"أنت لست جوارديولا".. كيف يستفيد "أوسوريو" من دروس الواقعية لإنقاذ الزمالك؟
«لقد قمنا بفترة إعداد قصيرة هذا الموسم، لكن مانشستر سيتى فعل ذلك أيضًا»، بهذه الكلمات حاول الكولومبى خوان كارلوس أوسوريو، المدير الفنى للزمالك، تبرير تعثره الأخير بالتعادل مع المقاولون، بعدما تعادل قبلها مع بيراميدز فى افتتاح مشوار بطولة الدورى الممتاز.
ورغم أن الإسبانى بيب جوارديولا نفسه قد شكا، فى تصريحات مكررة، من قلة وقت الإعداد ووقت الراحة بالنسبة لفريقه فى كل موسم، فإن «أسوريو» يبدو منعزلًا عن واقعة «السيتى» وواقعنا، وعما يدور حوله تمامًا.
مانشستر سيتى هو أكثر فريق يلعب مباريات فى كل موسم، وبالموسم الأخير وصل لكل النهائيات فى كل البطولات، وكانت رحلته شاقة للغاية، خاض خلالها أكبر كم ممكن لأى فريق من المباريات، وكذلك أنهى الموسم فى وقت متأخر، وكان لزامًا عليه أن يعود للموسم الجديد بعد الجميع بقرابة أسبوعين، خاصة أن البطولات التى يشارك فيها كل عام ستزيد واحدة، وهى كأس العالم للأندية.
أما الزمالك، الذى لا حول له ولا قوة، فخرج من دورى الأبطال من دور المجموعات، وفقد المنافسة على لقب الدورى فى منتصف الطريق، وربما قبله، وحتى كأس الرابطة المتواضعة لم يكن مرشحًا لها، وامتلك من الوقت الرفاهية الكاملة، سواء للراحة أو للإعداد واكتشاف طرق اللعب الجديدة.
كنا نظن من رحلة أوسوريو فى خواتيم الموسم الماضى، وهو يقلد بعضًا من أفكار بيب جوارديولا الخططية، أننا أمام مدرب عصرى، وعقلية تواكب الحداثة وتقرأ تطورات المشهد فى عالم كرة القدم.
وتغنى كثير من الزملكاوية بما يفعله بالاعتماد على فكرة الظهير الوهمى، كما يفعل جوارديولا، ويقلده كبار مدربى العالم، لكن الأمر أصبح مضحكًا، مع استمرار تجريب أفكار غير مناسبة للفريق ولاعبيه، ووصوله إلى تقليد أبسط التفاصيل دون إدراك معطياتها وطبيعتها.
لقد ابتكر بيب جوارديولا للعالم فكرة الظهير الوهمى، وتركها بعد ذلك للجميع، ثم استخدم فكرة مغايرة تمامًا، وهى الاعتماد على ظهير هو قلب دفاع بالأساس على جانب الملعب، وهو الأسلوب الذى جنى به دورى أبطال أوروبا فى الموسم الماضى.
وفى كل مرة كان «بيب» يفكر فى طريقة، كان الأمر يتعلق بأدواته التى يمتلكها وبطريقة لعب خصومه، فالظهير الوهمى كانت تناسب زينتشنكو وكانسيلو الضعيفين دفاعيًا، فكان يحولهما لمنتصف الملعب، ولأدوار فى الثلث الأخير من الملعب على أن يعوضهما بآخرين فى الدفاع.
ثم حينما امتلك أكانجى ولجأ إلى ستونز وأكى، بدأ يميل إلى فكرة أخرى، وهى الظهير المدافع الذى لا يتقدم ولا يغادر موقعه، والعامل المشترك بين هذا وذاك هو قدرات اللاعبين لديه، وأسلوب تعطيل وإيقاف المنافسين، فكانت فكرة الظهير المدافع بالأساس فى بدايتها لإيقاف الأجنحة السريعة، مثل ساكا وفينيسوس جونيو، وقد نجحت الفكرة فى كل مرة.
بينما يفاجئنا أوسوريو بالاعتماد على مصطفى الزنارى فى مركز الظهير الوهمى، وهو الأسلوب الذى لا يتناسب مع الفريق ولا حتى اللاعب، فهل يعلم أوسوريو أن ستونز اعترف إعلاميًا فى نهاية الموسم الماضى بأنه أيقن وتمرس وتعلم طريقته بعد سنوات من العمل والحديث الدائم مع بيب جوارديولا حتى تفهم الأمر؟
احتاج الأمر لسنوات مع لاعب دولى مثل ستونز، يحاوطه نجوم العالم ويلقنه أهم مدربى كرة القدم، بينما يظن أوسوريو المنعزل تمامًا عن الواقع أن الزنارى لن يستغرق كل هذا الوقت، وكأنهما امتلكا عصا سحرية.
إن أفكار جوارديولا تصلح لجوارديولا، ومعطيات «السيتى» المالية والبشرية والأخرى المتعلقة بمنافسيه لا تليق إلا بهم.
صحيح أن الأفكار كلها عبارة عن سرقات مطورة ومعدلة، مثلما قال جوارديولا نفسه، لكن الأمر يجب أن يكون مدروسًا بعناية، مع إدراك هل يناسب أفكارنا وأدواتنا ومعطياتنا أم لا؟
فى العقد الأخير، نجح باتريس كارتيرون، وجيمى باتيشكو، وجيسفالدو فيريرا، فى إنقاذ الزمالك من عثراته ثلاث مرات، ورغم أنهم لم يصلوا للمثالية، لكنهم قدموا تجارب ناجحة أنقذت الفريق من الغرق مرات.
كان العامل المشترك بين ثلاثتهم الواقعية، فكانوا أصحاب فلسفة تقوم على احترام المجموعة وقدراتها أولًا، وبحث كيفية الخروج منها بأفضل شىء، دون تكليفها بأكثر مما تتطلب أو تحتاج.
من المعروف أن أسلوب جوارديولا هو الأكثر تعقيدًا فى العالم، وكل لاعب فى الملعب له دور واثنان، وربما أكثر فى بعض الأحيان، لكنّ ثلاثى مدربى الزمالك المذكورين أيقنوا أنهم أمام نوعية من اللاعبين لا يناسبها سوى أسلوب لعب يسير، وفلسفة براجماتية قامت فى كل المرات على دفاع قوى يسد المساحات ويحرم المنافس من التسجيل، ومع الصبر يمكن إيجاد المساحة والتقدم وخطف المباريات والانتصارات.
عول هؤلاء على الأفراد وجودتهم فى الثلث الأخير من الملعب، فتألق على سبيل المثال أحمد سيد زيزو، وفى مرحلة مصطفى محمد، فكان الفريق يدافع جيدًا ثم يخطف بمرتدة أو كرة ثابتة أو تسديدة بعيدة، ولو أرادوا تفعيل فكرة الكرة الشاملة والاستحواذ لما كُتب لهم النجاح، ولما حققوا أى شىء بالأساس، لأن الأمر نفسه صعب على الأهلى، الذى يمتلك أفضل مجموعة لاعبين فى إفريقيا.
إذا سألت مشجعًا عاديًا فمن السهل أن يقول لك إن اللاعب رقم اثنين فى الأهلى أفضل جودة من اللاعب رقم واحد فى الزمالك بكل مركز، بل ربما اللاعب رقم ثلاثة فى الأهلى أفضل أيضًا من رقم واحد فى الزمالك، ومع ذلك، لم يسع السويسرى مارسيل كولر للعب بفلسفة جوارديولا، ولو فكر سيكون ذلك تدريجيًا وعبر مراحل معينة، وليس بيوم وليلة كما فعل أوسوريو.
فى رحلة «كولر» نحو ألقاب الأهلى فى الموسم الماضى كان يطبق فلسفة البطولات تُكسب لا تُلعب، وأجاد سرقة وخطف الألقاب عبر فكرتين رئيسيتين، التحولات واستغلال المساحة من جهة، والكرات العرضية، سواء ثابتة أو متحركة من جهة أخرى.
إن أهم هدفين للأهلى فى الموسم الماضى فى دورى أبطال إفريقيا كانا أمام الرجاء فى قبل النهائى، لمحمد عبدالمنعم من عرضية على معلول، وفى النهائى تكررت أمام الوداد لكن من كرة ثابتة.
تخيل أن كولر الذى يمتلك كل هذه المجموعة من النجوم والبدلاء الأقوياء لم يسعَ لاعتماد فلسفة صعبة الفهم والإدراك، فكيف لأوسوريو أن يواصل جنون الأفكار واللجوء إلى الصعب المستحيل؟
أوسوريو على ما يبدو يصلح للعمل النظرى، ودراسة طرق اللعب الحديثة وتلقينها كنصوص محفوظة، لكنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون مدركًا طبيعتها أو فاهمًا تفاصيلها.