له بقولهم (يا أعمى) الأمر الذي صدم مشاعره فلم يكن يألف أو يحب أن يناديه أحدٌ بذلك.
معصم سوارًا من الخيط
اقترب منه أحد الفرّاشين، فوضع حول معصمه سوارًا من الخيط معقودًا بالرصاص. وقال له: انصرف فتح الله عليك، لم يفهم طه حسين سبب وجود هذا السوار حول معصمه، ولكن شقيقه أفهمه أنه سيظل حول معصمه أسبوعًا كاملا حتى يمرُّ أمام الطبيب الذي سيكشف عليه، ويقدر عمره، ويعطيه التطعيم الواقي من الجدري.
سن طه حسين عند دخوله الأزهر
وجاء يوم الاختبار الطبي، وكان يخشى أن يدعوه الطبيب كما دعاه عضو لجنة الامتحان، ولكن الطبيب لم يناديه، ودفعه شقيقه أمام الطبيب فامسك ذراعه، وخط فيها خطوطًا ثلاثة، ثم قال: خمسة عشر.
وأصبح طه حسين منتسبًا للأزهر، ولم يكن قد بلغ السن التي ذكرها الطبيب، وإنما كان في الثالثة عشرة، وفكّوا عن معصمه سوار الخيط، وعاد إلى غرفتِه في نفسه شكٌّ مؤلمٌ ولذيذ في أمانة الممتحنين وصدق الطبيب.
وكانت الحياة في الأزهر، في فترة انتساب طه حسين إلى الأزهر شاقة وعسيرة عليه وعلى شقيقه، كانت شهيته مفتوحة للدروس، يلتهمُ ما يُلقي عليه من دروس، وينتظر الجديد.