كأنها نهاية العالم.. «تلات ومولاي وتفكاغت» عن قرى أخفاها زلزال المغرب بالكامل
لم تكن عقارب الساعة وصلت للعاشرة ليلًا، حين كان دومان جمال، عائدًا من عمله في ظلمة الليل يحمل العشاء لأبنائه الثلاثة في قرية «تفكاغت» بالمغرب. بمجرد أن خطى إلى داخل القرية شاهد جبلاً قريبًا من داره ينهار على المنازل الأمامية.
دّك الجبل ثلاث منازل أمامه، وبدأت الأرض تهتز من أسفله ويعلو الصراخ ويهرول الجميع. ظن جمال أنها نهاية العالم: «صوت المنازل وهي تنهار جانبي كان مرعبًا في ظلمة الليل، لا أرى شيئًا سوى غبار يحيط الجميع، وأسمع صوتًا مرعبًا مصحوبًا بأشعة سماوية قوية».
◘ انقشع الظلام.. حين صُدم أهالي تفكاغت
لم يأخذ الأمر سوى 20 ثانية حسبما يصف دومان، حتى هدأت الأرض بعدما سقطت عليها أغلب المنازل أو هكذا ظنّ أهالي القرية الذين باتوا ليلتهم الأولى في العراء بجانب المنازل المهدمة وهم لا يعرفون الحي من الميت.
في الصباح كانت الفاجعة الحقيقية، أدركها أهالي القرية حين انقشع الظلام وهدأ الغبار الذي خلفه انهيار المنازل، ليكتشفوا أن قرية “إشباكن” دُكت بأكملها والجّثث متراكمة فوق بعضها منذ الليل ولم يتبق من الأهالي سوى أعداد قليلة لا يعرفون بعضهم البعض.
وتفكاغت هى واحدة من 3 قرى اختفت بعد زلزال المغرب الذي دكها بالكامل وابتلعت الأنقاض أغلب سكانها، إذ فقدت بعض القرى ثلث سكانها وأخرى لم ينج بها سوى أعداد قليلة من الأهالي ما زالوا في المستشفيات أو يفترشون قارعة الطريق.
الجمعة الماضي وقع زلزال وُصف بالأقوى والأكثر دموية في المغرب بقوة 7 ريختر مركزه جبال الأطلس، خلف 2901 حالة وفاة و5530 مصابًا بينهم 1400 في حالة خطرة، وفق وزارة الداخلية المغربية، بينما قدّرت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 300 ألف تضرروا من الكارثة.
تفكاغت تفقد نصف سكانها: «تحولت إلى كومة تراب»
تقع قرية تفكاغت على مشارف مدينة أمزميز، على بعد 55 كيلومترًا جنوب مدينة مراكش أحد مدن إقليم الحوز بؤرة الزلزال، وكان تضم 300 مبنى سويت كلها بالأرض وفقدت القرية نصف سكانها، وفق وصف دومان لـ«الدستور».
يقول جمال الذي فقد والدته في الزلزال: «شعرت وقتها بإحساس رهيب لم يسبق له مثيل، وأنا أرى في الصباح اختفاء القرية تحت الأنقاض، فالمنازل جميعهم هدمت وتحولت إلى كومة تراب، وتحول المشهد إلى موتى وأرواح تزهق، ثم انتقل الزلزال إلى مناطق أخرى تباعًا».
تعاني الآن تفكاغت في صمت إذ يبلغ عدد سكانها نحو 23 ألف نسمة ومساحة أراضيها 6,457 دونما (الدونم 1000 متر مربع)، وتشرد الأطفال والنساء الذين يستعملون الفراش القديم أمام المنازل وفي الأزقة من أجل النوم، وانقطعت الكهرباء والماء ويقتات الأهالي على الفتات من أجل العيش فلا يصل لها مساعدات بعد اختفاء القرية.
توزعت الوفيات في أقاليم المغرب كالآتي: «إقليم الحوز 1293 وفاة، إقليم تارودانت 452 وفاة، إقليم شيشاوة 191 وفاة، إقليم ورزازات 41 وفاة، إقليم مراكش 15 وفاة، إقليم أزيلال 11 وفاة، إقليم أكادير 5 وفيات، الدار البيضاء 3 وفيات، إقليم اليوسفية وفاة واحدة».
المصدر - وزارة الداخلية في المغرب
◘ مولاي إبراهيم: زلزال المغرب يكتم أنفاس قرية!
في الوقت ذاته الذي وقع فيه الجبل على منزل جمال دومان، كانت الأرض تهتز أسفل قدم حمزة المصري في قرية مولاي إبراهيم التي تقع على مسافة نحو 40 كيلومترًا من جنوب إقليم الحوز، وهي إحدى القرى التي هدمت على بكرة أبيها في زلزال المغرب.
يبلغ عدد سكان مولاي إبراهيم 10 آلاف شخص، ضربها الزلزال فهي تبعد عن بؤرته مسافة 133 كيلومترًا، يقول حمزة: «لم تعد القرية صالحة للعيش، فالأهالي يقطنون في الخواء، وهناك ندرة في الخيام والأغطية وانخفاض في درجات الحرارة وأمطار».
كان حمزة خارجًا من منزله وقت الزلزال، لكنه هرول إلى عائلته التي فقد 5 أشخاص بها ابتلعتهم الأنقاض مع 40 حالة وفاة أخرى داخل القرية:«رأيت الجميع يخرج وهو يصرخ لم استطلع حال عائلتي إلا في الصباح وجدت جثثهم والمنازل جميعهم انهارت فوق الرؤوس».
◘ آفاق للإغاثة: هذه قرى خارج النجدة!
لا تصل المساعدات إلى قرية مولاي إبراهيم نتيجة اختفائها بالكامل، وفق «أيوب توديت» رئيس جمعية آفاق الثقافية والاجتماعية (غير حكومية) التي تجمع تبرعات ومساعدات للقرى المنكوبة، إذ يؤكد أن الأهالي هناك يعانون وسط غياب المساعدات الحكومية.
يقول: «لا توجد خيام أو وجبات غذاء ولا نستطيع توصيلها لتلك القرية المنكوبة بسبب تغطيتها بالأنقاض كاملة، ولكن ننشر حساب الجمعية من أجل جمع التبرعات لمساعدة القرى التي اختفت بالكامل في الزلزال».
الأهالي يقضون الليل في ظروف صعبة والقرى التي أخفاها الزلزال وضعها أصعب ورغم ذلك سقطت من خارطة المساعدات، بحسب توديت، الذي يؤكد أنه يطلق الاستغاثات يوميًا من أجل توصيل المساعدات لهم لاسيما أن المحال التجارية هدمت ولا يجد الأهالي ما يأكلونه.
◘ الأنقاض تبتلع قرية تلات نيعقوب
يعيش جمال وحمزة في خواء قراهم التي هدمت بالكامل، وهو المصير نفسه الذي لاقاه عاصم إبراهيم أحد أبناء قرية تلات نيعقوب في المغرب، والتي أخفاها الزلزال أيضًا وقضت عليها الأنقاض، ومات بها 24 شخصًا من الأهالي، إذ إنها في منطقة أردوز بإقليم الحوز بؤرة الزلزال.
يقول أيوب: «كلما مرت الساعات أدركنا أكثر حجم الكارثة. المساكن هُدمت بالكامل وما زال هناك أشخاص تحت الأنقاض، أما الأحياء يقضون الليل على الأرض ويتّكئون على الحجارة مع لسعات البرد في انتصاف الليل».
لحظة وقوع الزلزال كان أيوب في منزله يصف ما حدث: «كان المنزل يتأرجح يمنة ويسرة كأنه مصنوع من الورق، فقدت زوجتي وعثرت على جثتها في الصباح بينما نجلي الصغير البالغ من العمر 5 أعوام لا أعلم أين هو ربما مات أو ما زال تحت الأنقاض وحيدًا».
يجسد المأساة عدم استيعاب أيوب أن قريته لم يعد لها وجود، إذ كان يتمنى أن تظل قائمة حتى وإن هدمت بها بعض المنازل: «انهارت منازل في الزلزال وشُرد الكثيرون، لكن القرى التي اختفت بالكامل واقعها أسوأ».
◘ زلزال المغرب يسوّي قرية «أداسيل»
يدلل على ذلك الواقع السيء للقرى التي أخفاها الزلزال، ذلك المصير الذي آلت إليه قرية أداسيل بإقليم شيشاوة غربي مراكش في إقليم الحوز، التي سواها الزلزال بالأرض بشكل تام وتوفي نحو 103 شخصًا بها، يقول مراد ماجد، أحد أهالي القرية أنه خرج منها بأعجوبة.
أداسيل التي يبلغ سكانها 8 آلاف نسمة، لم يتبق منها شيء بعدما هدمت المنازل كلهم، وفق مراد: «يرن في أذني حتى الآن صوت المنازل وهي تسقط فوق رؤوسنا، فقد ماتت زوجتي في تلك الليلة المرعبة وخرجت أنا من تحت الأنقاض».
يعيش مراد الآن فوق أنقاض القرية، ولكن حين تغفو عينه في النوم على سهوة منه يقوم مفزوعًا على صوت انهيار، إذ يتهيأ له أن زلزالًا جديدًا يقع: «مازال هناك 37 شخصًا تحت الأنقاض، تحاول السلطات إخراجهم بلا جدوى».
لم يفق جمال إلى الآن، من هول ما رآه في الزلزال إذ مازال يعتقد أنها نهاية العالم، بينما لن ينسى حمزة الذي يعيش في أزقة قريته مشهد الأرض وهي تهتز أسفل قدمه، فيما ما زال أيوب لا يستوعب اختفاء قريته بالكامل بينما مراد يفزع يوميًا من نومه.