لا أحد ينام في درنة: رحلة البحث عن بقايا مدينة ضربها إعصار دانيال
كارثة بيئية وصحية مرتقبة تهدد ليبيا ومصر مع تواجد عشرات الآلاف من الجثث في مياه البحر المتوسط وعلى الشواطئ وفي الشوارع بعد كارثة إعصار "دانيال" التي حلت بالشعب الليبي ومحت من على وجه البسيطة قرى ومدن كانت قبله بأيام تحيا بأهلها وحولت "درنة" إلى ركام.
وحذرت وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن المدينة الليبية المنكوبة على وشك مواجهة خطر "أزمة ثانية مدمرة"، وهى أزمة تفشي الأمراض الوبائية والمعدية.
كما أعلن رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا، الدكتور حيدر السائح أن مياه الشرب غير آمنة، وتشكل خطراً على حياة الليبيين، خاصة في مدينة درنة بعد الفيضان الذي تسبب فيه الإعصار دانيال وذلك بعد اختلاط مياه الصرف بها.
155 بلاغ تسمم بمياه الشرب
155 حالة إبلاغ عن تسمم وصلت، حتى الآن، المركز الطبي الليبي في إنذار بأول بوادر هذه الكارثة البيئية المرتقبة، وذلك حسبما وضح عبد الله الزائدي مسئول إعلامي بوزارة الموارد المائية الليبية لـ"الدستور" بأن تلك البلاغات جاءت نتيجة التسمم بشرب مياة الآبار الجوفية التي اختلطت بمياه الصرف الصحي نتيجة إعصار دانيال.
"الإسهال وارتفاع درجات الحرارة" كانوا أبرز الأعراض التي ظهرت على المُبلغين بحالات التسمم حسب الزائدي وسط تحذيرات وزارة الصحة الليببة ووزارة الموارد المائية من الشرب من مياه الآبار الجوفية نتيجة اختلاط تحلل الجثث بها.
تعتمد "درنة" الآن في حصولها على مياه الشرب على مساعدات فرق الإغاثات الدولية
يقول الزائدي إن الأزمة في ليبيا تتمثل في أنها بلد ليست نهرية، فهي تعتمد في المقام الأول على المياه الجوفية التي تضررت بشكل يكاد يكون كامل جراء هذا الإعصار.
تعد المياه الجوفية في ليبيا هي المصدر الرئيسي للماء حيث تعتمد ليبيا على نحو 97% منها حسب دراسة حديثة “لليونيسيف”
قلة محطات التحلية ودمار الموجود
أضاف الزائدي لـ"الدستور" أن ما يزيد الأمر كارثة هو قلة عدد محطات التحلية الموجودة في ليبيا، وكذلك الانهيار الكامل للبنية الأساسية لها، ما يجعل المصدر الوحيد أمام المواطنين للشرب هو الآبار الجوفية الملوثة وهو ما سينتج عنه كارثة أخرى في حال لم يتم إنقاذ الوضع.
حسب تصريح سابق لـ الناجي بوشناف، مدير عام الشركة العامة لتحلية المياه الليبية فإنه يوجد على مستوى ليبيا بأكملها 8 محطات تحلية 3 محطات بالمنطقة الغربية، وهي محطات تحلية زوارة وزليتن والزاوية، إضافة إلى محطات طبرق ودرنة وسوسة وأبوترابة، إضافة إلى محطة البمبة المتوقفة منذ فترة.
خلّفت كارثة "درنة" 11300 قتيل وآلاف من المفقودين حتى كتابة هذه السطور حسب بيانات الهلال الأحمر الليبي هم ضحايا "درنة" بين جثث طفت على وجه المياه وجثث جرفها الشاطئ وجثث أسفل الأنقاض، وأكثر ما يزيد عن 2000 جثة مازالت في أعماق المياه
وضرب إعصار "دانيال" ليبيا مسببًا انهيار سدين وانجراف كميات هائلة من المياه، ما نتج عنه غرق العديد من القرى والمدن وكانت "درنة" أكثر المدن تضررًا وكذلك اختفيت نتيجة هذا الإعصار بعض القرى بالكامل.
البول والبراز سيخرج من الجثث ويلوث مياه الآبار
المهندسة انتصار الجبري مسؤولة في قسم الطوارئ بوزارة البيئة الليبية قالت لـ"الدستور" إن تواجد الجثث بالقرب من مناطق إمدادات المياه ينذر بكارثة خطيرة موضحة أن تحلل الأجسام يتسبب في تغيير تركيبها الكيميائي تمامًا، إضافة إلى تسببه في أن ينبعث منها العديد من الروائح الكريهة والغازات الضارة التي تضر بالكائنات الحية المحيطة، كما أن تحلل الجثث يؤدي كذلك إلى خروج البول والبراز منها وهو مما يتسبب في نقل أمراض خطيرة إلى المياه في حال كانت قريبة منها.
تابعت انتصار أن الأمر يزداد الأمر خطورة في حال كانت هذه الجثث تحمل أمراض معدية، فإنه عند تحللها ستنتشر معها تلك الأمراض ما سيسبب كارثة أخرى، ولفتت الجبري إلى حتمية وصول ناتج تحلل تلك جثث ضحايا "درنة" إلى المياه الجوفية في بها وكذلك اختلاط مياه الصرف بها، موضحة أنه عند تحلل هذه الجثث تترشح إلى داخل التربة بعد أن تذوب في المياه، ومن ثم فهي تصل في نهاية المطاف إلى المياه الجوفية متسببة في تلويثها، كما أشارت إلى أن الفيضانات بذلك تجعل المياه الجوفية غير نقية أو مناسبة لأغراض الشرب، وبالتالي تكون محملة بالميكروبات المسببة للأمراض الخطيرة.
المناخ وطبيعة المياه تؤثران على تحلل الجثث
وتنوعت جثث الإعصار دانيال في ليبيا بين جثث غمرتها مياه الفيضان داخل البحر، وبين جثث أخرى ألقاها البحر على الشاطئ، مثلما يقول الخبير البيئي المصري مجدي علام في حديثه "للدستور" موضحًا أن أخطر هذه الجثث على البيئة هى تلك الجثث الموجودة على الشاطئ، لأنها عرضة لتجمع البكتيريا والفيروسات أكثر نتيجة تحللها السريع، إذ أنها تساعد في جلب القوارض والحشرات، وما تسببه تلك الحشرات في نقل العديد من الأمراض.
تابع مجدي أن هذه الجثث قد تتسبب أيضًا في تجمع الحيوانات الضالة والتي تتغذى على لحم الجيفة، موضحًا أن تلك الحيوانات تنقل أمراض معدية وخطيرة إلى الأحياء خاصة حال كان الضحايا حاملين لأمراض معدية، وذلك بعد عقر تلك الحيوانات بعد ذلك للأحياء مايؤدي إلى إصابتهم بهذه الأمراض.
أما عن الجثث التي سقطت في أعماق البحار أوضح علام أنها ستتحلل مع الوقت بشكل جزئي، كما أنها ستمثل وجبات للأسماك ، لافتًا إلى أن سقوط الجثث في المياه المالحة سيقلل، فقط، من نسب التلوث في المياه عنها عن العذبة وليس انعدام التلوث بشكل كامل، كما يعمل على تبطيئ مدة تحلل الجثث، كما أكد مجدي أن المناخ يلعب دورًا أيضًا في نسب التلوث مشيرًا إلى أن الارتفاع في درجات الحرارة يساهم نوعًا ما في قتل البكتيريا عنه عن فصل الشتاء الذي يتسبب في ظهور أنواع كامنة من الفيروسات والبكتيريا الخطيرة.
كثبان رملية وطول الساحل
أما عن تأثير كارثة درنة على مصر ومنطقة الشرق الأوسط أوضح خبير المناخ أن الكثبان الرملية المصرية ذات المساحات الواسعة هي سببًا في حماية مصر من أثار تلوث الهواء الناتج عن الكارثة الليبية، مشيرًا إلى طول الساحل المصري الذي يحميها أيضًا من التأثر بهذه الكارثة.
خطر انتشار الكوليرا
يجب تعاون العالم واتحاد المواطنين الليبين مع بعضهم البعض واضعين الخلافات القبلية جانبًا للتغلب على الكارثة الإنسانية التي قد تنتظرها ليبيا تقضي على باقي مواطنيها وهي كارثة تفشي مرض الكوليرا ذلك حسب الدكتور كريم السودي استشاري الفيروسات لـ"الدستور" الذي أكد أن درجة الحرارة الدافئة مع تواجد الأمطار والميكروبات هى البيئة الخصبة لظهور وتفشي هذا المرض الخطير في كل من اليمن والسودان عقب العديد من الحروب.
وأكد السويدي ضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي هذا المرض بين المواطنين، كذلك مساعدة الدولة في الحصول على التحصينات اللازمة ضد الأمراض المختلفة مثل جدري القرود وغيرها الذي قد يتنشر في مثل هذه الأجواء أيضًا، لافتًا إلى ضرورة تحصين فرق الإغاثة والإسعاف بهذه التحصينات لكي لا يصابوا بهذه الأمراض.
ستتغير خصائص الثروة السمكية بالكامل في المنطقة
من المتوقع أن ينتج عن كارثة "درنة" التي تسبب فيها إعصار "دانيال" تغييرًا كاملًا لمحصول أنواع الأسماك في منطقة شمال البحر المتوسط وتحديدًا على الشواطئ الليبية حسب تصريح أحد خبراء الثروة السمكية "للدستور" رفض ذكر اسمه، لافتًا إلى أن ذلك يرجع إلى أن هذه المنطقة الشاطئية بالكامل قد تغيرت واخترق الطوب والزلط والجثث والدم المياه، وذلك الذي من شأنه التسبب في هذا الأمر.
التغيير في الثروة السمكية بهذه المنطقة حسب الخبير يشمل عدة عوامل بينها أن الأعداد المهولة من الجثث في البحر قد ينتج عنها ارتفاع نسبة العذوبة في البحر مما ينتج عنه ظهور بعض الأسماك بصورة مؤقتة التي تعيش في هذه الدرجات من العذوبة، بينما لم تكن تعيش في هذا البحر من قبل.
تابع أن تسرب مياه الصرف الصحي إلى مياه البحر سيتسبب كذلك في تغير كامل بمظهر ومذاق الأسماك التي سيظهر بها مذاق التعفن نتيجة تجمع الميكروبات والفطريات داخلها وما سينتج عن ذلك من أمراض خطيرة في حال تناولها، إضافة إلى غلبة رائحة الغاز على مذاقها نتيجة غاز الميثان الناتج عن الصرف الصحي.
الخوف من التسرب النفطي
الأمر الأكثر خطورة حسب الخبير هو ما سيقع حال ما إذا كان قد حدث تسرب بترولي في المنطقة نتيجة الفيضان بسبب المواد الكيميائية شديدة الخطورة التي يحتوي عليها النفط، والتي ستتسبب في أمراض خطيرة تنتقل إلى الكائنات البحرية جميعها، وبالتالي إصابة الأسماك بالتلوث الشديد الذي سينتقل بدوره إلى الانسان حال تناولها مشيرًا إلى أن ضرر التسرب النفطي تظهر نتائجه المميتة بمرور الوقت، وتابع أن هذا التسرب النفطي أيضًا يهدد بضياع الثروة السمكية نتيجة التسبب في نفوق الملايين من الكائنات البحرية مما يمثل تهديدًا أخر للبشر يضرب عنصر غذائي هام لهم.
مصر مهددة في هذه الحالة
أوضح خبير الثروة السمكية أن هذه الأضرار قد تطال مصر في حال ذهاب العديد من الصيادين المصريين للصيد عند السواحل الليبية وهو ما بالفعل يحدث من قبل البعض بطرق غير شرعية، الأمر الذي سينتج عنه انتقال هذه الأسماك الملوثة إلى مصر.
ولفت الخبير لـ"للدستور" إلى أن الكميات الهائلة تلك من الجثث ستتسبب أيضًا في جذب الأسماك المفترسة إلى هذه المنطقة نتيجة استنشاقها لرائحة الدم بها.
الكارثة توحّد الليبين
وأشارت الإعلامية هدى الشيخي بوكالة الأنباء الليبية لـ“الدستور” إلى أنه على الرغم من المأساة الإنسانية التي تعيشها ليبيا بسبب ما فعله إعصار دانيال بأبنائها، إلا أن تلك المحنة الكبيرة خلفت منحة كبيرة وهي تخطي الليبين الكامل لكافة الحواجز السياسية السابقة والخلافات في مشاهد تلاحم مؤثرة لا تقل أثرًا عن أثر المأساة إلا أنها تختلف في وقعها على النفس، مشيرة إلى أن الليبين كانوا يحتاجون منذ فترات بعيدة إلى هذه لا وحدة والتلاحم، ولكنتن بالطبع لم يكونوا يرديدونها في مثل هذه الظروف ولكنها إرادة الله.
◘ أقرأ أيضًا: