أبرزها "انحيازه للفقراء".. القيم الاجتماعية لدى الرئيس جمال عبدالناصر
جمال عبدالناصر، الرئيس المصري الأسبق، والذي يتزامن تاريخ اليوم مع مرور خمسين عامًا على رحيله، ولكنه ما زال - ومن داخل قبره - يثير الجدل والنقاش، وربما أيضًا المعارك على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط في ذكري ميلاده ورحيله، ولكن مع ذكري قيام ثورة 23 يوليو 1952، وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي، وحزمة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أنجزها في عهده القصير.
جمال عبدالناصر، مفجر ثورة يوليو، ومؤسس تنظيم الضباط الأحرار الذين قاموا بها، لم تقف ثوريته والحراك الذي حققه على مصر فقط، بل تعداها إلى الدائرة الإقليمية بما فجره من حركات التحرر الوطني، وكان ملهمها، بل وصل إلى العالمية، فألهم دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا أيضًا بالتحرك من أجل نيل حريتها من الاستعمار العالمي.
- لمصر لا لعبدالناصر
في كتابه "لمصر لا لعبدالناصر"، يقدم الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، شهادة تاريخية عن الزعيم جمال عبدالناصر، وما حققه للشعب المصري، والحملة المسعورة التي شُنت ضده وضد إنجازاته عقب رحيله، وماذا وراء هذه الحملة ومن وراءها؟.
كما يتناول "هيكل" في كتابه والذي ربطته علاقة تاريخية وثيقة بـجمال عبدالناصر، تفكيك الافتراءات التي قيلت في حق الزعيم الخالد، والأثر الذي تركه في المنطقة العربية، وصدام عبدالناصر مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقات الوطيدة مع الاتحاد السوفيتي، فضلًا عن حديثه عن نكسة يونيو 1967.
- القيم الاجتماعية لدى جمال عبدالناصر
ويشير "هيكل" إلى أنه ليس بصدد - هدفه من تأليف الكتاب- الدفاع عن جمال عبدالناصر، فالرجل بما أعطته له الجماهير المصرية، وبمكانته التي ما زالت موضع تقدير، في غني عن دفاعه - هيكل - أو دفاع غيره عنه.
يقول "هيكل": ولعلي، لا أتجاوز إذا قلت إنني واحد من الذين لا يعطون لأحد شرف تبرئته قبل أن يعطوا لأحد حق اتهامه، والزاوية التي تغريني، هي الزاوية الاجتماعية، أقصد سلوك عبدالناصر على ضوء مجموعة القيم التي آمن بها، والتي طبعت نمط حياته، واتجاهات سياساته وتصرفاته اليومية.
- انحياز جمال عبدالناصر للفقراء
ويوضح "هيكل" متسائلًا: لمن انحاز جمال عبدالناصر اجتماعيًا؟ هل كان انحيازه للأغنياء أو كان انحيازه للفقراء؟ إن أعدى أعداء جمال عبدالناصر لا يكفون عن اتهامه بالحقد على الأغنياء، ويعزون كثيرًا من سياساته إلى هذا الحقد الذي يتصورونه.
ويستطرد "هيكل": لم يكن جمال عبدالناصر حاقدًا، ولكنه كان يرى الغنى الفاحش وسط الفقر المدقع جريمة لا تغتفر، وهكذا جعل هدفه الذي لا يحيد عنه تذويب الفوارق بين الطبقات، ولو أنه وجد نفسه من الأغنياء ـ أو أوجدت مطامعه بينهم- لاختلفت تصرفاته، ذلك أن كل إنسان حريص على مصالح الطبقة التي ينتمي إليها، أو حتى تلك التي يتطلع يومًا للانتماء إليها، أي أن الذي يريد الثروة لنفسه يؤمن الثروة لغيره، والذي يسعى إلى توسيع ملكيته الخاصة- وذلك على أساس أي غني - لا يمسح لنفسه أن يبتدع مبدأ التعرض للملكية الخاصة أو المساس بحقوقها.
ويشدد "هيكل" على أنه: إذا كان جمال عبدالناصر قد تعرض لأموال الأغنياء لصالح الفقراء، وإذا كان قد تعرض لملكية من يملكون لصالح الذين لا يملكون - إذن فإننا نستطيع أن نتصور ببساطة أن جمع الثروة والحرص على الملكية التي تتراكم فيها الثروة، لم يكونا بين مجموعة القيم الاجتماعية التي آمن بها في حياته أو لحياته.
ــ أفخر طعام كان يتصوره جمال عبدالناصر
وعن فلسفة جمال عبدالناصر عن الثروة والغني والملكية الخاصة والقيم الاجتماعية التي آمن بها وفي القلب منها الانحياز للفقراء، وكيف انعكست هذه الفلسفة وتجلت في نمط حياته اليومية يضيف "هيكل": لم تكن للرجل - وهذه حقيقة عرفها كل الذين خالطوه في مصر أو في العالم العربي أو في الدنيا الواسعة كلها شهوة شراب أو طعام.
وكان أفخر الطعام عنده على حد تعبيره "لحمًا وأرزًا وخضارًا" و"ماذا يأكل الناس غير ذلك؟"، كان تساؤله ذلك مشوبًا بالدهشة والاستغراب حينما كنت أقول له في بعض المرات مداعبًا "أن الدنيا تقدمت ومع التطور تطور المطبخ ولم يعد الطعام وسيلة للشبع، ولكنه أصبح فنًا من فنون الحياة"، وكان ذلك في رأيه تجديفًا يكاد أن يقترب من الكفر بنعمة الله.
-عمل متصل ليل نهار
وعن المتعة في حياة جمال عبدالناصر، يمضي محمد حسنين هيكل في حديثه مضيفًا: كان نهاره وليله عملًا متواصلًا، وكانت لمسة الترف في نهاره حينما يجلس للعمل في مكتبه وتسجيلًا لأغنية من أغاني أم كلثوم يدور وراءه خافتًا في خلفية جو عمله، وكانت لمسة الترف في الليل ذهابه إلي قاعة السينما في بيته يشاهد فيلمًا أو فيلمين قبل أن يأوى إلى فراشه.
وكانت مقاطعته للحياة الاجتماعية في القاهرة مشهورة، وأتذكر أنني ناقشته في عزلته كثيرًا، وكان رده: إلى أين أذهب؟ ومع من أختلط؟ إن الذين يستطيعون دعوة رئيس الجمهورية هم القادرون، وهم يعرفون وأنا أعرف أن أفكاري تختلف عن أفكارهم، فلماذا أعذبهم وأعذب نفسي؟.