الرئيس الذى انتصر لبلاده ولم ينتصر لشخصه
- التحفز الشرس بادٍ من كتائب متخفية بين المصريين يُرمى إليها بعنوان رئيسى فتنطلق الكلاب المسعورة تحاول نهش سيرة الرجل وإجهاض ما يقوم به لبلاده
- فى عشر سنوات قضاها الرئيس فى حكم مصر تعرض خلالها لعشرات الموجات المتدنية التى استهدفت شخصه وكان يمكنه كما فعل ويفعل رؤساء آخرون أن ينتصر لشخصه لكنه لم يفعل لأنه اختار دائمًا الانتصار لبلاده
ربما لم يتعرض رئيسٌ لِما تعرض له الرئيس السيسى من موجات هجوم وتشويه وتطاول منذ أن عرفه المصريون وزيرًا للدفاع حتى كتابة هذه الأسطر! ومن المفارقات أن هذا الرئيس قد أتى لحكم مصر فى مشهد استثنائى، وبتأييد أكثر من ثلاثين مليونًا من المصريين منحوه أصواتهم الانتخابية فى انتخابات راقبت نزاهتها مئات المنظمات المدنية والحقوقية الدولية، وتحفزت ضدها قوى دولية وإقليمية كبرى انتظارًا لأى مشهد هنا أو هناك لمحاولة استغلاله فى تشويه أكبر عملية تصويت يقوم بها المصريون فى تاريخهم. ورغم ذلك فمنذ اليوم الأول لتولى الرئيس مسئوليته أصبح هدفًا دائمًا لتلك الموجات الشرسة من الهجوم ومحاولات التشويه، اتخذت تلك الموجات شكلًا محددًا منظمًا ممنهجًا. كانت هناك غرف عمليات خارج وداخل مصر تنتظر كل كلمة أو قرار أو توجه من الرئيس المصرى، فتقوم فى التو واللحظة بتوجيه آلاف اللجان والصفحات التى تبدو فى ظاهرها رياضية وفنية ونسائية وكوميدية؛ لبث سيلٍ جارف من الهجوم أو أحيانًا مجرد السخرية أو دعابة تبدو فى ظاهرها بريئة، وفى بضع دقائق يلتقط ملايين المصريين الطُعم مرة تلو المرة، فيتكون شعور جمعى ضد قرار أو كلمة الرئيس! تم استهداف الرئيس بشكل شخصى دون محاولة إخضاع القرار أو الخطاب الرئاسى لنقاش منطقى معلوماتى. لم يتعرض رئيس فى تاريخ مصر وهو فى سُدة الحكم ومن أول يوم لتوليه الرئاسة لِمَا تعرض له السيسى! وقد يكون مفهومًا أن يقوم بذلك أعداء صرحاء تم دحرهم وإجهاض مخططاتهم وتمزيق عصاباتهم المسلحة، لكن المثير للحزن فى تلك المشاهد كان مشهد انزلاق كثير من المصريين للفخ تلو الفخ دون تعلم الدرس، وأحيانًا لم يكن يفصل بين فخين سوى أيام معدودة، من نجا من ذاكرة السمك وقرر متابعة تلك المشاهد المتتابعة فى عشر سنوات بتأمل وتدقيق، يخرج بنتيجة مذهلة تخص رد فعل الرئيس على تلك الموجات المتلاحقة، فكرة التطاول على الرؤساء لم تكن فريدة أو الأولى من نوعها، خاصة فى نطاق دول الشرق الأوسط. لكن مقارنة رد فعل كل رئيس على تلك الموجات ومقارنته برد فعل السيسى هو ما أضعه سببًا ثانيًا فى تأييدى له، يمكن أن ألخص رد فعله فى هذا العنوان الإجمالى.. إنه كان دائمًا الرئيس الذى ينتصر لبلاده ولا ينتصر لشخصه.
من أول الملفات التى تعرض فيها الرئيس لهجوم شرس غير عادل هو ملف مياه النيل أو أزمة السد الإثيوبى. فى صيف عام ٢٠١٠م صدرت الطبعة الأولى من أحد كتبى وفيه فصل عن أزمة السد الإثيوبى، ثم توالت التفاصيل بعد انفجار الاضطرابات فى مصر بعد ٢٥ يناير ٢٠١١م. قبل تفجر هذه الأحداث فى مصر لم تكن الغالبية من المصريين تعلم أى شىء عن أزمة المياه، ولم يكن المصريون يتابعون الشأن العام، ثم فوجئوا بالمشاهد الأخيرة بعدما سُمى بوفد الدبلوماسية الشعبية الذى قرر المبادرة بزيارة إثيوبيا. ما لم يكن يعلمه المصريون وقت أحداث يناير أن موقف مصر على الأرض وفى الواقع- ورغم قوة موقفها القانونى- كان ضعيفًا جدًا بسبب ظروفها السياسية الداخلية، ووجود أطراف دولية كبرى لها أهداف اقتصادية فى دول القارة عبر المساهمة فى تمويل مثل هذه المشاريع، بغض النظر عن اتفاقها أو اختلافها مع القوانين الدولية. نعم لم تكن الدولة هناك فى عام ٢٠١١م قد بدأت فى تشييد السد، لكن فى مايو عام ٢٠١٠م وأثناء وجود مبارك فى الحكم كانت مجموعة من دول حوض النيل قد وقعت- دون مصر والسودان- ما يسمى اتفاقية عنتيبى، ثم فى مارس وأبريل ٢٠١١م- والمصريون فى ذروة الفوضى- تم الشروع فى تشييد السد بعد إعلان رسمى دولى، وفى العامين حتى ثورة يونيو- حين كانت مصر منكفئة على ذاتها واضطراباتها- كان العمل فى السد يسير بسرعات كبيرة وبمساعدة تمويلية من دول بعينها، وأسوأ مشاهد مصر التى تم استغلالها هو مشهد الخيانة العظمى الذى قام به مرسى على الهواء مباشرة فى تقديم مصر للعالم، وكأنها دولة متآمرة ضد إثيوبيا، مهدرًا بذلك عدالة موقف مصر القانونى، وحين تولى السيسى المسئولية كان موقف مصر السياسى- بسبب ثورة يونيو وتآمر قوى إقليمية ودولية ضدها ووصفها بالانقلاب- ضعيفًا جدًا، رغم أن عدالة موقفها القانونى واتفاقه مع القوانين الدولية لم يتغير.
أول ما تصدى له السيسى خارجيًا كان أزمة السد، فخصص أولى زياراته الخارجية للدول المساهمة فى التمويل، واستطاع بالفعل وقف التمويل الخارجى لحين توصل البلدين لاتفاق قانونى. وكان نجاحه فى ذلك سببًا لتعطل أعمال البناء، واستغراقها سنوات إضافية كانت مصر تحتاجها لكى تستعيد توازنها السياسى، وتستكمل مواجهتها بما يحفظ حقوق مصر فى مياه النيل، وبما يحقق بند الأمان المستقبلى عبر توقيع اتفاق قانونى يضمن مشاركة مصرية فى تشغيل السد، ويضمن عدم وقوع أضرار على مصر أو السودان فى سنوات ملء الخزان. المتخصصون يعرفون هذا ويعرفون أن مصر فى العقود السابقة لم تقف دون أى تنمية فى دول القارة، وساعدت السودان وإثيوبيا ذاتها وبعض دول حوض النيل فى إنشاء وإدارة وتشغيل مشاريع رى وتنمية زراعية، لما تتمتع به مصر من تفوق كبير فى مجال هندسة الرى منذ مطلع القرن الماضى.
ورغم هذه المعرفة من جانب المتخصصين والسياسيين خارج مصر، لكنهم عبثوا بالثبات الانفعالى للمصريين وسربوا لهم مشاعر الإحباط والتشكيك فى قدرات مصر بعد إعادة بناء مؤسساتها السيادية الوطنية. استجاب كثيرٌ من المصريين لدعاوى التشكيك حتى بعض المتعلمين والمثقفين منهم، وهؤلاء قدموا للعوام معلومات مضللة كان هدفها إفساد علاقة الرئيس بالمصريين، وهز ثقتهم به والتطاول عليه وتشويه صورته الوطنية، لم يخبروا العوام بأنه تولى الملف فى مراحله المتأخرة، وبعد أن تسبب بُعد مصر عن محيطها الإفريقى- حتى من قبل محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا- فى إفساد علاقات مصر بهذا المحيط، وبعد أن تسببت شياخة وتكلس النظام السياسى فى مصر فى عجز هذا النظام عن طرح حلول واقعية، بل تسبب فى إهدار فرصة تاريخية- فى فترة المساومات الأولى فى نهايات التسعينيات- فى الحصول على زيادة فى حصة مصر المائية. لقد تلقف المتربصون القلق الذى عبر عنه المصريون فى وسائل التواصل ونفخوا فيه وأقنعوهم بأن الانتصار الممكن الوحيد لمصر هو القيام بعمل عدوانى مسلح، كانت تلك القوى المتربصة تتحرّق لقيام مصر به حتى يتم ضربها وإجهاض محاولتها للنهوض، أوهموا المصريين أن مجرد بناء السد- وهو قد أصبح حقيقة فعلية- هو هزيمة لمصر وتعطيش لها وتدشين لسياسة جديدة تمنح دول المنبع صلاحيات مطلقة للتحكم فى النيل. كان المشهد معقدًا جدًا ويحتاج لمواجهة طويلة النفس للوصول لتحقيق أهداف استراتيجية حقيقية تصب فى صالح جميع بلدان حوض النيل، لا تعطل أو تمنع مشاريع التنمية هناك، ولا تتعارض مع حق مصر التاريخى والقانونى الذى لن تتنازل عنه بأى حال.
لم يرد السيسى على حملات التطاول الشخصى بكلمة واحدة ينتصر فيها لشخصه، لكنه كان مشغولًا بشيئين اثنين، الأول: طمأنة المصريين بأن مصر لن تفرط فى حقها المصيرى وأن إدارته مسئولة عن حماية هذا الحق، والثانى: خوض معركة مصر بطرق قانونية مشروعة تجنح للسلام والتعاون، وتحافظ على أواصر العلاقات التاريخية التى تعتبر الضامن الوحيد للاستقرار والعمران والحياة. لقد نجح فى الوفاء بالتزاماته أمام المصريين فى حماية حقوق مصر المائية بشكل واقعى غير متشنج، وتجاوز كعادته كل حملات التشكيك والتطاول.
كان عبثًا كبيرًا حين خاض كثيرٌ منا مناقشات بيزنطية لساعات طويلة مع مصريين من المفترض أنهم متعلمون ومثقفون؛ لكى نقنعهم بوطنية وإخلاص مؤسسات مصر السيادية الأهم فى مصر بداية من رئيس كان لا يزال يخوض غمار معارك عسكرية ودبلوماسية لحماية ثورة يونيو من محاولات إجهاضها الخارجية، ووزارة خارجية على رأسها وزير خارجية بدرجة مقاتل شرس، وقوات مسلحة لم يكن نزيف دماء أبنائها قد توقف بعد على أرض سيناء. كان ذلك وقت ما عُرف بأزمة جزيرتى تيران وصنافير، تم اتهام هذا الرجل المخلص بأحط وأقسى اتهامات ممكن لمثله أن يعرف أنها توجه إليه حتى من مواطن مصرى واحد. معارك السياسة والاستراتيجية لها مفرداتها وأسرارها وحساباتها، ولم يحدث مثلًا أن دولة ما قام فيها مسئولوها الأرفع مكانة بشرح خططهم طويلة الأمد فى وسائل الإعلام، أو حتى فى المجالس النيابية، لكن دائمًا هناك قدرٌ مسموح بإعلانه فى كل دولة وفى كل قضية داخل كل دولة. خرج الرئيس السيسى وقتها بأكثر من تصريح قائلًا فى واحد منها بمرارة كبرى: «لازم تثقوا فى أجهزة مصر الوطنية».. لم ينتصر لنفسه أو حتى يرد على هذا التطاول لكنه انتصر لبلاده ومؤسساتها الوطنية الصلبة التى أنقذتها وأنقذت شعبها من السقوط الكبير.
كان التحفز الشرس باديًا من كتائب متخفية بين المصريين يُرمى إليها بعنوان رئيسى، فتنطلق الكلاب المسعورة تحاول نهش سيرة الرجل وإجهاض ما يقوم به لبلاده. فى كل أزمة سياسية مهما تكن حساسية بعضها، أو مهما يبدو واضحًا جدًا محاولة توريط مصر فى فخ ما عن طريق استغلال أو خلق أزمة بعينها. فى قصة الغاز بالبحر المتوسط، وقصة ريجينى، شاهدنا من بين المصريين من يتلوى كالأفعى متهمًا بلاده بأبشع الاتهامات.
إننى أعتقد أنهم قد خصصوا غرف عمليات فقط لتولى مهمة القيام بحملات تشويه شخصية ضد الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، بخلاف غرف العمليات الأخرى الموجهة ضد الدولة المصرية! أحيانًا كثيرة كنتُ أتساءل عن هذه القوة النفسية التى منحها الله لهذا الرجل ليتمتع بهذا القدر من الثبات الانفعالى الأخلاقى ضد هذا السيل من موجات التطاول التى أصبحت متوقعة مع القرارات الكبرى والمشاريع الكبرى والإنجازات الكبرى، وكأنها أصبحت من متلازمات تلك القرارات أو الإنجازات.
لم تنجُ المشاهد الإنسانية التى كان السيسى طرفًا فيها من محاولات التشويه والإسفاف رغم وجود سابقات لها فى أزمنة سابقة احترمها المصريون وقدروها حق قدرها. لكن الفارق كان واضحًا أن هذه المرة هناك رجل بعينه كان مطلوبًا ألا يتم ترك أى مشهد له دون محاولة قذفه بالحجارة! فى أحد خطاباته لتهوين الظروف الاقتصادية على الأسر المصرية روى حكاية شخصية عن أسرته، وأنه ظل فى صدر شبابه لمدة عدة سنوات، ولم يكن فى ثلاجة منزله سوى المياه! لقد تابعت هذا المشهد بتدقيق ورأيت سيلًا من الكوميكس يجتاح معظم الصفحات التى تدعى أنها «فنية، رياضية، كوميدية»، وكل هذا السيل للسخرية من ثلاجة الرئيس! لقد حدث هذا رغم منطقية وواقعية القصة التى رواها الرئيس، ورغم اتفاقها مع المعلومات المتاحة عن الأحوال الاقتصادية لضباط القوات المسلحة لسنوات بعد حرب أكتوبر، وأن أحوال هؤلاء الضباط كانت تتماشى تمامًا مع أحوال مصر الاقتصادية، وأن القوات المسلحة لم تبدأ فى تدشين أنشطتها الاقتصادية- المشروعة جدًا- إلا فى آخر عقدين ونصف العقد، ومعها تحسنت أحوال الضباط، تمامًا كما تحسنت أحوال كثير من المصريين من العاملين فى قطاعات أخرى بعيدة تمامًا عن مؤسسات الدولة! وكان منطقيًا أن تمر أسرة ضابط شاب بظروف ما، تمامًا كما كنت شاهدًا عليه فى حالة أخرى، ربما لن يصدقها أغلب العاملين فى السياحة عن أحد الزملاء الذى مر بظروف استثنائية جعلته لا يمتلك أصلًا ثلاجة لمدة تزيد على أربعة أعوام كاملة! ومهما تخبر الناس فلن يصدقوا أن فلانًا هذا- وقبل انهيار السياحة فى عام ٢٠١١م- قد عاش هذه الحياة!
موجات سخرية استهدفت الرجل، لكنها لم تخرجه عن خطه الأخلاقى الذى يتميز به ولا يتصنعه، فلم ينتصر لشخصه أو يخُض مرة أخرى فى تلك الواقعة، تزامنت معها أو ربما سبقها أو لحقها بوقت قصير واقعة أخرى شهيرة نالت نصيبها من حملات التشويه والاستهداف وهى واقعة «قِرط الحاجة زينب» رحمها الله، فى جميع الدول يتم تسليط الضوء على بعض المشاهد المتفردة من أجل أغراض وطنية مثل جمع تبرعات لأهداف وطنية أو تراثية، ولمصر سابقة فريدة حينما قامت بجمع تبرعات لبناء السد العالى وإنقاذ تراثها من الغرق. ساعتها أسهمت شعوب أخرى فى المشهد، كما أسهمت قوة مصر الناعمة ممثلة فى كوكب الشرق والممثل على عبدالعال الذى تبرع بكل أمواله للسد العالى. فى محنة مصر قرر الرئيس دعوة المصريين للتبرع لبلادهم عبر صندوق تحيا مصر، وبادرت إحدى السيدات الفضليات بالتبرع بما تملكه وهو قِرط ذهبى. من الطبيعى أن يتم إلقاء الضوء على هذا المشهد وأن يكرمها الرئيس السيسى. لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن طبيعيًا! بدأت موجة سخرية شديدة تُسفّه من الفعل، ومن بطلته رحمها الله ومن شخص الرئيس الذى يولى للمشاهد الإنسانية اهتمامًا خاصًا!
فى عشر سنوات قضاها الرئيس فى حكم مصر تعرض خلالها لعشرات الموجات المتدنية التى استهدفت شخصه، وكان يمكنه كما فعل ويفعل رؤساء آخرون أن ينتصر لشخصه، لكنه لم يفعل لأنه اختار دائمًا الانتصار لبلاده وهذا الاختيار لم يكن مُتصنعًا، لكنه- حين يتم وضعه مع باقى تفاصيل شخصيته- كان متسقًا تمامًا مع مجموعة قيمه الأخلاقية والوطنية، ومع مفرداته اللغوية المترفعة عن أى انزلاق ولو لمرة واحدة!
فى كتابى «الكتاب الأسود»، ونتيجة لما قمت ببحثه من فصول تاريخ مصر وفترات ازدهارها وفترات انكسارها، رأيت أن هناك مجموعة من الصفات كانت دائمًا حاضرة بقوة فى شخصية الحاكم فى فترات الازدهار، لذلك قمت بوضع هذه الصفات كعلامات استرشادية لى وقت الاختيار، يمكن إجمال تلك الصفات فى الآتى:
أن يكون رئيسًا ذا رؤية ولا يعمل بمنطق «الرئيس الموظف» الذى كان يمكنه الاكتفاء بإنقاذ مصر من براثن ومخالب الحكم الفاشى، أى بالانتصار العسكرى، ثم يقنع بأن تعود بلاده إلى حالة «اللا حياة ولا موت». أما الرئيس ذو الرؤية فهو الذى يرفض أن يكون قنوعًا فى أحلامه لبلاده ويضع نصب عينيه موضع مصر بعد عقود من حكمه.
أن يكون مؤمنًا إيمانًا حقيقيًا براية «الأمة المصرية» و«القومية المصرية» ولن يتحقق له ذلك إلا بأن يكون قارئًا وملمًا بتاريخ مصر فى مجمل عصوره التاريخية، حتى يؤمن بقيمة الأمة المصرية.
يترتب على هذا الإدراك أن يكون قادرًا على استنهاض مواطن القوة فى أمته، فتتفجر فجأة معه قدرات وطاقات كانت كامنة، وهو ما عبر عنه السيسى مرارًا فى عبارات مثل «بيكم أنتم يا مصريين مصر هتبقى حاجة تانية»، وآخر مرة قال هذه العبارات فى لقائه أهل مطروح.
ألا تطغى رؤيته طويلة المدى على مراعاته الأبعاد الاجتماعية المصاحبة لفترات التغيير الكبرى فى حياة الأمم، فيعود للمواطنين شعورهم المفتقد بأنهم مواطنون وشركاء فى إدارة ونهضة بلادهم، وهذا ما تتبعته فى السنوات الماضية عبر حرصه على البعد الاجتماعى بمشاريع وحملات عملاقة مثل حياة كريمة وحملات الصحة المجانية.
أن ينتقل بمصر إلى مرحلة «الحكم المؤسسى» الذى يضع سياسات لتحقيق أهداف الأمة لعقود آتية، وتعمل على تحقيقها مؤسسات الدولة بسواعد المصريين أنفسهم.
إيمانه بوجوب إعداد أجيال جديدة للقيادة وإعداد صفوف ثانية وثالثة، ويمنعه ضميره الوطنى أن يسمح بتكرار مشهد ٢٥ يناير أو أن تشيخ الدولة المصرية ولا تستطيع استيعاب طموحات أبنائها، وهذا ما يفعله عبر أكاديميات إعداد القادة من شباب مصر.
أن يقتحم جميع الملفات الشائكة، وهذا ما يفعله منذ اليوم الأول لتوليه الحكم.
أن يفتح أبواب الترقى المجتمعى والعمل العام أمام شباب مصر؛ لأن انسداد تلك الشرايين قد ألقى فى عقودٍ ماضية بهؤلاء فى تيه الإحباط المجتمعى والسياسى، وقدمهم لقمة سائغة لجماعات وقوى الشر المختلفة، ومن تابع فعاليات وجلسات ومخرجات الحوار الوطنى يدرك أن الرجل قام بذلك وبقوة وبشكل عملى حقيقى بعيدًا عن التنظير الأجوف الذى ساد مصر فيما سبق.
أى متابعة مدققة عادلة لسنوات حكم السيسى السابقة تظهر بسهولة أنه كان يقوم بكل تلك البنود منذ اليوم الأول، وأصبحنا نرى وجوهًا مصرية شابة تقف فى ثقة أمام رئيس الجمهورية تشرح بشكل علمى مشروعًا إنتاجيًا ما أو حتى تناقشه فى طموحات الشباب السياسية. وأخيرًا بدأت بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية تدرك رؤية الرئيس فى ملفات الهوية وجميع الملفات الشائكة، فبدأت تقوم بدورها المفقود لعقود طويلة. هذا فى الشأن العام، أما الصفات الشخصية للرئيس فهى التى وددت أن ألقى الضوء على بعضها، لأنها جزء أصيل فى مكونات القيادة التى تحتاجها مصر ذات الأقدار والتحديات الخاصة، بين رجل انتصر لشخصه فأضر علاقات مصر بدول إفريقية ودفعت مصر ثمن ذلك باهظًا، وبين رجل لم يكف المتربصون عن محاولات رجمه منذ اليوم الأول لحكمه، وحتى الآن تتجلى الحقيقة كاملة، لم تثن السيسى محاولات اغتياله الكثيرة عن السير قُدمًا فيما طمح إليه لمصر، ولم تنل من عزيمته أىٌّ من تلك المحاولات، ولم يثبط من عزيمته أن يستجيب بعض المصريين لكل دعاة الفتنة والتشكيك، فأثبت بالممارسة العملية أنه رجلٌ يليق بمصر، ويليق باللحظة الحاسمة التى تَعبرها مصر.
فى الجزء الثالث.. الرئيس الأكثر إنجازًا فى تاريخ مصر المعاصر بالملف الاقتصادى