«شارلى شابلن».. تاريخ جديد للمسرح الغنائى الاستعراضى
خلال افتتاح يليق بالدورة الثلاثين للمهرجان التجريبى، قدم عرض «شارلى شابلن» صورة جديدة لصناعة المسرح الغنائى الاستعراضى؛ صورة خارجة من عباءة التكوين الوثائقى الذى يخلط المعلومة بالحكاية والحلم، ويضعها جميعًا فى بوتقة الغناء والرقص الحى.
هذه الصورة تؤكد، عبر منتج متقن، أن هناك طرقًا أخرى- بخلاف الاعتماد على النجم السوبر- لإنجاح عرض ضخم، وذلك بالاعتماد على ممثل متعدد المواهب، مثل محمد فهيم، سريع الحركة والبديهة وذى لياقة بدنية ممتازة، وكذا يمكنه الغناء والرقص والتمثيل بنفس الكفاءة.
وبالطبع مع محمد فهيم مجموعة من الموهوبين، الذين نعتز بقدراتهم الأدائية الكبيرة، منهم أيمن الشيوى، الذى لعب دور إدجار هوفر، مؤسس ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكى FBI، بقدرة كبيرة على الإقناع، وتحول بين التمثيل والرقص والغناء بنفس الكفاءة.
ومنهم عماد إسماعيل، الذى لعب دور سيدنى شابلن، بذكاء وفطنة كبيرين، ومنهم نور قدرى، التى لعبت دور الأم بذكاء وتحول مقنع من الحلم للحقيقة والعكس، ومنهم أيضًا داليا الجندى، التى لعبت دور هيدا هوبر، الصحفية التى نفذت تعليمات رئيس المباحث الفيدرالية فى الحرب على شابلن وتشويه سمعته.
وكانت هناك مجموعة اللاعبين الذين قدموا الأدوار المكملة لطبيعة التكوين الدرامى، والذين بدت لياقتهم وأداؤهم طيبًا للغاية، خاصة فى المشاهد التى تمزج الغناء بالرقص، وتلك مسألة مهمة فى الصناعة؛ فعبر تلك المشاهد اقترب العرض إلى حد كبير من الإنتاجات الغنائية الاستعراضية الضخمة، التى تقدم فى أوروبا وأمريكا، ومن خلال وعى مصرى فارق، يعرف كيف يكمل الحدث الغنائى ويعطيه مشروعية الوجود والتأثير.
وفى تصورى أن ذلك لا يأتى بسرعة أو عبر أفكار وأطروحات عابرة، وإنما عبر الاشتغال لفترات طويلة ممزوجة بالجهد والعرق والمراجعة والتدريب، فلو أنك فكرت فى كيفيات البناء بنفس المنطق والاعتماد البديهى فى تحرك الدراما على اللحظات الغنائية الاستعراضية، ستدرك كم الجهد الذى بُذل سواء فى الإنشاء والكتابة أو فى بقية العناصر المتتبعة للعمل.
على مستوى البناء الدرامى، اهتم كل من الكاتب مدحت العدل والمخرج أحمد البوهى بالتفاصيل الدقيقة فى العلاقة الشائكة بين مكتب التحقيقات الفيدرالية وشارلى شابلن، فبدت بعض التفاصيل المرعبة فى كيفية تهميش الأشخاص واستخدام الإعلام كوسيلة مهمة فى تلك الحرب القذرة. والبناء هنا- على ما يبدو لى- لم يتحرك بالمنطق التقليدى فى صناعة الحدث الدرامى، وإنما خرج من الطريقة التى تخلط الحلم بالحقيقة، ومن ثم كان للشريط السينمائى وجود حى فى البانوراما الخلفية فى كثير من المواقف، ومن ناحية ثانية يمكن تمرير بعض الأحلام والمنغصات التى تدور فى ذهنه أو ذهن أخيه سيدنى أو أمه أو إدجار هوفر، رئيس المباحث الفيدرالية، أو حتى هيدا هوبر، الصحفية المشهورة التى استلمت ملف تشويهه أمام المجتمع الأمريكى. قُدم العرض فى قالب غنائى استعراضى، ولم تكن المصاحبة الاستعراضية للغناء للزخرفة الشكلية فقط، وإنما خرجت من قلب التكوين، وكذا جاءت الأزياء المصاحبة للأحداث ذكية ومكملة للمعنى والحكمة، وذات تلوين مناسب لم يشذ عن الفترة التاريخية. أما عن الديكور، فكان فى تصورى أحد أبطال اللعبة الدرامية المقدمة عن حياة شارلى شابلن، والتكوين يقدم أكثر من ٥٠ منظرًا مسرحيًا مكملًا للأحداث المتلاحقة، دون صعوبة تغيير، ما يعكس قدرة وذكاء المصمم حازم شبل. والعرض بشكل أو بآخر يتتبع حياة فنان أثّر بوعيه وأفكاره بشكل كبير فى صناعة السينما العالمية، عبر مجموعة من الأفلام الصامتة، ورغم ارتباكه من السينما الناطقة لكنه استجاب للموجة الجديدة، وكان له دور عبقرى فى تقديم موضوعات مهمة للغاية فى التعبير عن صوت الناس وحبهم للحياة، ورغبتهم الأكيدة فى العيش فى سلام. ولقد تم الاحتفاء بخطبته الأخيرة فى فيلم الديكتاتور العظيم، واعتبارها منفستو للرئيس الأمريكى روزفيلد، فذلك رجل بنى مجده من خلال وعى حقيقى بالقضايا المحيطة، ورغبة عارمة فى تغيير العالم، والتعبير الذكى عن قضايا الناس، ومقاومة الظلم والجهل، والدفاع باستماتة عن حقوق الناس.