أحمد عرابى
يعتبر أحمد عرابى من أكثر الشخصيات إثارة للجدل فى تاريخنا الحديث، وربما حتى الآن. والحق أن عرابى نفسه شخصية درامية بامتياز، وسيكون محور حديثى فى هذا المقال «عرابى والدراما».
يُنظر إلى عرابى دائمًا على أنه رمز للفلاح المصرى. وأتذكر أن أحد أحفاد عرابى كان زميلًا لى فى مدرسة شبرا الإعدادية، وكان الحفيد يشبه إلى حد كبير الجد الأكبر؛ الوجه الأسمر كسمرة أرض وادى النيل، هذا السمار الذى يلمع تحت ضوء الشمس. والغريب أن الحفيد كان له أيضًا الوجه الصارم نفسه الذى يظهر دائمًا فى صور ولوحات وحتى تماثيل عرابى.
عرابى فلاح بسيط من قرى الشرقية، لكنه أيضًا ينتمى إلى الأشراف سلالة الرسول، صلى الله عليه وسلم. لم يحظ عرابى إلا بتعليم بسيط، مثله مثل ملايين من أبناء الفلاحين، ولكنه يلتحق جنديًا «نفر» بالجيش المصرى، لكن سرعان ما يرتقى عرابى إلى رُتب الضباط، خاصة مع إصلاحات الوالى سعيد باشا، لكن يوصم عرابى دائمًا بأنه ضابط من تحت السلاح، أو كما يُقال فى اللغة العامية «ضابط مِخْلَة». لكن القدر سيدفع بهذا الضابط الصغير إلى أعلى الرتب، بل ينال عرابى لقب «الباشا» لكنه فى عيون البعض دائمًا «ضابط المِخْلَة» و«الباشا الفلاح». عرابى رغم خلفيته العسكرية هو أيضًا «الصوفى» الذى يعشق حفلات الذِكر، هو البطل الوحيد الذى تُنسب إليه ثورة «الثورة العرابية»، لكن ذلك كان على سبيل التهوين وليس التفخيم «ثورة عرابى» أو «هوجة عرابى»، بينما كان عرابى يُفضل مصطلح «النهضة المصرية» بديلًا عن «الثورة العرابية».
عرابى هو البطل المهزوم، وويل للمهزوم فى التاريخ، هو المنفى إلى جزيرة سيريلانكا، ثم هو العجوز العائد للوطن، ليتهمه البعض بالرعونة بل الخيانة. ثم أخيرًا يُرد له الاعتبار؛ أولًا على يد ثقات المؤرخين، محمد صبرى السربونى ومحمود الخفيف، ثم على يد ثورة يوليو.
لكن يبقى السؤال المهم: لماذا لم تحظ سيرة عرابى بعمل درامى حتى الآن؟ يأتى ذِكر عرابى، وربما تظهر شخصيته على هامش بعض الأعمال الدرامية، لكن لا نجد فيلمًا سينمائيًا عن عرابى، بينما نجد أفلامًا عن مصطفى كامل وعبدالناصر والسادات، كذلك ليس هناك مسلسل تليفزيونى عن عرابى، بينما نجد مسلسلًا شهيرًا عن أحد أهم رفاق عرابى فى ثورته «عبدالله النديم»!
على أى حال يبقى السؤال: لماذا ابتعدت الدراما المصرية عن تجسيد شخصية عرابى بشكل يليق به؟ هل هى عقدة «المهزوم»؟