"شاتوبريان وفولتير".. كواليس تَعلُّم طه حسين اللغة الفرنسية
كشف الكاتب حمدى البطران في كتاب "طه الذي رأى" عن كواليس تعلُّم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين للغة الفرنسية، فقال: "ربما كانت فكرة تعلّم ودراسة اللغة الفرنسية، من الصعاب والطرائف التي مرّت بطَهَ حسين، وتدلُّ على قوة مثابرته وجَلَده وتحمله للصعاب. ورغبته الشديدة في أن يصنع له مستقبلًا باهرًا".
وأضاف البطران، في البداية حدّثه صديقاه عن مدرسة مسائية، تدرس فيها اللغة الفرنسية، ذهب إليها، وجلس وسط التلاميذ المبصرين، فكان المعلم يكتب لهم على السبورة الحرف وينطقه، كما يطلب منهم أن ينقلوه في كراساتهم، وجلس طه حسين لم يفهم شيئًا.
كواليس ألفية ابن مالك
وفي نهاية الدرس انصرف الطلاب، وإذا بالمعلم يقترب من طه حسين ويتعرف عليه، ويعرف طه حسين أنه ابن القاضي الشرعي الذي كان طه حسين يقرأ عليه ألفية بن مالك عندما كان في مدينته.. ويطلب منه أستاذ اللعة الفرنسية أن يقابله على مقهى قصر النيل، وهناك بدأ يتلقى أول مبادئ اللغة.
شاتوبريان وفولتير والفريد دي موسيه
وتابع: "عرف طه حسين شاتوبريان وفولتير والفريد دي موسيه، وكان أستاذ يلقي عليه كلامهم، كان طه حسين يشعر بغرابة ما يقولون ولكنه لم يستوعبه جيدًا، بدأ يبحث عن معلم آخر، ليسرع في تعلم اللغة، إلى أن تعرّف إلى شيخ ألباني غريب الأطوار، كان فقيرًا، لا يجد قوته، وكان يذهب لطه حسين في غرفته، فيأكل معه ولا يتلقى أجرًا عن الدرس، ولكنه كان مرهقًا ويشعر بالتعب لأقل مجهود، كما كان بالغ القذارة ولا يعتني بنفسه، وهو ما جعل شقيق طه حسين ينفر منه وطردَه.
واستكمل: "ظل طه حسين ينتقل من معلمٍ إلى معلم، حتى عثر على شابٍ خريج مدرسة الفرير، وكان والده ابن ملاحظ الطرق الزراعية في مدينته، وكان هذا الشاب رفيقًا لطه حسين في كتاب الشيخ في مدينته، بدأ طه حسين يتدرج في لغته الفرنسية مع أستاذه الجديد وزميله، ووجد أن أمر اللغة الفرنسية أصبح يسيرًا له، وفي حدود قدراته، وبدأ يتقن اللغة، وبدأ يقرأ قصة كانديد لفولتير".
وأشار إلى أنه ذات يوم وهو جالس مع الشيخ عبدالعزيز جاويش، اقترح عليه الأخير أن يفكّر في السفر إلى أوروبا، فرنسا بصفة خاصة، ومنذ أن سمع طه حسين بهذا الاقتراح حتى أصبح شاغله ليلَ نهار، يفكر فيه ويقلب الفكرة، ويفكر في الوسيلة التي يستطيع بها أن يسافر إلى فرنسا، كانت الفكرة عنده تشبه باليقين، وكان واثقًا من تحقيقها، فتحدث مع شقيقه ورفقائه في الدراسة.
وتابع: "عندما سافر إلى أهله في الصعيد أخبر إخوته، كما أخبر أخواته البنات بأنه سيسافر إلى فرنسا وأنه سيقيم فيها، وسيتزوج فرنسية متعلمة ومثقفة تعيش حياه راقية، وأنها ليست جاهلة مثلهن، كانت أخواته لا يأخذن كلامه على محمل الجد، وكن يتندرن ويضحكن منه".
سمع طه حسين من الأنباء، ما جعله يشعر أن حلمه بدأ يقترب، إذ إن الجامعة المصرية قد أعلنت عن بعثتين إلى فرنسا لدراسة التاريخ والجغرافيا. كانت الجامعة تشترط في المتقدمين الحصول على شهادة الثانوية العامة.
طلبات طه حسين في السفر إلى فرنسا
ولم يكن طه حسين يحملها، مع ذلك كتب إلى رئيس الجامعة طلبًا بصفته طالبًا في الجامعة، شرح فيه ما تعلمه، وقال فيه إنه قادر على التعلم والاستيعاب، وعُرض الطلب على رئيس الجامعة ولكنه رفضه لعدم حصول الطالب طه حسين على شهادة الثانوية العامة. ولأن إرساله إلى فرنسا سيكلف الجامعة مبالغ طائلة، ورفيقًا له يقوده ويقرأ له ويساعده، ومع ذلك فلم ييأس ولم يترك الأمر، وإنما أرسل طلبًا آخر لرئيس الجامعة، ليكون أحد أفراد تلك البعثة، ولكن المجلس رفض أيضًا بحجة أن الطالب لا يجيد اللغة الفرنسية.
واختتم حديثه: "مع ذلك فقد كتب طه حسين التماسًا ثالثًا إلى رئيس الجامعة يخبره فيه أنه يتقن اللغة الفرنسية، وأنه سيتقدم لنيل درجة الدكتوراه من الجامعة في الآداب، وعلى سبيل التحدي، أرسلت الجامعة إلى طه حسين تخبره بأن سيُنظر في طلبه لو حصل على الدكتوراه".
اقرأ ايضًا:
"كان مصروفه قرشًا".. كيف قضى طه حسين السنة الأولى فى الدراسة بالجامع الأزهر؟