الكنيسة تعيد نشر نشرة "التألُّه والكتاب المقدس"
أعاد الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، متحدث الكنيسة الرسمي، ووكيلها للشؤون العربية، نشر نشرة الأب الراحل أثناسيوس حنين، حملت شعار “التألُّه والكتاب المقدس”.
التألُّه والكتاب المقدس
فى الإصحاح الأول من سفر التكوين (كتاب ميلاد العالم)، نجد التنازل الألهي وعلاقة البشرية بالله، "وَقَالَ اللهُ، نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا".. البشرية مخلوقة على "أيقونة الله"، وكل كائن بشرى مدعو أن يصير على مثال الله. العلاقة بين الصورة والمثال علاقة جدلية وحيوية والجهاد الروحي كله هو تضييق الفجوة بين الصورة والمثال.
نحن مدعوون أن نصير إلاهيون، أي لاهوتيون، ليس فقط قبل السقوط بل بعد السقوط. فبعد السقوط وما تبعه من مآسي بدأنا نرى خطة تدبير (الإيكونوميا) الله فى أعادة البشرية لكى تصير على "مثاله".
العهد القديم حافل بالتعاليم التى فيها الرجال والنساء مدعوون للتمتع بالبركات كأولاد وبنات الله والدعوة لهم ولهن هى للاتحاد بالله، أى التأله. وهذا معناه أن "التلهوت" ليس قاصرا على فئة من الشعب بل كل شعب الله مدعوا إلى التلهوت، لأن كل من يصلى هو لاهوتي حسب العظيم أوريجينوس.
العهد الجديد علم عن هذا الموضوع بطرق جميلة ورائعة ولقد انطلق العهد الجديد أن الله نفسه قد صار انسانا واتخذ واتحد بالطبيعة البشرية وقام برفعها الى مرتبة اللاهوت (التأله) حينما وحدها بطبيعته الخاصة ورفعها إلى عرش الله بدون أن يختلط اللاهوت بالناسوت، أى لا يصير الانسان إلها ولا يصير الانسان إلها. وهذا يتطابق مع الحقيقة التي أطلقها القديس أثناسيوس بقوله: "لقد صار الله انسانًا، لكى يصير الإنسان إلهًا".
المسيح ابن الله يكلمنا دائمًا عن دعوتنا ويدعونا إلى التأله، بقوله: "لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ"، وبالطبع الابن ليس غريبًا عن جوهر الأب. ولقد كتب القديس بولس بكل وضوح الى أهل غلاطية: "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا، يَا أَبَا الآبُ. إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ".
الله (الآب) صار فى المسيح أبونا ونحن عياله، هذه هى دعوتنا. "التأله" فى العهد الجديد هى تبنى الله للإنسان وشركة الإنسان فى قداسة الله وعدم الفساد بمجد لا يوصف. التأله واضح فى خلق الله للإنسان على صورته، "على صورة-أيقونة الله".
يشرح الأباء "صورة الله" على أنها المكانة الملوكية للجنس البشري، أى تفوق الإنسان وسموه على العالم المادى والحيوانى. وأحيانا يرون الصورة فى البعد الروحاني الكامن فى الطبيعة البشرية، أو فى القدرة على التفكير وهو العقل والطاقات الابداعية فى الانسان وتحويل الطبيعة الى حضارة. والصورة هى حرية الانسان وهذه الحرية هى مصدر كل أعمالنا. ولا معنى للحرية بلا حب ولا حب بدون حرية، فحينما يحصرنا حب المسيح ونتفاعل مع النعمة التى نحن فيها مقيمون من خلال إقامتنا في طبيعة الابن الوحيد الناسوتية والمتحدة في ذات الوقت بالطبيعة اللاهوتية فى شخص اللوغوس (الكلمة) الابن الوحيد حسب تعبير كيرلس: "يهرب من كياننا كل جبن وخنوع ونفاق وجهل مقدس".
الصورة الإلهية في الإنسان، أو حسب التعبير الأصلي للأيقونة لا تشير إلى عنصر واحد من الإنسان بل إلى كل الإنسان، إلى الطبيعة البشرية في كمالها.
يستطيع الدارس أن يقرأ من التكوين إلى الرؤيا خطة التدبير اللاهوتية من أجل خلاص الإنسان، أي توبته وتقديسه وتألهه. بشارة يوحنا الحبيب هى مسيرة نحو التأله؛ من بداية السفر "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ"، إلى نهاية السفر الدعوة الكبرى "اتْبَعْنِي أَنْتَ"، الدعوة الأخيرة "اتْبَعْنِي أَنْتَ". بين الدعوتين يوجد كل برنامج الشركة مع الله في الكلمة بالروح.