حكاية وطن.. كتاب يرصد كيف حققت الدولة نجاحا ملموسا فى تعزيز حقوق الإنسان
استعرض كتاب "حكاية وطن.. بين الإنجاز والواقع" مضـي مصـر قدمـا فـي تعزيـز حقـوق الإنسـان، بمـا يتوافـق مـع المعاييـر الدوليـة، وحققـت نجاحـا ملموسـا لتعزيـز واحتـرام حقـوق المواطنيـن المصريين، سـواء أكانت حقوقــا سياســية مدنيــة، أو حقوقــا اقتصاديــة واجتماعيــة وثقافيــة، وأيضــا حقــوق المـرأة والشـباب وكبـار السـن والفئـات الخاصـة.
وقـد تـم ذلـك مـن خـلال مـا يلـي:
- البنيــة التشــريعية:
جــاء دســتور 2014 معبــرا عــن حقــوق المواطنيــن ووضــع الضمانـات للوفـاء بهـذه الحقـوق، فأكـد أن النظـام السياسـي يقوم علـى احترام حقـوق الإنسـان وترسـيخ قيـم المواطنـة والعدالـة والمسـاواة، ونـص علـى أن تلتـزم الدولـة بالاتفاقيـات والعهـود والمواثيـق الدوليـة لحقـوق الإنسـان التـي تصـدق عليهـا مصـر، وتصبـح لهـا قـوة القانـون بعـد نشـرها.
وتضمنـت البنيـة التشـريعية العديـد مـن الضمانـات الواجبـة لتعزيـز حقـوق المواطنيـن مـن خـلال إدخــال التعديــات علــى التشــريعات القائمــة واســتحداث الجديــد بمــا يتماشــى مــع طبيعــة الظــروف، تحــت قاعــدة أساســية تبنتهــا الدولــة الحديثــة، وهــي احتـرام وتعزيـز حقـوق المصرييـن.
- البنيـة المؤسسـية:
من خلال إنشـاء اللجنـة العليا الدائمة لحقوق الإنسـان في نهايـة عـام 2018 والتى مثلت إضافة مهمـة لجهـود تعزيـز البنيـة المؤسسـية الداعمـة لاحتـرام وحمايـة حقـوق الإنسـان فـي مصـر، ولتعزيـز تنفيـذ الالتزامـات الدوليـة والإقليميـة لمصـر فـي ملفهـا الحقوقـي. وترتكـز "اسـتراتيجية التنمية المسـتدامة رؤيـة مصـر 2030" التـي تعتمـد عليهـا البنيـة المؤسسـية علـى إعمـال الحقـوق الأساسـية للمواطـن بوصفـه جوهـر العمليـة التنمويـة.
- التخطيـط الاسـتراتيجي:
تـم إطـلاق أول اسـتراتيجية وطنيـة متكاملـة لحقـوق الإنســان فــي ســبتمبر 2021، والتــي مثلــت خطــوة كبيــرة للأمــام؛ إذ تشــتمل علــى برنامــج وخطــة عمــل محــددة علــى مــدار 5 ســنوات مــن عــام 2021 حتـى 2026، وتسـتهدف تعزيـز كل حقـوق الإنسـان: المدنيـة، والسياسـية، والاقتصاديــة، والاجتماعيــة، والثقافيــة، بجانــب تعزيــز حقــوق المــرأة والطفــل وذوي الإعاقــة والشــباب وكبــار الســن.
وانعكس ذلك على المنظومة الحقوقية في مصر من خلال ما يلي:
الحقوق السياسية والمدنية:
- دعـــم المســـاواة بيـــن الجنســـين بتمكيـــن المـــرأة فـــي مختلـــف القطاعـــات علـــى النحـــو المبيـن ســـلفا.
- ضمـان الحـق فـي الحريـة الشـخصية وتعزيزهـا مـن خلال إنهـاء حالـة الطـوارئ فـي أكتوبـر 2021، وإعـادة تفعيـل لجنـة العفـو الرئاسـي وتوسـيع قاعـدة عملهـا بالتعـاون مـع الأجهـزة المختصة ومنظمـات المجتمع المدنـي المعنية، والإفراج مـن خلالهـا عـن أكثـر مـن 1500 سـجين حتى مايـو 2023،بمـا عكس وجـود إرادة سياسـية لإنهـاء ملـف المحبوسـين، والعمل علـى إعادة دمجهم فـي المجتمع، وعكـس الرغبـة الحقيقيـة من الدولة للمضي قدما نحو إرسـاء حالة من التصالح المجتمعـي الـذي يعـزز مسـيرة التنميـة والإصلاح نحـو الجمهوريـة الجديـدة.
- تغييـر الفلسـفة العقابيـة للسـجناء وإحـداث تطويـر شـامل لمنظومـة السـجون بتحويلهــا إلــى مراكــز إصــاح وتأهيــل وتغييــر مســمى الســجناء إلــى نــزلاء، مـع تطبيـق خطـط إعـادة تأهيـل تتضمـن برامـج متكاملـة تشـمل الاهتمـام بالتعليــم وتصحيــح المفاهيــم والأفــكار، وضبــط الســلوكيات، وتعميــق القيــم والاخلاقيات، وصولا لتحصيــن النزيــل مــن الانحــراف مــرة أخــرى، وتقديــم الرعايــة الاجتماعيــة للنــزلاء وأســرهم أثنــاء وبعــد فتــرة عقوبتهــم.
- كفالـة حريـة الديـن والمعتقـد والتأكيـد علـى المسـاواة واحتـرام وقبـول الآخـر ورفــض التمييــز ونبــذ العنــف والكراهيــة، وذلــك مــن خـلال مجموعــة واســعة مــن البرامــج مــن جانــب المؤسســات الدينيــة، وتعزيــز الشــراكة بينهــا وبيــن وزارات التربيـة والتعليـم والتعليـم العالـي والشـباب والرياضـة؛ فضـلا عـن إقـرار قانـون بنـاء وترميـم الكنائـس عـام 2016 ً والـذي أنهـى عقـودا مـن مشـكلة بنـاء الكنائـس فـي مصـر.
- اسـتكمال مناقشـة أوجـه القصـور فـي العمـل الحقوقـي المصـري مـن خـلال لجنــة حقــوق الإنســان بالحــوار الوطنــي، والتــي تضــع علــى أجندتهــا قضايــا مهمــة لــم يتــم البــت فيهــا حتــى الآن بشــكل جــذري، مثــل قضايــا الحبــس الاحتياطــي، ووضــع قانــون حريــة تــداول المعلومــات، فضــلا عــن قضايــا حريــة الـرأي والتعبيـر التـي علـى الرغـم مـن كونهـا مضمونـة وفقـا للمـادة 65 مـن الدسـتور وعلـى النحـو الـذي رسـخته الاسـتراتيجية الوطنيـة لحقـوق الإنسـان، لا تــزال تواجــه مجموعــة مــن التحديــات والعقبــات.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك من خالل ما يلي:
- تعزيــز الحــق فــي الصحــة والتعليــم مــن خــلال تحســين المنظومتيــن الصحيــة والتعليميــة علــى النحــو المبيــن ســلفا.
- دعـم الحـق في الحمايـة الاجتماعية من خلال تعزيز العدالـة الاجتماعية والحماية مـن مخاطـر الأزمات الاقتصادية العالمية على النحو المبين سـلفا.
- دعـم الحـق فـي مسـتوى معيشـي لائـق مـن خـلال البرامـج التنموية الشـاملة علـى المسـتويات المناطقيـة والقطاعيـة المختلفـة، فضـلا عـن مبـادرة حيـاة كريمـة التـي تمثـل أهـم تدخـل تنمـوي فـي مصـر خـلال السـنوات الماضيـة، وكذلــك مــن خــلال تدخــلات المجتمــع المدنــي وخاصــة مــن خــلال التحالــف الوطنـي للعمـل الأهلـي التنمـوي.
- دعـم الحـق فـي الغـذاء حسـب المـادة 79 مـن الدسـتور، مـن خـلال المشـروعات المختلفــة الهادفــة إلــى تحقيــق وصــون الأمــن الغذائــي للمواطنيــن رغــم الأزمــات الدوليـة، علــى النحـو المبيــن سـلفا.
- تحقيــق العدالــة الثقافيــة مــن خــلال تنفيــذ الأنشــطة الثقافيــة والفنيــة المتنوعــة ووصولهــا إلــى كل المواطنيــن فــي مختلــف أنحــاء الجمهوريــة، تحــت شــعار "الفنــون والثقافــة للجميــع" وتنفيــذ مشــروعات ثقافيــة متنوعــة بلغــت نحــو 162 مشــروعا بتكلفــة نحــو 6.3 مليــارات جنيــه.
- دعـم حقـوق القادريـن باختـلاف وفقـا للمـادة 8 مـن الدسـتور، وذلـك مـن خلال بيئـة تشـريعية ومؤسسـية داعمـة، وإطـلاق المبادرة الرئاسـية لدمـج وتمكين متحــدي الإعاقــة، وإنشــاء المجلــس القومــي لشــئون الإعاقــة، وتأســيس صنـدوق "عطـاء" لتقديـم الدعـم المـادي لهـم، ووضـع معاييـر لضمـان جـودة الخدمـات المقدمـة لهـم بكل المنشـآت الحكوميـة والسـكنية، ودعـم مراكـز اكتشـاف ورعايـة الموهوبيـن رياضيـا مـن القادريـن باختـلاف، وتحسـين الفـرص التعليميـة المقدمـة لهـم وتحقيـق الدمـج التعليمـي.
- تعزيـز ودعـم المجتمـع المدنـي والعمـل الأهلـي مـن خـلال قانـون الجمعيـات الأهليــة رقــم (149) لســنة 2019 الــذي مثــل خطــوة لإعــادة صياغــة العلاقــة بيـن الدولـة والجمعيـات الأهليـة علـى أسـاس مـن الشـراكة الحقيقيـة والثقـة المتبادلــة بيــن الطرفيــن؛ لدعــم خطــط التنميــة المســتقبلية بمــا يضمــن تحقيـق التـوازن الـلازم بيـن حريـة العمـل الأهلـي المسـئول ومقتضيـات الأمـن القومــي، بمــا يــؤدي إلــى تعزيــز الهويــة المصريــة والحفــاظ علــى الاســتقرار والأمــن الاجتماعــي والمشــاركة المجتمعيــة واحتــرام حقــوق الإنســان.
وذلـك كلـه فـي إطـار أن تعزيـز حقـوق الإنسـان عمليـة مسـتمرة وتراكميـة الأثـر، ولا تظهــر نتائجهــا إلا بشــكل متــدرج، ومهمــا بــذل مــن جهــد أو تحقــق مــن إنجــاز فـي هـذا المجـال فإنـه وفقـا للسـرعة التـي يعيـش فيهـا العالـم فإنـه يحتـاج للمزيد والمزيــد مــن الجهــد، وتظــل هنــاك تحديــات تتعلــق بتمتــع الجميــع بحقوقهــم وحرياتهــم الأساســية، وهــو الأمــر الــذي يســتلزم بــذل المزيــد مــن الجهــد للتغلــب علــى التحديــات المتراكمــة وتحقيــق أكبــر قــدر مــن الحريــة.
وعلــى أســاس مــا ســبق، تبــدو مصــر فــي إطــار عمليــة إعــادة بنــاء الدولــة، وقــد تحركـت فـي اتجـاه الرؤيـة الشـاملة للحقـوق السياسـية والاقتصاديـة والاجتماعيـة، فالدولـة المصريـة تـدرك أن كفالـة المسـاواة وتكافـؤ الفـرص للجميـع فـي مجتمـع أكثـر عدالـة يتطلـب نقلـة نوعيـة فـي كفالـة الحقـوق والحريـات الأساسـية، والتأكيـد علـى مبـادئ المواطنـة وسـيادة القانـون، خاصـة أن اسـتراتيجية التنمية المسـتدامة 2030 ترتكـز علـى أن إعمـال الحقـوق الأساسـية هو محـور عملية التنمية فـي البلاد.
تــرى الدولــة المصريــة أيضــا، بحســب مــا جــاء فــي الاســتراتيجية الوطنيــة لحقــوق الإنسـان، أن إعمـال كافـة الحقـوق يحتـاج إلـى نقلـة نوعيـة كبيـرة علـى المسـتويات التشــريعية والتنفيذيــة والمؤسســية، مــع إدراك أن حمايــة الحقــوق هــي عمليــة تراكميــة ومســتمرة، ولا تظهــر نتائجهــا إلا بشــكل متــدرج، وهــي عمليــة لا تبلــغ الكمــال وتظــل تحدياتهــا قائمـة.
ولذلك من المتوقع أن يستكمل هذا المسار من خلال ما يلي:
1- تحقيــق تكامــل بيــن المســارات الثلاثــة للاســتراتيجية الوطنيــة، وهــي:
مســار التطويــر التشــريعي، مســار التطويــر المؤسســي، ومســار التثقيــف وبنــاء القــدرات؛ فبــدون تكامــل تلــك المســارات، لا يمكــن الوصــول إلــى مقاربــة متكاملــة، فإدخــال تشــريعات جديــدة تتماشــى مــع التحــولات القائمــة فى مقاربة الحقوق يستلزمه تحول ســريع فــي التنفيــذ علــى المســتوى المؤسسى فــي، وبـدوره لـن تكـون التشـريعات الجديـدة ذات قيمـة مضافـة مـا لـم تترجـم إلـى عمـل مؤسسـي يسـتلزمه نشـر ثقافـة حقـوق الإنسـان وتكامـل الحقوق الأساسية، ورؤية إصــلاح الجهــاز الإداري، وصــولا إلى معايير فائقة للحكـم الرشـيد، وتحقيـق رضـا المواطنيـن عـن الخدمـات المقدمـة لهـم، وأيضـا تفعيــل مســار التثقيــف وبنــاء القــدرات لوصــول مســار التطويــر المؤسســي إلــى المســتهدف منــه.
ويرتبــط بمســار التثقيــف وبنــاء القــدرات مواجهــة التحــدي الخــاص بالحاجــة إلــى تعزيــز ثقافــة حقــوق الإنســان، فــلا يمكــن نشــر ثقافــة حقــوق الإنســان علــى مســتوى مؤسســات الدولــة والمجتمــع بشــكل أوســع بـدون مناهــج للتدريــب والتثقيــف تطبــق المعاييــر العالميــة فــي شــأن الحقــوق الأساســية، علـى أن تشـمل المعالجـة مواجهـة شـاملة للموروثـات الثقافيـة الخاطئـة التـي تعرقـل وصـول الإصلاحـات الجديـدة إلـى مبتغاهـا بشـكل كامـل، وتسـتخدمها مجموعـات مصالـح لعرقلـة التحـول نحـو مجتمـع أكثـر عدالـة وإنفـاذا للحقـوق الشــاملة.
أيضــا، تشــكل عمليــة رفــع قــدرات الكــوادر الوطنيــة فــي قطاعــات الدولة ركنا مهمـا فـي مهمـة التثقيـف والتدريـب باعتبـار جهـاز الدولـة يمثـل الدولـة الأداة الرئيســة فــي إنفــاذ الحقــوق الأساســية للمواطنيــن.
2- قيـام المجتمـع المدنـي بـدور فاعل فـي المسـارات الثلاثة السـابقة باعتباره شريكا أصيلا للدولـة فـي عمليـة التنميـة الشـاملة، وهـو دور لـن يتحقـق بـدون زيـادة فاعليـة القنـوات المؤسسـية وإشـراك مؤسسـات التدريـب المدنيـة فــي عمليــة تأهيــل مســتمرة لرفــع قــدرات العامليــن، وإطــلاق عمــل تلــك
المؤسسـات فـي المجتمـع الأهلي بمـا لا يتعارض مع رؤية حمايـة المجتمع من الاتجاهـات المتطرفـة أو الترويج لقيم لا تتوافق مـع القيم الاجتماعية والثقافية المتفـق عليهـا فـي المجتمـع المصـري، ذلـك بالإضافـة إلـى العمل مـن خلالها علــى نشــر ثقافــة حقــوق الإنســان والتعريــف بالحقــوق الأساســية وتكاملهــا.
3- الاســتمرار فــي الإصــلاح السياســي وتوفيــر الســياق السياســي الملائــم وانفتــاح المجــال العــام، بوصفهــا شــروطا أساســية لإعمــال الحقــوق المدنيــة والسياســية والاقتصاديــة والاجتماعيــة، خاصــة مــع تنامــي الوعــي العــام بالحقــوق الأساســية لكل المواطنيــن.