الدور المصرى فى السودان
كان من اللافت للنظر أن تكون أول زيارة خارجية للفريق البرهان بعد اندلاع الحرب فى السودان، هى زيارته لمصر. وفى الحقيقة تعيد هذه الزيارة التأكيد على محورية الدور المصرى فى الشأن السودانى، وعدم إمكانية تجاوزه، بل ضرورة استثماره من جانب القوى الإقليمية والدولية الفاعلة فى الساحة السودانية، من أجل الوصول إلى حل سريع ودائم يؤدى إلى وقف الحرب، وعودة الهدوء إلى ربوع السودان، والانتقال إلى حكومة مدنية تمهد إلى عقد انتخابات حرة، تعبر عن أطياف الشعب السودانى الذى يستحق حقًا أن يعيش حياة كريمة.
ويدفعنا تأكيد الدور المصرى فى السودان إلى ضرورة طرح السؤال عن السر وراء تراجع هذا الدور المحورى فى العقود الأخيرة؟، ويقودنا إلى تناول العلاقة التاريخية الوثيقة بين مصر والسودان.
ربما لا يعرف جيل الشباب الكثير من المعلومات عن السودان، سألت إحدى تلميذاتى عن عاصمة السودان، وهالنى أنها لم تعرفها. وبعد قليل عذرت تلميذتى، فهى فى الحقيقة تمثل جيلًا بأكمله- وربما جيلين- انقطعت الصلة المعرفية بينه وبين السودان. ورحت أشرح لطلابى كيف كانت مصر والسودان بلدًا واحدًا، وكيف كان شعار «وحدة وادى النيل» هو مطلب الحركة الوطنية فى مصر والسودان طيلة النصف الأول من القرن العشرين، وكيف كان هناك أمل فى بلد واحد لوادى النيل، حتى جاء الاستفتاء فى السودان على حق تقرير المصير بالاستقلال وليس الوحدة مع مصر، كما كان المأمول فى مطلع الخمسينيات.
الأمر الآخر أن مصر حاولت دومًا توطيد الصلات مع السودان؛ حيث تم تأسيس فرع لجامعة القاهرة فى الخرطوم، كان من أهم المؤسسات التعليمية فى السودان، هذا إلى جانب البعثة التعليمية المصرية فى السودان عبر العديد من المدارس. كما جرت عدة محاولات اتحادية بين مصر والسودان، مثل الاتحاد بين مصر والسودان وليبيا فى أواخر عصر عبدالناصر، أو مشاريع الاتحاد بين مصر والسودان فى عصر السادات، أو حتى مشاريع التكامل المصرى السودانى فى عصر مبارك. لكن يلاحظ انتهاء كل هذه المشاريع إلى الفشل، بل توتر العلاقات فى بعض الأحيان بين مصر والسودان.
وأعتقد أن المشكلة الكبرى أننا عمدنا إلى التعامل مع ملف السودان بشكل رسمى، ولم نُعطِّ الفرصة لنمو الاستثمارات الخاصة بين مصر والسودان، فلم نشاهد استثمارات تُذكَر من رجال الأعمال فى البلدين، مع أن المجال مفتوح بشدة بحكم الإمكانات المحتملة فى السودان، لكن توتر العلاقات الرسمية أحيانًا، وتقلبات السياسة السودانية، أديا إلى تردد الكثير من رجال الأعمال فى البلدين عن إقامة مشاريع استثمارية مشتركة. وقد يُفهَم كلامى على أنها دعوة فقط لرجال الأعمال المصريين للاستثمار فى السودان، لكننى فى الحقيقة أقصد رجال الأعمال فى البلدين، وأتذكر دور عائلة قنجارى السودانية واستثمارها فى مصر فى صناعة اللحوم المحفوظة فى نهاية السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى. أتصور أننا بذلك نخلق مصالح مشتركة ثابتة، ستساعد فى دفع السياسة لحفظ العلاقات التاريخية، بل تجاوز الأزمات السياسية. كما يمكن تنشيط مؤسسات المجتمع المدنى لدعم العلاقات المصرية السودانية، وإعادة تنشيط دور المؤسسات الدينية مثل الأزهر والكنيسة القبطية فى السودان. وأتصور أنه بعد عودة الاستقرار إلى ربوع السودان، فإنه من المهم إعادة افتتاح فرع جامعة القاهرة فى الخرطوم، لأنه يساعد فى ظهور نخبة سودانية مرتبطة ثقافيًا بمصر، المهم تقديم معالجة جديدة للعلاقات المصرية- السودانية.