الجانب الآخر لمزاعم إسرائيل حول أشرف مروان.. حرب بين الأجهزة الأمنية
بعد مرور 50 عامًا على اندلاع حرب أكتوبر 1973، عادت إلى الواجهة مرة أخري قضية "أشرف مروان"، والدور الذي لعبه في الحرب، وذلك بعد أن كشف الموساد الخميس الماضي عن صورة "مروان"، خلال لقائه مع ضابط الموساد، زُعم أنها عشية الحرب، وذلك أثناء فاعلية إطلاق الموساد كتابًا يحكي القصة قبل وأثناء حرب أكتوبر.
خلال السنوات وربما العقود الأخيرة اعتادت إسرائيل قبل الذكرى السنوية لحرب أكتوبر 1973 أن تقوم بنشر بعض الوثائق التي تتعلق بالحرب، مثل التقارير ونصوص الجلسات الأمنية والتقديرات الاستراتيجية حينذاك، والهدف الواضح كما يبدو هو التشويش على الإنجاز العسكري المصري، وجذب الانتباه تجاه تفاصيل أخرى فرعية تتعلق بالحرب.
حرب بين أجهزة الاستخبارات
في إطار الحفل الذي أقامه رئيس الموساد ديفيد بارنياع الخميس الماضي، وبحضور عدد من رؤساء الموساد السابقين وكبار المسئولين، أصدر الموساد كتابًا بعنوان "يوما ما، عندما يمكننا الحديث"، هو العنوان المأخوذ من بيان أدلت به رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مئير لرئيس الموساد آنذاك تسفي زامير. فيما يعرض الكتاب برقيات الموساد الداخلية الأصلية، وملخصات، وصورًا، ومواد أخرى لم يتم الكشف عنها من قبل بكاملها، وضمن هذه الوثائق هي صورة لـ أشرف مروان الملقب في إسرائيل بـ"الملاك" أثناء لقائه مع مشغله الإسرائيلي "دوبي".
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن أن "مروان" قد أعطى تحذيرًا "متأخرًا" لإسرائيل عشية الحرب، ففي الأعوام 2018، 2020، 2021، تم تكرار هذه المزاعم من قبل.
ما يبدو جديدًا هذه المرة هو السياق العام في إسرائيل الموازي لنشر تلك المزاعم، والتي من ضمن أمور أخرى يمكن ربطها بشكل وثيق بحرب داخلية بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية "الموساد و(أمان) جهاز الاستخبارات العسكرية"، حيث يلقي كل منهما اللوم على الآخر بأنه السبب وراء الفشل الإسرائيلي في حرب أكتوبر.
تلميع لجهاز المخابرات الإسرائيلي
فيما يأتي الكتاب الجديد من قبل الموساد والتفاصيل التي يعرضها كنوع من "تلميع" جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، باعتباره الجهة التي حذرت من الحرب، بينما "جهاز الاستخبارات العسكرية" لم يستمع إلى تلك التحذيرات، وبالتالي هو من تسبب في الفشل الإسرائيلي، بينما يرى جهاز الاستخبارات العسكرية أن هذه التحذيرات من قبل "مروان" كانت جزءًا من خطة الخداع الاستراتيجية المصرية.
بطلا تلك الحرب هما رئيس الموساد تسفي زامير، يبلغ من العمر 98 عامًا، وإيلي زعيرا، رئيس "الاستخبارات العسكرية"، والذي يبلغ من العمر 95 عامًا، وحتى سنوات ليست طويلة، تجادلا في وسائل الإعلام وفي المحكمة بعد الإخفاقات في تلك الحرب.
ويأتي "مروان" في مركز تلك الحرب، فـ "مروان" كان عميلًا للموساد، ولكن تقاريره كانت تخضع للمراجعة من قبل الاستخبارات العسكرية؛ حيث يؤكد الموساد أنه كان عميلًا مخلصًا لإسرائيل، ويرفض أن يرى الثغرات في قصته التي تؤكد أنه كان عميلًا مزدوجًا يعمل لصالح مصر، بينما ترى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أنه كان عميلًا مزدوجًا خدع إسرائيل وأعطاهم تحذيرًا قبل الحرب مضللًا. حيث يري "زعيرا" أن مروان أبلغ الجانب الإسرائيلي بالاستعداد المصري والسوري بشن هجوم قبل ساعات من الحرب، مما لم يمنحهم الوقت للاستعداد الكافي.
فضلًا عن أنه أعطاهم تحذيرات سابقة مُضللة مرتين في السابق، في عامي 1972، وأبريل 1973، مما أدى إلى تعبئة مكلفة لقوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وفي كل مرة لم يقم الجيش المصري بالهجوم، وكان المقصود من ذلك تهدئة إسرائيل وإحساسها الزائف بالأمن، وهو ما أدى لاحقًا إلى تآكل الخوف الإسرائيلي من الهجوم العربي، فعندما أعطاهم التحذير للمرة الثالثة يوم 5 أكتوبر لم تتعامل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بجدية، وكان الجيش الإسرائيلي بطيئًا في الرد، حيث وصفه البعض في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنه "الصبي الذي صرخ الذئب".
كما ضلل مروان إسرائيل فيما يتعلق بالوقت المحدد للهجوم، فبدلًا من تحديد الساعة المحددة، قال إنها ستبدأ في المساء. وفاجأ الهجوم إسرائيل الساعة الثانية ظهرًا.
الخلاف حول مروان من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يتعلق بالنوع المفضل من مصادر الاستخبارات، فبينما يؤمن الموساد بالمصادر البشرية، فإن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تعطي أولوية للمعلومات الواردة من الإشارات الإلكترونية كالتصنت أو القرصنة.
فبينما التطرق لملف أشرف مروان وفتح قضيته وعودتها إلى الواجهة يمكن اعتبارها استفزازًا من قبل إسرائيل قبل ذكرى حرب أكتوبر، إلا أن للأمر بُعدًا آخر داخليًا يتعلق بمحاولات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التهرب من الفشل، واتهام كل منها الآخر بأنه السبب وراء الإخفاق الإسرائيلي في الحرب.