في ذكراه.. رسائل كتبها بليغ حمدي بخط يده إلى حبيبته الأخيرة
وضعها القدر في طريق الملحن الراحل بليغ حمدي، ورافقته لفترة طويلة وظلت معه حتى رحيله، إنها نانسي فاروق فتاة مصرية كانت تعمل معيدة في كلية التربية الموسيقية كمدرسة للبيانو وتستعد للحصول على درجة الماجستير، إلا أنها تركت طموحها من أجله، بعدما شعرت أنه بحاجة إلى مساعدة بعد أن اشتد عليه المرض.
وبحسب كتاب "بليغ حمدي سلطان الألحان: حياته.. تجلياته.. مأساته" للكاتب أيمن الحكيم، فإنه لا يوجد مسمى للعلاقة التي جمعت بين بليغ ونانسي حتى الآن، فقد أحبته حبًا خالصًا يصل إلى العشق أو يزيد.. سكنها، وملكها، وسيطر عليها تماما، ورغم مرور كل هذه السنوات على رحيلهما مازال يعيش معها، وتهطل دموعها إذا فتحت سيرته أمامها، كما علقت صورته على جدران غرفة نومها حتى تصحو على وجهه كل طلعة شمس.
فماذا كانت نانسي فاروق بالنسبة لبليغ حمدي؟، وهو ما استعرضه الحكيم خلال صفحات الكتاب من خلال الأوراق والخطابات التي كتبها لها بخطه:
ورقة ١
جدة في يوم ما سنة 1993 ملحوظة "كتب هذه الرسالة وهو في جدة أثناء إقامته فيها بدعوة من أحد أصدقائه السعوديين لحضور حفل زفاف ابنه".
"صغيرتي.. جئت فغيرت كل شيء في حياتي.. رأيت ذاتي في عينيك وسمعت نفسي في انفعالاتك معي.. صلة الروح كانت قبل أن نلتقي من خلال مشاعرك التي تقرأني موسيقيا ثم تلاقينا في قراءة إنسانية.. قرأ كل منا الآخر بعمق.. بدون ليه؟
تعرفنا على أنفسنا وكأننا شركاء حياة من ألف عام، نتحدث وكأننا نذكر بعضنا بما قلنا من ألف عام. لا تحزني بعد موتي، ولا تفرضيني على ذاتك بعد ذهابي.. كل ما أريد أن تذكريني بزهرة على قبري ولو كل عام، وأديري شريط الكاسيت حيث رقدت وأسمعيني آخر عمل سمعتيه بعد رحيلي.
صغيرتي.. ليس من حقنا الاعتراض. فهذا قدرنا أيتها الغالية العزيزة.. هكذا أراد الله عز وجل.. وهكذا كان.. وسيكون لنا الحق في مشوار آخر بعد الرحيل، فسنلتقي يوما بعد ألف عام.. وستجديني كما أنا في انتظارك.. في استقبالك.. لكي أستطيع أن أنام.. لكي أطهر نفسي في دموعك.. لكي نجعل مشوارنا الجديد معنى عميقا لكلمة "حب".
ورقة ٢
"رسالة كتبها لنانسي في عيد ميلادها، وتحمل تاريخ ١ فبراير ١٩٩٣".
"ننوسة العروسة.. كل سنة وأنت.. لا.. كل شهر وأنت.. لا.. كل يوم وأنت طيبة. كل نهار دافي.. بعد ليل بارد مسافر.. وأنت ننوسة العروسة.. الوفية في المحبة.. الصادقة في الكلمة.. الرقيقة في النغمة.. الكريمة في العطاء.. وطوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه".
ورقة ٣
في عيد ميلادها أيضا كتب لها:
"نانسي.. ابنتي الغالية.. وصديقتي الوفية.. ويميني القوي.. وجبيني المرفوع.. ومستشارتي الصادقة.. نعم أنت كل هذا وأكثر..
أنت الثقة والصدق والخوف.. سلام لك وعليك وعلى والديك اللذين أحسنا إعدادك للحياة.. كل عام وأنت كما أنت حجر كريم نادر الوجود".
ورقة ٤
خطاب بعنوان "جزء مني لك" يحمل تاريخ "يوم ما- شهر ٥ سنة ١٩٩٣ - القاهرة".
"ستنسيني حبيبيتي. لا تقولي لا.. فقد نسينا الأنبياء والحق في بعض
الثواني التي نعيشها.. أنا متأكد أنك ستستمري في العطاء بعدي.. وسيأتي رجل ما بعدي وستعطيه؟ لأنك مثل لعطاء الله في أرضه. حبيبتي. اجمعي حروف اسمى الأربعة.. وضعي ٤ وردات على قبري.. واذكري أعمى من العميان عاش ومات بلا معنى".
ورقة ٥
جدة في يوم ما سنة ١٩٩٣
"أسافر بالنظر إلى البحر.. أعبره.. أصل إلى محطات من حياتي بعيدا عن
نفسي.. أسافر إلى المجهول.. أخافه.. لا.. ولكني أخاف من العدم.. أتصور أنه لا
رحلة لنا بعد ذلك ولا أحلام ولا سعادة في اللقاء بما وراء الطبيعة في مشواري
الجديد".
"أسافر وأنا جالس أمام البحر محاولا تخيل صورة أمي.. أيي.. حسام
أخي.. هل سنتقابل هناك.. أحلم بم كثيررا، فهل ستتجسد هذه الأحلام بعد
الرحيل في هذا العالم الجديد".
"حبيبتي.. أسافر حاملا في عيني صورتك.. فهل سأستطيع أن أراك من هناك.. هل سأكون روحا تلتف حولك في هذه الحياة"
"مغامر أنا.. أحب الأسفار.. فهل سأستطيع بتكويني الجديد العبور إلى
البلاد التي لم أرها في حياتي".
ورقة ٦
بسم الله. باريس في يوم ما شهر ٧ سنة ١٩٩٣
"من المرة الأولى استوعبتها كإنسانة موضوعا وشكلا وإحساسا وتعبيرا
ورد فعل للموسيقى عليها.. لم أكن في احتياج للسؤال عنها إلا للتأكد من ظروفها
الاجتماعية. وعندما سألت صديقي الفنان (يقصد الموسيقار والموزع الموسيقي
ميشيل المصري الذي قابل نانسي عنده في الأستوديو) هل لايزال لدينا في بلدنا
هذا المستوى من البشر؟.. لم أكن أستغيث به ليعرفني بها. فقد عرفتها ولم نكن في حاجة إلى وسيط.. لماذا؟ لأن الله أراد ذلك ببساطة.. هذا هو الواقع الذى
نعيشه حتى اللحظة".
"كانت النصف الذى ينقصني بدون أسئلة.. وكنت من تفتقده. وكنا في
انتظار. نعم حالة انتظار إلى اليوم الذي التقينا فيه وقال الله كلمته: انطلقوا
لبناء عالمكم فقد ضاع الكثير من العمر".
"ننوسة لها دور كبير في حياتي دلوقتي.. لها دور عظيم في تغيير أسلوبي مع
الصحافة والتليفزيون.. إنسانة رائعة.. بشوف نفسي في عينيها.. بشوف كل شيء
عني أنا في تعبيراتها.. رفيقة الطريق والعمر. العطاء رزق.. الحب رزق.. الموسيقى
رزق.. أكيد ربنا رضى عني وبعتها ليا.. بتوحشني ننوسة".
"إليك يا رقم مزروع في عالمي".
ورقة ٧
(رسالة كتبها على فراش المرض في باريس.. ويكشف فيها عن أسرار خاصة
في فترة غربته أهمها أن ٣ دول عربية عرضت عليه منحه جنسيتها ورفض).
"باريس في يوم ما شهر ٧ سنة ١٩٩٣".
صغيرتي.. في بلد اخترتها يوما منفى لجسدي المبعد عن أرض وطني أحمل
معي حزنا لو شاركني فيه أهل بلدي لشعروا بالاكتناب ونهاية الوجود.
صغيرتي.. الشوارع.. الحدائق.. الميادين.. زهر السين في فرنسا تصاحبت
مع وقع أقدامي فنشأت بيننا علاقة غريبة وكأنها تدرك تماما ما بي. حتى العسكر
عندما كانوا يعترضون طريقي وأمد لهم بطاقة جمعية الملحنين كانوا يعتذرون
لإزعاجي.. مش غريبة".