لماذا تنشط جماعات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية؟
يعاني الأردن من زيادة عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية المشتركة، وسط انتشار كبير لعصابات الجريمة المنظمة التي تنشط في عمليات الاتجار بالمخدرات وتهريب الأسلحة والاتجار في البشر.
وقال الدكتور محمد كمال الجفا، المحلل السياسي السوري الخبير العسكري، إنه نتيجة للظروف الأمنية والعسكرية ومراكز النفوذ المتعددة على الأراضي السورية، وضعف سيطرة الدولة على الأطراف بعد حرب مستمرة لأكثر من اثني عشر عامًا، من الطبيعي أن تخرج مناطق بأكملها عن قبضة السلطات الأمنية والعسكرية في أي دولة شهدت صراعات وحروبًا متنقلة كما شهدتها سورية.
محمد كمال الجفا: مجابهة انتشار المخدرات تتطلب تعاونا عربيا
وأوضح "الجفا" في تصريحات خاصة لـ "الدستور"، أن القوى العسكرية وتنوع انتماءاتهم وتنوع أهداف حملهم للسلاح، ونتيجة للمصالحات الضخمة التي جرت في الجنوب السوري، لمجموعات ضخمة من المنتمين لفصائل عسكرية حملت السلاح ضد الدولة السورية، وبايعت كل القوى الإرهابية التي حكمت بقوة السلاح مناطق شاسعة جدًا من الأراضي السورية، وبعد ذلك دخل الجيش السوري في معارك طاحنة مع كل التنظيمات التي كانت في الجنوب، وبسبب دخول القوات الروسية كضامن رئيسي لهذه المجموعات، والتشابكات الدولية والإقليمية، وتبعية هذه التنظيمات لدول الجوار.
وأشار الجفا إلى أنه تم استيعاب قسم كبير من هؤلاء ضمن تشكيلات رديفة للدولة والجيش السوري، وبقي السلاح بين أيديهم، وبقيت مساحة من السلطة والسيطرة الميدانية والجغرافية بين أيديهم، وبالتالي ليست الدولة هي السلطة العليا والمسيطرة على هذه المساحات الضخمة من المناطق الحدودية.
وقال الخبير السوري إنه لا يوجد دولة في العالم، مهما كانت غنية وقوية، أن تنشر كل هذه القوى العسكرية على كامل أراضيها، مع التذكير بوجود أكثر من ثلاث فصائل عسكرية مقابل الحدود السورية الفلسطينية لمواجهة العدو الصهيوني.
وأضاف: "ضمن هذه الظروف نشطت عصابات تصنيع المخدرات في عدد كبير من المناطق السورية، مثل الجنوب ومناطق تواجد قسد ومناطق هيئة تحرير الشام وقوى أخرى".
وقال الجفا إن زراعة المخدرات تنشط على ضفاف نهر العاصي في مناطق ريف جسر الشغور امتدادًا إلى دركوش، حيث تسمى هذه المنطقة إمارة التركستان في بلاد الشام ويحتلها مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني، وهم من الأقلية الإيغورية، ويساعدهم في هذه الزراعة عدد كبير من المقاتلين الأفغان الذين نقلوا هذه الزراعة من أفغانستان.
وأكد الجفا أن توقف معظم دول العالم عن تمويل المجموعات والمليشيات المسلحة، وتحول الأولوية في الصراع إلى الحرب الأوكرانية الروسية، فرض على هذه القوى إيجاد وسائل تمويل سهلة وسريعة وعالية المردود، وبالتالي كانت المخدرات هي أسهر الطرق وأعلاها دخلا، كما أن موقع سوريا الجيوسياسي والجغرافي جعلها مركزًا للتصنيع وممرًا للعبور ومركزًا ماليًا ضخمًا لكثير من القوى العسكرية الفاعلة على الأرض السورية.
وقال الخبير السوري إنه لا يمكن للدولة السورية لوحدها أن تقوم بهذا العبء الكبير والذي يفوق طاقتها لوحدها، ولا يمكن لها تحويل ما تملكه من قوة عسكرية وأمنية لمحاربة تجارة المخدرات وتصنيعها في مناطق لا تملك فيها سيطرة مطلقة، والتي تمتد على مسافات شاسعة تتعدى أكثر من نصف مساحة سورية.
وأضاف: "لابد من تشكيل قوة إقليمية بإمكانيات ضخمة ومعدات وقوة بشرية وأدوات متطورة للاتصالات ومندوبين وجهاز استخباراتي مشترك بغرفة عمليات مركزية ضخمة وبرواتب مغرية يستطيع الدول العربية من خلال هذا التشكيل المشترك أن تقوض تدريجيًا قدرة وسلطة وإمكانية هذه المجموعات على إنتاج وتهريب المخدرات".
وقال الجفا إنه لابد من دعم سورية اقتصاديًا وماليًا وتثبيت دعائم استقرار الليرة، وهذا جزء مهم في تأمين حد معين من الاستقرار المعيشي وتخفيف حالة الفقر والعوز عند معظم السوريين، ليكونوا جزءًا أساسيًا في محاربة هذه التجارة والمغريات التي يقدمها منتجوها ومروجوها.
وأضاف: "ليس الأردن وحده هو من يدفع ثمن هذه الفوضى على حدوده، بل معظم دول الخليج التي تعد الوجهة الأخيرة لهذه التجارة، وبالتالي هناك مسؤولية أخلاقية ووطنية على كل دول الخليج والأردن ومصر في دعم جهود الدولة السورية وتقديم كل العون المادي والسياسي والتقني لتثبيت وتوسيع قدرة السيطرة على هذه الآفة والأزمة التي امتدت في المنطقة بشكل مخيف جدًا".
وقال إنه يمكن للعرب جميعًا أن يعيدوا تفعيل جميع الاتفاقيات السابقة التي كانت تجمع الدول العربية في منظومة واحدة موحدة، تضع لها أهدافًا جديدة مبتكرة، تتفرع منها منظمات ومكاتب إقليمية تحظى بدعم تقني وعسكري واستخباراتي وسياسي من جميع الدول العربية، وأن يتم إنشاء منظمات مجتمع مدني.
عامر السبايلة: يجب تشكيل تحالف اقليمي لمجابهة انتشار المخدرات
من جهته، قال المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة، إن العصابات النشطة في التجارة بالمخدرات مستوطنة منذ فترة على الحدود السورية الأردنية، وبالتالي لها جذور في المنطقة.
وأضاف الخبير الأردني في تصريحات خاصة لـ "الدستور" أنه لا يمكن مواجهة هذه الظاهرة إلا بتحالف إقليمي، لأننا نتحدث عن جماعات تعبر الحدود ولها مصالح على رقعة جغرافية واسعة، وأعوان واستطاعت أن تبني وجودها حتى داخل هذه البلدان.
وتابع "بالتالي، لا يمكن التعامل معها اليوم في موضوع مواجهة الشاحنات المهربة، وفي النهاية هناك طرق جديدة تبتكر، وهناك حلفاء كثيرون. فهي مواجهة غير تقليدية، وحتى القوات المسلحة التقليدية لا يمكن أن تتعامل في عقيدتها مع موضوع المخدرات".
وشدد الخبير الأردني على أن كل شيء بحاجة إلى إعادة نظر والاستفادة من خبرة الحلفاء والدفع نحو تشكيل تحالف، لأن تجارة المخدرات في النهاية تشكل خطرًا واختراقًا أمنيًا ومجتمعيًا وسياسيًا، وبالتالي يؤسس لواقع يمكن أن يصعب التعامل معه لاحقًا.